رفعت الجلسة| جعلوني وحشًا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

«لم تعد تعنينى براءتى سيدى القاضى ،سواء نطقتها اليوم أو بعد شهر أو حتى عام ، فمن كانت تنتظرها على أحر من الجمر قد فارقت الحياة منذ أيام ، ودعتنى بالدموع ، وأخبرتنى وهى فى سكرات الموت «إننى طاهرة مهما حاولوا تلويثى».

لن يكفينى سيدى القاضى كلمة تنطقها تحمل براءتى، أو حتى إدانتى ، فقد تحولت اليوم إلى وحش ، أبحث عمن أذانى لأذيقه انتقامى.

نعم كل شخص سينال الجزاء بقدر الجرم الذى ارتكبه بحقى ، وقتها لن ترحمهم توسلاتهم ، لأنهم السبب فى معاناة أحب الناس لى عندما لوثوا شرفى بكذبة هم أعلم بحقيقتها.

«كان المشهد داخل محكمة الأسرة بالإسماعيلية أشبه بفيلم تراجيدى، تسرد فيه البطلة كيف ستتحول من ملاك طاهر إلى وحش يفترس كل من أذاه فى طريق براءته.. كانت تتحدث تلك الزوجة بحرقة تسبقها الدموع، ثم تتحول فجأة إلى وحش يهدد ويتوعد كل من كان سببا فى أن يكون شرفها محل نقاش داخل المحكمة بل وحديث بين الناس فى الشوارع، وسط صمت تام من طليقها ومحاميه.. مأساة هذه الفتاة، أنها لا تملك فى هذه الدنيا سوى والدتها، فهى رفيقة عمرها وملاذها من جبروت البشر ونظراتهم الشهوانية، بعد أن توفى والدها وعمرها لم يتجاوز الـ5 سنوات وبعد طلاقها من زوجها الأول، حيث عادت للعيش مع والدتها».

حاولت الفتاة بقدر الإمكان أن تخفى عن أمها حقيقة مايحدث، فهى تدرك مدى التأثير الذى سيقع عليها، إذا علمت أن زوج ابنتها أقام دعوى إنكار نسب ضد حفيدتها.

إقرأ أيضاً | أبرز أخبار الـ«التوك شو»|نشوى مصطفى عن كورونا: «أشعر بسكرات الموت»

مرت الجلستان الأولى والثانية دون أن تدرك الأم شيئا عن القضية، حتى أصدر القاضى قراره بإجراء تحليل لإثبات نسب حفيدتها لزوج ابنتها، هنا لم تستطع الفتاة إخفاء الأمر على أمها ، فحديث الناس والجيران اخترق منزلها ، لذلك قررت التمهيد لها بمضمون القضية حتى لاتتأثر ويصيبها المرض .

لم يكن إخبار الأم أن شرف ابنتها مرهون بنقطة دم وكلمة من قاض، هو ما كان سببا فى مرضها بعد علمها بالقضية، بل كانت مؤمنة بقوة أن ابنتها لم ولن تخون زوجها مهما وصل الخلاف بينهما هكذا ربتها، لكن حديث الجيران والناس كان كافيا لوهن قلبها ثم مرضها وبعدها فراقت الحياة.

عادت الفتاة إلى صراخها فى المحكمة، أخبرت القاضى أن هذا الزوج ينكر نسب ابنته ، يقول إنه تزوجنى لشهرين ، ثم حدثت مشاكل بيننا ،وبعدها غادر المنزل ليكتشف أننى حامل فى ابنته .

لكن الحقيقة سيدى القاضى، أن هذا الشاب «الطائش» أقنع والدتى بعد طلاقى من زوجى الأول أنه سيخبر أسرته بزواجه منى فى الوقت الذى يراه مناسبا، حيث أنهما مسافران للخارج ومنفصلان ، فتم عقد القران بحضور أقاربى فقط ، وبعد شهرين من الزواج اختفى بعد علم أسرته بزواجنا،، وإجباره على تركى ونفى أى علاقة له بي.. طوال هذه الفترة لم أستطع الوصول إليه ، كل الوسائل التى تقربنى منه قطعها ، حتى فوجئت بعد 6 أشهر بمحضر من المحكمة يحمل قسيمة طلاقى دون سبب.. بعد أشهر من المحاولة.. استطعت الوصول إليه سيدى القاضى أخبرته بحملى ، جلسنا وتحدثنا معا ، لكننى فوجئت بعرض سخى منه ، طلب منى أن أغلق قصة حملى مقابل حفنة من الجنيهات ، فهو كما تعلم ابن رجل أعمال شهير وله نفوذ يعرفه الجميع فى المنطقة .. هذا ليس تجنيا عليه، بل هناك رسائل ومكالمات مسجلة بيننا.

قالت الفتاة «رفضت كل عروضه ، شرفى هو مايعنينى ، ابنتى « هذه اللحمة « إلى من أنسبها إذا كان أبوها قد تهرب منها وأنكر نسبها .. لكن الحقيقة سيدى القاضى لم يعد يعنينى كل ذلك ، من انتظرت براءتى ماتت أمام عينى. . أتذكر اليوم الذى أخبرتها بالقضية ، كانت قد فرغت وقتها من الصلاة ، وجدتها تنظر فى عينى ،وكأنها كانت تعلم أنى أخفى شيئا عنها ، بعد دقيقتين من النظرات المتبادلة بيننا أخبرتها ، كادت تفقد الوعى ، لم تتحدث ،وجدتها لأول مرة تبكى ، لم تكن تصدق أن هذا سيحدث ، فهى تعلم أننى أغلقت مشاكلى مع زوجى بالطلاق ..

أيام مرت على والدتى كالدهر بعد أن علمت بالقضية ، تركت عيناها تخبرنى بمدى الحزن الذى تعيشه، لم أعهدها ضعيفه أومستسلمة هكذا، كانت قوية طوال حياتنا معا ، تطلب منى أن أصبر وأتحمل تقلبات الزمن، لكن الشرف هزها فى هذه المرة ، حولها إلى جسد مترهل ينتظر المرض ليخترقه ويدس فيه علامات النهاية.. أنا لا أنسى يوم وداعها لى ، طلبت منى أن أكون بجوارها، فليس لها أحد غيرى ، وجدتها تمسك بيدى وتضعها على خديها، ثم تقبلها ببطء، بعدها أخبرتنى أنها تحبني، وإننى سأظل طاهرة فى نظرها مهما حاول الآخرون تشويه سمعتي، ثم اغلقت عينيها فى هدوء وغادرت دنيانا قبل أن ينطق قلمك ولسانك ببراءتى أو إدانتى.. نهاية أقولها صراحة « سيدى القاضى.. تتأخر نتائج التحليل لأشهر أو سنوات، لكن انتقامى ممن كانوا سببا فى وفاة أعز الناس لى وتشويه سمعتى لن يطول.. قريبا سأكون وحشا وألتهمهم جميعا، فالجزاء من جنس العمل.. هنا رفع القاضى بمحكمة الأسرة بالاسماعيلية الجلسة.. وقرر التأجيل لمنتصف فبراير القادم حيث موعد انتهاء تقرير الطب الشرعى بشأن نتيجة تحليل ال dna للطفلة والأب.