أبناء الجالية الليبية: نعيش بأمان تام في مصر بلد الاستقرار

الجالية الليبية فى مصر
الجالية الليبية فى مصر

ياسين‭ ‬صبرى

لطالما‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬درعاً‭ ‬وسنداً‭ ‬لأشقائها‭ ‬العرب‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬الشدة،‭ ‬فاختارها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مواطنى‭ ‬دول‭ ‬ما‭ ‬يُمسى‭ ‬بـالربيع‭ ‬العربي‭ ‬كملاذ‭ ‬آمن‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الصراع‭ ‬والحروب‭ ‬التى‭ ‬أنهكت‭ ‬بلادهم‭ ‬وجعلتها‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار.‭

التقت ‬آخرساعة‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الجالية‭ ‬الليبية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وتحدثت‭ ‬إليهم‭ ‬عن‭ ‬أوضاعهم،‭ ‬ومدى‭ ‬استعدادهم‭ ‬للمشاركة‭ ‬فى‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬حين‭ ‬تنطلق‭ ‬فى‭ ‬بلادهم‭.‬

بعد‭ ‬قيام‭ ‬أحداث‭ ‬17‭ ‬فبراير‭ ‬فى‭ ‬ليبيا،‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الليبى‭ ‬جراء‭ ‬الاضطراب‭ ‬الأمنى‭ ‬الذى‭ ‬شهده‭ ‬بلدهم‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬محمد‭ ‬المزداوي،‭ ‬الذى‭ ‬روى‭ ‬لنا‭ ‬معاناته‭ ‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬الأراضى‭ ‬المصرية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭  ‬سلب‭ ‬منزله‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يستعد‭  ‬للسفر‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي،‭ ‬وبعد‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬مرسى‭ ‬مطروح‭ ‬ومكوثه‭ ‬بها‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬انتقل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬حى‭ ‬المهندسين‭ ‬الراقى‭ ‬بالقاهرة‭ ‬ليسكن‭ ‬به‭ ‬مع‭ ‬أسرته‭.‬

يضيف‭: ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬فى‭ ‬رعب‭ ‬مستمر‭ ‬جراء‭ ‬المعارك‭ ‬والاشتباكات‭ ‬بين‭ ‬الميليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬التى‭ ‬تتصارع‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬تقاسم‭ ‬النفوذ،‭ ‬وكنا‭ ‬نرى‭ ‬تساقط‭ ‬الصواريخ‭ ‬بصورة‭ ‬عشوائية‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬المأهولة‭ ‬بالسكان،‭ ‬فكان‭ ‬الموت‭ ‬يحيط‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬الفرار‭.‬

ويشير‭ ‬المزداوى‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬فكَّر‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬عند‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬فى‭ ‬إقامة‭ ‬محل‭ ‬للملابس‭ ‬الجاهزة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬عدَّل‭ ‬سريعاً‭ ‬عن‭ ‬الفكرة‭ ‬بعد‭ ‬نصيحة‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائه،‭ ‬ليقوم‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بتأسيس‭ ‬أحد‭ ‬الكافيهات‭ ‬بالمشاركة‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬المستثمرين‭ ‬المصريين‭ ‬فى‭ ‬حى‭ ‬المهندسين،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أنه‭ ‬سيشارك‭ ‬فى‭ ‬الانتخابات‭ ‬الليبية‭ ‬المقبلة‭ ‬متمنياً‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬الاستقرار‭ ‬والرخاء‭ ‬على‭ ‬وطنه‭ ‬الأم‭.‬

فيما‭ ‬يحكى‭ ‬قليب‭ ‬موسى‭ (‬تاجر‭ ‬ليبي‭) ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬انتقاله‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬فضَّل‭ ‬الذهاب‭ ‬لمحافظة‭ ‬الفيوم‭ ‬التى‭ ‬استقر‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته‭ ‬وأقربائه،‭ ‬ما‭ ‬ساعده‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬مجال‭ ‬عمله‭ ‬فى‭ ‬تجارة‭ ‬الأرز‭ ‬والحبوب،‭ ‬مشيداً‭ ‬بالمعاملة‭ ‬الطيبة‭ ‬التى‭ ‬لاقاها‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬بلهجته‭: "‬المصريون‭ ‬يتعاملون‭ ‬معنا‭ ‬معاملة‭ ‬زاهية‭"‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬خفّف‭ ‬عنا‭ ‬الشعور‭ ‬بالغربة‭.‬

