د. نصر فريد واصل مفتى الديار الأسبق: تجديد الخطاب الدينى مسئولية كل مؤسسات الدولة وليس الأزهر وحده

د. نصر فريد واصل
د. نصر فريد واصل

حوار : عامر نفادى

أكد د نصر فريد واصل، مفتى الديار المصرية الأسبق، أن تجديد الخطاب الدينى يقع على عاتق جميع مؤسسات الدولة، وليس الأزهر وحده المسئول عن هذه المهمة، مشددا على ضرورة مؤازرة الدولة للأزهر الشريف فى معركته ضد الإرهاب والتطرف.

وحذر من ترك ساحة الفتوى لغير المتخصصين، ممن يدعون المعرفة بأحكام الدين، والدعوة باسم الإسلام الأمر الذى يمكنهم من خداع الناس بفكرهم المضلل بقصد الإساءة إلى الدين الإسلامى الحنيف، والنيل من الدولة ومؤسساتها.

وأشار إلى أن المشككين فى تراث الأزهر الإسلامى يفعلون ذلك عن عمد بقصد الإساءة إلى الكتاب والسنة من خلال إضعاف دور الأزهر وتقويض الدعوة الإسلامية، مؤكدا أن الشبهات التى يتشبثون بها ما هى إلا زوبعة فى فنجان وجميعها موجودة منذ القدم ومردود عليها فى كل مؤلفات علماء الإسلام والفقهاء والمحدثين.

ولفت إلى أن الفتاوى التى تصدر من دار الافتاء وعلماء الأزهر فى هذا الزمان تلائم الواقع الحالى، أما التراث فإن وجد فيه ما يمكن الاستفادة منه فلا ضرر من الأخذ به، أما إن احتاج إلى تجديد أو تغيير فلا حرج فى ذلك. مطالبا الدول العربية بضرورة التكاتف من أجل تحقيق المصلحة العامة والتصدى لحالة التبشير المذهبى التى باتت تشهدها أغلب دول المنطقة بقصد التدخل السياسى فى شئونها وإحداث حالة الاضطراب والفوضى التى تهدف إلى إضعافها والنيل من مقدراتها. وإلى نص الحوار:

كيف تقرأ مستقبل الأزهر فى الوقت الراهن؟

مستقبل الأزهر بخير وهو يقوم بأداء رسالته على أكمل وجه من خلال الدعوة إلى التمسك بقيم الإسلام الصحيحه الوسطيه وفى العمل على كل مايحقق الأمن والسلام للإسلام والمسلمين فى كل مكان، ويجب التأكيد على أمر هام أن الأزهر يقوم على حفظ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لذا فهو منصور دائما بنصر من الله (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

مساندة الأزهر

هل الأزهر وحده المسئول عن تجديد الخطاب الدينى لمواجة الفكر التكفيرى والغلو والتطرف؟

الدولة بكل مؤسساتها مسئولة عن ذلك، فالأزهر يؤدى دوره ورسالته كما ينبغى  وعلى الدولة أن تلتفت إليه وتمد له يد العون وتؤازره فى معركته ضد المتطرفين والمغالين، لأن الخطاب الدينى يحتاج إلى التفاعل بين الأزهر وجميع المؤسسات للتواصل بينهم كالروح مع الجسد، ولنفترض هنا أن الأزهر هو الجانب الإيجابى، فعلى الجانب الآخر من باقى المؤسسات أن تتواصل معه، و بغير ذلك يحدث الخلل، وهو ما نشهده الآن، مما أعطى الفرصة لغير المتخصصين أن يقوموا بدور الأزهر، فى الدعوة باسم الإسلام والمسلمين ونسبوا إليه بهتان قولهم، وقد مكنهم ذلك من خداع  الناس بفكرهم المضلل  ونسبوه إلى الأزهرالشريف وهو من ذلك براء، لأنه يمثل خطورة على الدوله قبل أن يكون على الأزهر.

كيف يمكن مواجهة المشككين فى كتب الأحاديث والتراث الإسلامية؟

هؤلاء يريدون التشكيك فى تراث الأزهر الإسلامى وبالتالى التشكيك فى الكتاب والسنة، لإضعاف دور الأزهر وتقويض الدعوة الإسلامية ولكنهم لن ينالوا منالا من ذلك، لأن هذه الشبهات التى يتشبثون بها ويروجون لها موجودة منذ القدم ومردود عليها فى كل مؤلفات علماء الإسلام  والفقهاء والمحدثين، وهذه زوبعة فى فنجان.

