هو واحد من السابقين الأولين فى الإسلام، وأحد أبطال الدعوة المجاهدين لرفعة راية الدين ونشره فى ربوع الأرض.. قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا خالى فليُرِنى امرُؤٌ خالَه».
ولد سيدنا سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه بمكة، قبل البعثة بنحو عشرين سنة، وهو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، فهو من أقارب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة أمه السيدة آمنة بنت وهب، فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشير إليه أنه خاله.
كان سعد بن أبى وقاص (رضى الله عنه) من السابقين إلى الإسلام، وتحكى ابنته عنه قصة إسلامه أنه كان يقول: «رأَيت فى المنام، قبل أَن أُسلم بثلاثٍ كأَنى فى ظلمة لا أَبصر شيئًا إِذ أَضاءَ لى قَمَر، فاتَّبعته، فكأَنى أَنظر إِلى من سبقنى إِلى ذلك القمر، فأَنظر إِلى زيد بن حارثة، وإِلى على بن أبى طالب، وإِلى أَبى بكر، وكأَنى أَسأَلهم: متى انتهيتم إِلى هاهنا؟ وبلغنى أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم يدعو للإِسلام مسْتخفيًا، فلقيته فى شِعْب أَجْيَاد يصلى، فقلت له: إلامَ تدعو؟ قال: «تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ» قلت: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُول الله»ُ. فأسلم من ذلك الحين، وعمره وقتها تسعة عشر عاماً.
ولقد عانى سعد بن أبى وقاص (رضى الله عنه) بسبب إسلامه من أمه، فإنه لما علمت أمه خمنة بنت أبى سفيان بن أمية بإسلامه قالت له: يا سعد، بلغنى أنك قد صبأت، فوالله لا يظلنى سقف من الحر والبرد، وإنَّ الطعام والشراب علىَّ حرام حتى تكفر بمحمد، قال: فناشدتها أول يوم، فأبت وصبرت، فلما كان اليوم الثانى ناشدتها، فأبت، فلما كان اليوم الثالث، ناشدتها فأبت، فقلت: والله، لو كانت لك مائة نفس لخرجت قبل أن أدع دينى هذا، فلما رأت ذلك وعرفت أنى لستُ فاعلاً أكلت، فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشكا إليه أمر أمه، فنزل فى ذلك تعليماً قول الله تعالى فى سورة العنكبوت: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (العنكبوت: 8).
ظهرت بطولة سعد بن أبى وقاص (رضى الله عنه) مبكراً، فكان هو أول من رمى سهماً فى سبيل الله، دفاعاً عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لسعد خصال أخرى غير الشجاعة والإقدام تنبئ عن قلب متعلق بربه مقبل عليه، فقد كان سعد رضى الله عنه كثير البكاء من خشية الله، وذات يوم، وكان النبى صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع أصحابه نظر فى وجوههم وقال لهم: «يطلع علينا الآن رجل من أهل الجنة» وأخذ الأصحاب يستشرفون لرؤية هذا السعيد، وبعد حين قريب، طلع عليهم سعد بن أبى وقاص (رضى الله عنه) ولقد لحق به فيما بعد عبدالله بن عمرو بن العاص (رضى الله عنه) سائلاً إياه فى إلحاح أن يدله على ما يتقرّب إلى الله من عمل وعبادة، جعله أهلاً لهذه المثوبة، وهذه البشرى.. فقال له سعد: لا شىء أكثر مما نعمل جميعاً ونعبد، غير أنى لا أحمل فى قلبى لأحد من المسلمين حقداً. بعد عُمْر حافل بالجهاد والعمل والبناء، حضرت الوفاة سيدنا سعد بن أبى وقاص (رضى الله عنه) فدعا بجبةٍ له من الصوف، فقال: «كفنونى فيها، فإنى كنت لقيتُ بها المشركين فيها يوم بدر وهى علىَّ، وإنما كنت أخبؤها لذلك».