عمار علي حسن يكتب: ما النخبة؟

عمار علي حسن يكتب :ما النخبة؟
عمار علي حسن يكتب :ما النخبة؟

النخبة، بشكل عام، هى مجموعة تتفوق على بقية المجتمع، مستندة إلى مركز اجتماعى متقدم، أو ألمعية فكرية، أو قدرة علمية، أو امتلاك ثروة طائلة، أو مرتبة دينية، وقد تمتلك هذه المجموعة بعض تلك الركائز أو كلها فى وقت واحد، وقد ينشد أعضاؤها أنشودة واحدة متناغمة دون حاجة إلى قائد أوركسترا، إذ إن إدراكهم للمصالح المشتركة والمصير الواحد يدفعهم جميعاً للعمل سوياً فى سبيل الحفاظ على وجودهم ونفوذهم.


 ومفهوم النخبة يطلق على مجموعة تتولى القيادة فى مجال معين من مجالات الحياة، كأن يقال النخبة الثقافية والنخبة العلمية ونخبة الفلاحين ونخبة العمال ونخبة الموظفين وهكذا، أو تتولى قيادة المجتمع بأسره، وهنا نقول «النخبة الحاكمة» التى تقابلها بالضرورة «نخبة مضادة» تعارضها أو تطرح نفسها بديلا لها، فحول هذه «النخبة القائدة» هناك دوما دوائر من النخب «غير القائدة» والفيصل بين الأولى والثانية هو حجم الفاعلية.

 

وبهذا يتعدى تعريف النخبة مجال السيطرة السياسية لتنطبق على أى جماعة أو مجموعة من الأفراد أو صنف من الناس يمتلكون بعض الصفات والسمات التى يثمنها المجتمع ويقدرها، مثل الذكاء العقلى الفارق، والمراكز الإدارية الحساسة، والقوة العسكرية، والسلطة الأخلاقية، أو السمعة العالية والتأثير البالغ، بغض النظر عما إذا كانت التصرفات التى تصدر عنها إيجابية أم سلبية. 


ويمكن أن نتعرف على النخبة عبر عدة طرق منها تتبع تاريخ المجتمع للوقوف على الأفراد الأكثر قوة ونفوذا، أو حصر الأشخاص الذين تولوا مناصب ومواقع رئيسية، وكذلك أولئك الذين يساهمون بوضوح فى صناعة القرار السياسى، وأخيرا هؤلاء الذين يذيع صيتهم بين الناس على أنهم من صفوة المجتمع.


ولم يقتصر اهتمام الدراسات والأبحاث التى تناولت النخب فى المجتمعات الإنسانية على قياس حجم نفوذ وتأثير من ينتمون إليها، بل ذهبت إلى ما هو أكثر اتساعا من هذا بغية الوصول إلى هذا الهدف فى نهاية المطاف، فدرست خلفياتهم الاجتماعية من النواحى الدينية والعرقية والطبقية والتعليمية والمهنية والجهوية، وسلوكهم الاجتماعى بمختلف تفاصيله، والقيم التى يؤمنون بها، وخصائصهم النفسية وتصرفاتهم الفردية، وإدراكهم لأنفسهم ولمن حولهم، ومواقفهم من القضايا والأحداث.  


وبصفة عامة تتوزع نظريات النخبة على أربعة اتجاهات أساسية، تبعا لركائز القوة، الأول تنظيمى ويقف على رأس مبدعيه موسكا وميشلز، اللذان عزوا قوة النخبة إلى قدراتها التنظيمية الفائقة. والثانى نفسى، ورائده باريتو ويرى أن أفراد النخبة متفوقون على بقية الناس فى السمات النفسية والذكاء العقلي.

 

والثالث اقتصادى، ومن أهم رواده بيرنهام، الذى يؤكد أن من يسيطر على وسائل الإنتاج أو يديرها هو من له الغلبة. أما الرابع فمؤسسى، ومن أبرز المتحمسين له ميلز، الذى يعتقد أن القوة تكمن فى وجود منظمات رئيسية فى المجتمع تتدرج فى المكانة، ومن يجلسون على رأسها، أو يتولون مناصب عليا بها، هم «نخبة القوة» المتحكمة.  


وتنطلق «نظرية النخبة» من افتراض مفاده أن الظواهر السياسية تابعة لظواهر أخرى، ولا يمكن فهمها إلا بتحليل «البنية الاجتماعية» لاكتشاف القوة المنظمة المتحكمة فى مقاليد الأمور، وذلك اتكاء على أن المجتمع مقسم أفقيا إلى طبقات ودرجات ومراتب وشرائح سواء على معايير اقتصادية أو غير ذلك. وهنا تهمل نظرية النخبة التقسيمات الرأسية للمجتمع على أساس دينى ومذهبى وطائفى وإثنى ولغوى وجهوي.


وهناك من استخدم هذا المفهوم فى نقد «الثقافة الجماهيرية» من منطلق أنها تؤثر سلبا على الثقافة الراسخة التى تنتجها الصفوة، والتى أصبحت مهددة بفعل انتشار وسائل الاتصال الجماهيرى المعاصرة، أو أن هذه الوسائل تبدو عاجزة عن خدمة ثقافة الصفوة. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الثقافة الجماهيرية تفتقد إلى العمق والأصالة ولا تلبى أو تكفى لسد احتياج المجتمع إلى المنتج الثقافي


لكن الفرنسيين ريمون بودون وفرانسوا بوريكو يعتقدان أن الجمهور هو الذى يمنح ثقافة النخبة قيمتها وأهميتها. فالفاعلون الاجتماعيون بمستواهم العريض والمتسع هم من يحددون أعضاء النخبة الثقافية من خلال الإقبال على ما تنتجه فى مختلف الفنون والمعارف.

 

وحتى لو كان هناك من بين أعضاء النخبة من يبدع أعمالا مميزة لا مجال لنكرانها والاعتراف بها ودفعها إلى الواجهة فإن دور الجمهور مهم فى إعطاء الصيت للمبدع، وإلا لم يلتفت إليه أحد.

 

 

اقرأ ايضا | سمير غريب يوثق تجربته في «معارك العمران»