تجديد التراث

كيف نجعل المجتمع يقبل بفكرة تجديد كتب التراث وما الموضوعات التى تقبل التجديد ؟

العبرة بالواقع الحالى والفعلى فى مجال الإفتاء والبحوث، فكل ما نجده على السطح الآن من فتاوى للأزهر الشريف ودار الافتاء وعلماء الأزهر يتلائم مع الواقع، أما التراث القديم فإن وجد فيه ما نستفيد منه فنأخذ به، أما إن احتاج إلى تجديد أو تغيير فى الحكم أو الفتوى فلا حرج فى ذلك، وأسوق مثالا على هذا، أن علماء الإسلام السابقين لم نجد فى عهدهم فتوى تمنع التدخين ولكن بعد أن أثبتت العلوم الطبية الحديثة بالغ ضرره على صحة الإنسان أجمع علماء الإسلام على تحريمه، فالتراث هذا تراث علمى مثله مثل الطب والهندسة والتكنولوجيا وسائر العلوم فما وصلت إليه هذه العلوم لم يأت فجأة ولكنه جاء تراكميا مادة تلو الأخرى حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، وهكذا علم الأزهر والتراث يمثل عصره، وكل يبنى بعضه البعض، نحن نضيف ونأخذ مما سبق ونستفيد منه فى مجال البحث والدراسة، لكن هذا ليس ملزما لنا، لأن هناك فرقا بين الفقه الإسلامى وبين أصول الفقه الإسلامى، فأصول الفقه هى أدلته الأساسية من الكتاب والسنة وهذه أمور ثابتة لا مجال فيها للاجتهاد نأخذها كما هى، أما الفقه الإسلامى فيتعلق ببيان الأحكام الشرعية بمعنى بيان حكم الشرع فى قضايا عصرية تتعلق بالزمان والمكان الموجودة فيه، فإذا ما تغيرت تتغير ويتم الاجتهاد فيها، أما إذا لم تتغير فهى باقية، لا أن نضيع الجهد فى بحث جديد كالدواء إذا ما وجد كعلاج نافع لمرض ما فلماذا نتركه.

وهنا السؤال يطرح نفسه ما الذى يطعنون فيه إنها قضايا جزئية، فالمشككيين فى كتب التراث إنما يثيرون مثل هذه القضايا من أجل مقصد معين يريدون من ورائه (حق يراد به باطل) فدعواهم فى ظاهرها البناء ولكن باطنها الهدم والتخريب، فواجب علينا أن ننظر للتطبيق العملى فى هذا الموضوع.

بماذا ترد على من يتهمون الأزهر بأنه كان ضحية لسياسات تعليمية ودينية خاطئه ؟وهل أخطأ عبدالناصر بسن قانون جامعة الأزهر فى الستينيات؟

هو كان حسن النيه، ولكن بلا شك عندما أدخلت العلوم الدنيوية على المؤسسات التعليميه بالأزهر الشريف كان لها تأثيرها السلبى على العلوم الشرعيه وعلى بعض الخريجين، وبخاصة عندما انصرف بعض الطلاب عن المادة الشرعية وضعفت ثقافته الدينيه، فكان له أثره البالغ على ما نحن فيه من تفشى ظاهرة الأمية الدينية.

التصدى للتحديات

هل الأزهر أصيب بحالة من الضعف جعلته غير قادر على التصدى للتحديات التى تواجه الأمة الإسلامية؟

لاشك أن الأزهر أصابه الضعف فى فترة من الفترات، ولكنه يشهد الآن حالة من الازدهار فى عهد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، فهو لا يدخر جهدا فى محاولة منه لإعادة الأزهر إلى سابق عهده كى يتمكن من أداء رسالته التى حملها على عاتقه منذ أكثر من الألف العام فى نشر وسطية الإسلام والحفاظ على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد حرص فضيلته على تجديد مؤسسات الأزهر الشريف التعليمية وتطويرها كما ألحق بها جميع التقنيات العصرية التى توصل إليها العلم الحديث، ليكون بذلك قادرا  على تخريج أجيال قادرة على درء الشبهات التى يروج لها أعداء الإسلام ولكى يكونوا امتداداً للأزهر الشريف فى نشر الدين الوسطى والبعد عن الغلو والتطرف، وهذه خطوة تحقق الهدف المنشود فى المستقبل.

