إنها مصر

نبذ الكراهية

كرم جبر
كرم جبر

أقصر طريق لإسقاط الأوطان هو إشاعة الكراهية، فيتحول أبناء البلد الواحد إلى أخوة أعداء، يرفضون العيش تحت مظلة المحبة والتسامح والمواطنة، ويشعلون كل أسباب الفتن والصراعات.
 إشاعة الكراهية كان لها مفعول السحر فى تفتيت الدول وتشريد الشعوب، فالذى يقتل أبناء بلده ويفجر منشآته ويحرق الممتلكات العامة والخاصة، لم يكن سوى آلة معبأة بالكراهية.
 وعلى سبيل المثال: يقول المتطرفون علموا أولادكم أن يكرهوا وطنهم منذ الصغر، فينشأوا فى أحضان التطرف والعنف، ويتحولوا فى شبابهم إلى مشروعات للهدم وليس البناء.
 فى المدرسة يقولون لهم لا ترددوا تحية العلم، فيشوهون فى نفوسهم المعانى العميقة للتضحية والفداء والدفاع عن الأرض والعرض، وكلها معانٍ نبيلة ترتفع عالياً، حين يرتفع العلم على السارى.
 ومثلاً: يركز المتطرفوون فى خطابهم الدينى على كل معانى التشدد والعنف والقسوة، البعيدة عن روح الإسلام وسماحته ووسطيته، فنرى شباباً يرتوون بالقسوة، ويقذفون المجتمع بالعنف والإرهاب.
 النموذج هو «الاختيار» بين «منسى» البطل العظيم الذى ضحى بحياته من أجل وطنه، و«عشماوى» الإرهابى الخائن الذى يبيع وطنه ويقتل أبناءه.
 الفرق بين الحب والكراهية، تماماً مثل الباحث عن الحياة و«نابش القبور»، الأول يعمر الأرض ويزرعها بالخير والنماء، والثانى يحصد الأرواح البريئة ويرتوى بالدماء ويعشق رائحة الحرائق والدخان.
 إشاعة الكراهية فى أبشع صورها، حين يتعلق الأمر بملء النفوس بالحقد والغل، فلا يرى إلا السواد والظلام، ويمارس المتطرفوون لعبة شريرة هى الزعم بأن حب الأديان ضد تقديس الأوطان، لأن الوطن فى عقيدتهم مجرد أرض مزروعة بالعشب والصبار، فيهجرونها ويهيمون على وجوههم فى الصحراء، بحثاً عن ساحة جرداء للكر والفر.
 يفعلون ذلك بإشاعة مفعول الكراهية، وتفسيرها: هى الشعور بعدم الحب والعداوة والبغضاء، والإشمئزاز الشديد والنفور والعداوة، والرغبة فى تدمير الشيء المكروه.
 ومقاومة الكراهية تبدأ بالعودة إلى مبادئ الدين الصحيحة، التى تحض على مكارم الأخلاق والسماحة والوسطية والاعتدال والتضحية والفداء، وأن الأوطان تبنى بالمحبة واحتواء الجميع، وإشاعة روح التعاون والإخلاص.
وتتنفس الأوطان الصعداء إذا أطفأت جذور الكراهية، والتمسك بتهذيب النفوس وتأديبها على احترام الآخر، وتجنب إيقاع الأذى المادى والمعنوى بالآخرين، كوسيلة للسيطرة على العنف، حتى تصمت الكراهية فى نهاية المطاف.
 ما من حرب اشتعلت إلا وكانت الكراهية هى وقودها، وكذلك انهيار الأمم والحضارات والثقافات والعلوم وكل مقومات القوى الناعمة، التى يتم استبدالها بأدوات خشنة فى صدارتها الكراهية.
 ليس ضرورياً أن تحب الآخرين وتسعى من أجلهم، يكفى فقط أن يتوقف الشر عنهم.