بدون أقنعة

التنمية تهزم جبال الصعيد

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

عام 1997 بدأت علاقتى تتواصل بالصعيد .. إذ أصبحت ضيفًا على أهل الكرم بصفة دورية وتوالت زياراتى على الصعيد من أسوان إلى سوهاج وأسيوط والمنيا وبنى سويف .. وتقريبا تجولت بحكم العمل فى مناطق كثيرة بمحافظات الصعيد سعدت فى بعضها ومنها على سبيل المثال مدينة المنيا الجديدة التى شعرت فيها بالفخر وانتابنى الحزن فى معظمها بسبب ما رأيت من تهميش كبير لها وكأن الدولة لم تكن تعتبر الصعيد واقعا حيا فى تلك السنوات .. وفى إحدى المرات عام 1998 كنت فى محافظة قنا وكانت الزيارة طويلة تمتد لعدة أيام .. تجولت فى مناطق كثيرة فى المحافظة وفى أماكن أخرى كثيرة فى الامتداد العمرانى وهالنى ما شاهدت .. الفقر يطل برأسه فى معظمها وكان هناك مركز صحى فى منطقة نائية لا يستطيع أحد الوصول إليه لبعد المسافة مع العمران وكان القرار وقتها إغلاقه رغم توفير المعدات الطبية فيه فكان مشروعا فاشلا منذ بدايته .. كان الفقر والمرض والجهل تظهر فى كل مكان خاصة فى قرية أبنود بلد الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى الذى التقيت به فى مكتبة الإسكندرية بعدها بعدة شهور وتحاورنا عما رأيته فى أبنود التى تصورت وقتها أنها بلد متميز لأن الأبنودى أحد أبنائها .. وقال لى وقتها رحمة الله عليه إنه كان يناشد المسئولين ويستجديهم لإنشاء مشروعات فى قنا عموما ولم يكن أحد يستمع إليه أو يسانده .. خلاصة الكلام أن الصعيد كان مهمشا تماما فى خطط التنمية وحتى محافظات بحرى القريبة من القاهرة كانت تعانى هى الأخرى من الفقر والجهل والمرض .. أيام ربنا ما يعودها .
الصورة تتغير والحياة تمضى فى الصعيد نحو التنمية خاصة أن الرئيس عبد الفتاح السيسى كان واعيا بدرجة كبيرة لأهمية تنمية كل محافظات الصعيد فأطلق خططًا للتطوير والتنمية مع بدايات عامه الأول فى حكم مصر .. ولم تتوقف مشروعات التنمية فى الصعيد الذى حظى باستثمارات ضخمة خلال السنوات الماضية فى كافة المجالات بما يتيح فرص عمل للشباب منها مشروع محطة " بنبان" للطاقة النظيفة والمتجددة فى أسوان ومشروعات الإسكان الاجتماعى المنتشرة فى محافظات الصعيد لتوفير سكن كريم لكل المصريين كذلك المدن الجديدة فى الصعيد لاستيعاب الزيادة السكانية مثل أسوان الجديدة التى تقام على مساحة 22 ألف فدان التى تضم مناطق استثمارية والخدمات الإقليمية.
وعندما قرر الرئيس السيسى إطلاق مبادرة " حياة كريمة" لتنمية الريف المصرى .. كان الصعيد فى القلب ضمن المبادرة الرئاسية لتتغير الحياة على أرض قطعة غالية من الوطن .. مستشفيات ووحدات ومراكز صحية على أعلى مستوى ومدارس لكل مراحل التعليم ووحدات سكنية فى مناطق لم تكن تحلم بأن تصل إليها يد التطوير مما يعكس أهمية الإنسان فى فلسفة التنمية فى مصر .


الصعيد الذى كان مهجورًا قبل سنوات بعيدة سوف يصبح مناطق جاذبة للاستثمار بعد مد شبكة الطرق الحديثة إلى طرق الصعيد ويوفر ذلك فرص عمل كثيرة لشباب الصعيد الذين كانوا يهاجرون إلى محافظات أخرى طلبا للرزق بسبب تقلص فرص العمل .. تستطيع اليوم أن تتحرك من منطقة لأخرى بيسر وسهولة فى طرق الصعيد بعد تطويرها وإزدواج معظمها وإنشاء طرق تربط بينها وبين القاهرة والإسكندرية .. وأتذكر فى هذه اللحظة الأتوبيس الذى كنا نستقله فى مدخل أسوان وهو يتوقف انتظارا لقدوم أتوبيسات أخرى قادمة من البحر الأحمر خوفا من وقوع تصادم بسبب الطريق الواحد .


اليوم ومع كل هذه الإنجازات الكبيرة فى محافظات الصعيد المختلفة نستطيع أن نقول إن التنمية هزمت تضاريس الصعيد وصعدت على جباله لتكتب شهادة بأن العصر الذى نعيشه هو سنوات الخير فى كل ربوع مصر .