ظاهرة الإلحاد

كيف تقيم الإلحاد فى الدول العربية وما دور الأزهر فى التصدى لهذه الظاهره؟

الإلحاد هو سمة العصر، تقف وراءه الصهيونية العالمية التى تريد السيطرة على العالم  العربى والإسلامى من الناحية المادية والمعنوية، ولأن الأزهر يمثل الوسطية للإسلام والمسلمين، واليد الناعمة التى تسير فى كل مكان كالشمس التى لا يستطيع أحد أن يقف أمام شعاعها، فهى تسعى بقوة من أجل تعطل مسيرته ودعوته التى تهدى الناس إلى صراط الله المستقيم بالحكمة والموعظة الحسنة.

ولأنها عجزت عن الوصول إلى مصر باعتبارها حائط الصد الذى يقف أمام مخططاتهم الاستعمارية، فلم يجدوا إلا الأزهر ليتكاتفوا حوله ويحيكوا له المؤمرات لإضعافه وتقويض دوره ومن ثم الوصول إلى مصر، ولكن الله سبحانه وتعالى لن يمكنهم من ذلك، لأن الأزهر وعلى مر العصور بتاريخه العريق وقف صامدا أمام كل تحركاتهم الاستعمارية التى لم تتمكن من مصر ولا أزهرها الشريف.

وعى الشباب

الفكر المتطرف ينتشر كما النار فى الهشيم برأيك كيف نحمى شبابنا من هذه الأفكار؟

حماية الشباب تحتاج إلى زيادة الوعى والثقافة، وحجب غير المتخصصين من الحديث فى أمور الدين، لأن ما نشهده الآن وما آلت إليه أحوالنا هو نتاج الجهلاء الذين أتيحت لهم الفرصة فى أخذ القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة منابر لهم خاطبوا منها جموع الناس، فكانت النتيجة أنهم أشعلوا الفتن فى كل مكان ووجهوا سهامهم إلى علماء الإسلام وشككوا فى كتب التراث الإسلامى لجهلهم بصحيح الدين وعدم إلمامهم بقواعده وأحكامه الصحيحة، فما يعرفونه عن دينهم قشور لا ترقى بهم لمخاطبة المسلمين، فكان من نتيجة ذلك تردى أحوالنا ودخولنا فى نفق مظلم لا يعلم مداه إلا الله عزوجل، وقد طالبت و أنا فى الإفتاء ومازلت أطالب الدوله بسن تشريعات تمنع غير المتخصصين من إصدار فتاوى أو التحدث فى أمور الدين، لأن فى ذلك صيانة لديننا الحنيف وحفظ هويتنا الإسلامية من أولئك المخربين الذين يريدون الهدم لا البناء.

تشهد المنطقة العربية حالة من التبشير المذهبى كيف ترى أثر ذلك على مستقبلها الإقليمى والسياسى؟

التبشير المذهبى غير مرغوب فيه الآن، خصوصاً إذا ما كان ورائه أغراض سياسية، تؤدى إلى الفتنة التى تضر بالشعوب العربية وتدخلها فى حالة من الصراع والاقتتال التى لا نهاية لها، فالمطلوب منا كدول عربية أن نوحد الصف وأن نعمل فى خندق واحد من أجل تحقيق المصلحة العامة، لا أن نتحارب ونقاتل بعضنا البعض من أجل أغراض ماديه ومصالح دنيوية، وهذا ما يحدث فى العراق وسوريا واليمن، وأنا أدعو أهل هذه البلاد إلى وقف الاقتتال الدائر بينهم وعليهم أن يلتفتوا إلى صالح بلادهم وما تجلبه عليهم الحروب من خراب ودمار وقتل للآمنين وأذكرهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار)، وعلى إيران أن تتوقف عن تدخلها السياسى فى هذه الدول وأن تتعامل معها اقتصادياً وسياسياً بما يحقق صالح الجميع، وأقول لهم هل وجدتم يهوديا يقتل يهوديا أو يدخل معه فى صراع؟

بماذا تفسر قول الرئيس السيسى نحتاج إلى ثورة دينية؟

المقصود بثورة دينية تجديد فى الفكر الدينى، وهناك فرق بين الفقه الدينى والفكر الإسلامى، فالفقه الدينى هو فقه الأحكام ولابد أن يقوم عليه أهل التخصص من العلماء المتخصصين، لا أن يترك مجال الحديث فيه لغيرهم، بينما الفكر الإسلامى هو فكر الحياة الذى لا يتعارض مع الإسلام فى الزراعة والصناعة والطب وسائر العلوم فى الحياة العامة سواء كان للمسلم أو لغير المسلم مادام فيه مصالح البلاد والعباد، لأن الإسلام جاء رحمة للعالمين.