اليوم ينتهي عام هجري وغدا يبدأ عام جديد.. تعالوا بنا نحتفل بهذه المناسبة.. لا نطفيء شموعا ولا أنوارا ولانلبس أقنعة ولا طراطير.. فقط نتذكر أن علينا واجبا تجاه ديننا أبدأ  في هذه المناسبة بقول الرسول صلي الله عليه وسلم: »إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»‬، اذن نحن نتحدث هنا عن سنة نبوية تجلت في الحديث الشريف وسنة حياتية تتجلي أمامنا في ضرورة تجديد الدين بالمعني الذي أفهمه من الحديث الشريف وهو معني تجديد المفهوم من الدين.    يتلخص هذا المعني في ما نطلق عليه مصطلح: »‬ تجديد الخطاب الديني »‬..وهو ما أصبح اليوم ضرورة  ملحة، لكثرة التحديات التي تواجهنا وتواجه الدين نفسه، وفي ظل الهجمات الشرسة التي تشهدها المنطقة ويشهدها الدين نفسه، والتي تحتم علينا تنقية عقولنا من الأفكار المغلوطة التي تصلنا يوميا عبر خطب وفتاوي مشاهير الدعاة المحدثين الذين استمدوا شهرتهم من انتشار الفضائيات. والهدف من هذا التجديد هو المحافظة علي ديننا سليما صحيحا من كل من أساء اليه وجعله كما نزل من السماء دينا مسايراً لكل الأزمان.. ومنسجماً مع كل التطورات التي شهدها العالم وشهدتها مجتمعاتنا وقادراً علي استيعاب كل الاحتياجات البشرية والإنسانية في كل مكان.. الحديث الشريف يؤكد أن الإسلام دين متطور ودين متجدد لكن للأسف هناك من نصبوا أنفسهم أوصياء عليه،وعلينا ،وادعوا بأنهم يملكون مفاتيح الجنة والنار هم الذين يريدونه كذلك بعيدا عن التجديد والإصلاح.    كل العلماء اتفقوا علي حالة الخطاب الإسلامي المعاصر الذي يتصف بالضعف في المضمون والانحدار من المعرفة إلي الجهل، أو ما يشار إليه تقليديا بالأمية الدينية، كما يظهر في هشاشة المحتوي وعدم الإدراك للقضايا التي يتناولها من الزاوية الإسلامية والتي يتم عرضها علي الرأي العام. كما يتصف بالارتجال والعفوية الناتجة عن نقص التخطيط وتجاهل للنهج العلمي في الموضوعات والقضايا والأوضاع التي يتم تناولها، والاعتماد علي القدرات الفردية في معظم الحالات.. ويتصف أيضا بضيق الأفق والتركيز علي القضايا الطارئة والعابرة في تجاهل تام للمستقبل سواء المتوسط أو البعيد. التجديد هنا يجب ألا يخل بالثوابت الدينية وجوهر العقيدة المتمثل في القرآن، والسنة النبوية الشريفة،  أما عدا ذلك من فتاوي وفقه موضوع علي يد أشخاص وأئمة مهما كان درجة مصداقيتهم، وإبحارهم في العلوم الدينية، لابد أن يتم مراجعتها  وأن تُخضع اجتهاداتهم للمراجعة والتجديد، لأنهم ليسوا منزهين عن الخطأ ولم يكونوا يتخيلون ما لحق بالناس من تطور  ولا يجوز التعامل مع ما قدموه لنا كـ مسلمات بديهية دون استعمال العقل    ما نواجهه اليوم في مصر والأمة العربية والأسلامية من خطر الإرهاب، وعنف الجماعات الإسلامية علي اختلاف مسمياتها يعود بالدرجة الأولي إلي حالة الجمود التي أصابت الفكر الديني، الذي وقف عند حدود القرون الأولي، ولم يواكب تطورات العصر فالدنيا تتطور والحاجات تتغير وما كان صالحا لزمان ليس بالضرورة يكون صالحا لغيره.    وكما قال المغفور له الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق الذي ناداه الرسول الكريم ليدفن بجواره فان تجديد الخطاب الديني ضرورة باعتباره سنة كونية وليس أمراً جديداً، وان التجديد لا يعني هدم الثوابت أو المساس بأصول العقيدة، فالتجديد إنما يكون لمواكبة العصر المتطور فيجب علي الدعاة ان يهتموا في خطابهم الديني بالموضوعات الممزوجة بالمستجدات والتي تشغل أذهان الناس.و اذا كان التجديد سنة من سنن الحياة فهو أهم سمات الدين الاسلامي وسبب من أسباب صلاحيته لكل زمان ومكان. وتمثل الأحداث والقضايا المعاصرة والمتسارعة في عالمنا العربي. والتجديد في الخطاب الديني، لا يكون في ثوابت وأصول الدين والعقيدة، وإنما تطوير لغته ومضمونه والمطالبة بأخذ كل ما هو جديد لمواكبة الواقع المعاصر والتغيرات الحادثة والمستجدات المستمرة، وما يحيط بها من تحديات.والخطاب الديني وتجديده، ليس عملا عشوائيا ارتجاليا، وإنما عمل وبرنامج فكري شامل متكامل.  أما عن مقومات تجديد الخطاب الديني فهي ان يكون نابعاً من كتاب الله عز وجل، ومستمدا من السنة النبوية المطهرة، وأن يكون مواكباً للأحداث وهذا هو الذي يعبر عنه بالتجديد فيقوم الدعاة بمخاطبة الناس وحل مشكلاتهم وذلك عن طريق مواكبة الدعاة للمتغيرات والأحداث التي يمر بها المجتمع.. وان يكون قائماً علي الصدق بعيداً عن الشبهات، ومن بين الجوانب المهمة التي يجب علي الخطاب الديني الاهتمام والأخذ بها لمواجهة تحديات ومتطلبات الواقع: أن يربط الخطاب الديني نصوص ومبادئ العقيدة الدينية بواقع الحياة المعاصرة، وبأسلوب وتعبير وفهم واستيعاب متجدد دائما، وأن يكون خطابا شاملا متكاملا منفتحا يعزز الحوار بين الأديان والثقافات العالمية ويبرز القواسم المشتركة بينها، مع عدم مخالفته لجوهر وثوابت وأصول الدين والعقيدة، أو نسيانه أو تجاهله لقضايا الأفراد والمجتمعات، خطاب يبعث علي التفاؤل والأمل في نفوس الأفراد، لا علي التشاؤم واليأس، وينهض ويشجع علي الفكر والإبداع، لا علي الجمود والانغلاق.    كما كانت الهجرة النبوية الشريفة من مكة الي المدينة المنورة ضرورة لانقاذ الدين الاسلامي من أعدائه فان تجديد الخطاب الديني ضرورة فيكل  زمان ومكان.. نحن أمام ضرورة حتمية وهي تجديد ما اهدانا الله اياه حتي نطمئن علي ما سنتركه لأبنائنا وأحفادنا.