يضيف‭: "‬لم‭ ‬أواجه‭ ‬أى‭ ‬مشكلة‭ ‬فى‭ ‬الإقامة،‭ ‬لأننى‭ ‬كنت‭ ‬أمتلك‭ ‬كافة‭ ‬الأوراق‭ ‬الثبوتية‭ ‬وجواز‭ ‬السفر،‭ ‬لذلك‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تسوية‭ ‬أوضاعى‭ ‬وأوضاع‭ ‬أسرتى‭ ‬وألحقت‭ ‬ابنى‭  ‬بالمدارس‭ ‬المصرية‭".‬

أما‭ ‬ابتهال‭ ‬حمدي،‭ ‬فاختارت‭ ‬التوجه‭ ‬من‭ ‬طرابلس‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬مشروعها‭ ‬الخاص‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شريكتها‭ ‬التى‭ ‬تحمل‭ ‬هى‭ ‬الأخرى‭ ‬الجنسية‭ ‬الليبية‭. ‬وأضافت‭: "‬بعد‭ ‬قدومنا‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬ظللنا‭ ‬لمدة‭ ‬عام‭ ‬نفكِّر‭ ‬فى‭ ‬خطوتنا‭ ‬التالية،‭ ‬ولمّا‭ ‬قررنا‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬إقامة‭ ‬مطعم‭ ‬يقدِّم‭ ‬الأكلات‭ ‬الليبية‭ ‬التراثية،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬التشاور‭ ‬مع‭ ‬أصدقائنا‭ ‬الليبيين‭ ‬المقيمين‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والذين‭ ‬كانوا‭ ‬يفتقدون‭ ‬مذاق‭ ‬الوجبات‭ ‬الليبية‭ ‬الشعبية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائنا‭ ‬المصريين‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬وعملوا‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬فترة‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬وكانت‭ ‬لهم‭ ‬بها‭ ‬ذكريات‭ ‬طيبة‭ ‬فيها،‭ ‬فقاموا‭ ‬بتشجيعنا‭ ‬على‭ ‬المضى‭ ‬قدما‭ ‬بهذا‭ ‬المشروع،‭ ‬وبالفعل‭ ‬افتتحنا‭ ‬مطعماً‭ ‬صغيراً‭ ‬حقق‭ ‬نجاحاً‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬الليبيين‭ ‬بل‭ ‬والمصريين‭ ‬أيضاً‭.‬

تتابع‭: "‬النبى‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أوصى‭ ‬على‭ ‬سابع‭ ‬جار،‭ ‬ونحن‭ ‬نعتبر‭ ‬أول‭ ‬جار‭ ‬لمصرنا‭ ‬الحبيبة،‭ ‬ولم‭ ‬نكن‭ ‬نجد‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬ليأوينا‭ ‬ويحمينا‭ ‬فى‭ ‬الأوقات‭ ‬الصعبة‭ ‬التى‭ ‬مررنا‭ ‬بها‭".‬

وتؤكد‭: "‬أخلاق‭ ‬المصريين‭ ‬تبدت‭ ‬فى‭ ‬مساعدتنا‭ ‬عند‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬محل‭ ‬للإيجار،‭ ‬فالشخص‭ ‬الذى‭ ‬استأجرنا‭ ‬منه‭ ‬المكان‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬تأجيره‭ ‬للمطاعم،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬علم‭ ‬بالظروف‭ ‬التى‭ ‬واجهناها‭ ‬وأننا‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬تأجيره‭ ‬لنا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬عند‭ ‬مرورنا‭ ‬بأى‭ ‬مشكلة‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يتصدى‭ ‬لها‭ ‬هم‭ ‬إخواننا‭ ‬المصريون‭".‬

وتضيف‭: "‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وجدنا‭ ‬الأهل‭ ‬والجيرة‭ ‬الطيبة،‭ ‬وبنعمة‭ ‬من‭ ‬ربى‭ ‬كان‭ ‬استمرارنا‭  ‬منذ‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فاجتزنا‭ ‬مرحلة‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬بخير،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬المطعم‭ ‬يقدم‭ ‬الوجبات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أعتبره‭ ‬ثباتاً‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬التحديات‭".‬

كما‭ ‬أوضحت‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬الأكلات‭ ‬التى‭ ‬يوجد‭ ‬عليها‭ ‬إقبال‭ ‬فى‭ ‬المطعم‭ ‬هى‭ ‬المكرونة‭ ‬المبكبكة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الكسكسى‭ ‬وطريقة‭ ‬عمله‭ ‬مختلفة‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬متبع‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬يُخلط‭ ‬مع‭ ‬اللحم‭ ‬أو‭ ‬الدواجن‭ ‬أو‭ ‬الأسماك،‭ ‬ويضاف‭ ‬إليه‭ ‬الصوص‭ ‬والزيت‭ ‬وبهارات‭ ‬يتم‭ ‬إحضارها‭ ‬خصيصاً‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬مثل‭ ‬الكركم‭ ‬والفلفل‭ ‬الأحمر‭ ‬وتوضع‭ ‬مع‭ ‬المرق‭ ‬ليتشبع‭ ‬بها‭.‬

تلتقط‭ ‬شريكتها‭ ‬فى‭ ‬المطعم‭ ‬نور‭ ‬إبراهيم‭ ‬أطراف‭ ‬الحديث‭ ‬فتقول‭: "‬مصر‭ ‬أم‭ ‬الدنيا،‭ ‬وهى‭ ‬التى‭ ‬استقبلتنا‭ ‬بالترحاب‭ ‬بعد‭ ‬سوء‭ ‬الأوضاع‭ ‬فى‭ ‬ليبيا‭ ‬عام‭ ‬ 2011،‭ ‬وقد‭ ‬توطدت‭ ‬صداقتى‭ ‬بابتهال‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬فعملنا‭ ‬معاً‭ ‬بقلبٍ‭ ‬واحد،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هدفنا‭ ‬جمع‭ ‬المال‭ ‬بقدر‭ ‬توفير‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬لنا‭ ‬فى‭ ‬بلدنا‭ ‬الثانى‭ ‬مصر‭".‬

تتابع‭: "‬أنا‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬مصراتة‭ ‬التى‭ ‬تعتبر‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬فى‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬طرابلس‭ ‬وبنغازي،‭ ‬وأنوى‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬انتخابات‭ ‬ليبيا‭ ‬القادمة‭ ‬حتى‭ ‬تستقر‭ ‬الأوضاع‭ ‬وتسير‭ ‬الأمور‭ ‬بصورة‭ ‬جيدة‭".‬

تجربة‭ ‬مختلفة‭ ‬عاشها‭ ‬رمزى‭ ‬العماري،‭ ‬الذى‭ ‬اختار‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬الإسكندرية‭ ‬واستقر‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬أسرته‭ ‬منذ‭ ‬ست‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬أنشأ‭ ‬مكتباً‭ ‬للسياحة‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬خبرته‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬السفر‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭.‬

ويقول‭: "‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أى‭ ‬مشروع‭ ‬لا‭ ‬تواجهه‭ ‬عقبات‭ ‬فى‭ ‬البداية،‭ ‬وكان‭ ‬أبرزها‭ ‬الحصول‭  ‬على‭ ‬تصاريح‭ ‬الدخول‭ ‬والخروج،‭ ‬لكننا‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭". ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬سيشارك‭ ‬فى‭ ‬الانتخابات‭ ‬الليبية‭ ‬المقبلة،‭ ‬معتبراً‭ ‬ذلك‭ ‬واجباً‭ ‬أصيلاً‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬وطنه‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الأمان‭ ‬ويستأصل‭ ‬شأفة‭ ‬الإرهاب‭.‬