«الشتاء» موسم الخير بالصحراء الغربية.. كيف يخزن أهل البادية «مياه الأمطار»؟

تخزين مياه الأمطار في الآبار
تخزين مياه الأمطار في الآبار

- الأمطار يستقبلها أهل البادية بإطلاق الأعيرة النارية

- حفر آبار تتراوح سعتها التخزينية ما بين 150 و300 متر مكعب


 يعتبر أهل البادية في صحراء مصر الغربية امتدادا من مدينة الحمام شرقا وحتى مدينة السلوم غربا، موسم الأمطار الغزيرة هو أيام الخير والنماء، وعلى الرغم من تضرر الكثيرين في محافظات معظم محافظات الجمهورية من موسم الأمطار لما يخلفه من عواقب وخيمة ويعتبره الكثيرون كارثة إلا أن المواطن البدوي البسيط في قلب صحراء مصر الغربية ينتظر موسم الأمطار بفارغ الصبر، لاعتماده الرئيسي على مياه الأمطار في الشرب والزراعة والرعي طوال العام من خلال تخزين مياه الأمطار في الآبار وحجزها بالسدود وتنمية الوديان المنتشرة بالصحراء.

البداية من الستينيات

وعرف أهل البادية بمطروح الزراعة بشكل موسع، في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، حيث كانوا يعتمدون على تربية الثروة الحيوانية فقط، ويشتهرون برعي وتربية الأغنام البرقي والماعز والإبل، إلى أن بدأ برنامج الغذاء العالمي عام 1968 وعدد من مشروعات الدول المانحة، في تنمية الوديان وإقامة السدود وحفر الآبار لتخزين مياه الأمطار، وهو ما ساهم في عمليات توطين البدو بدلا من تنقلهم بين المناطق بحثا عن مياه الأمطار وأصبح معظمهم يعتمد على الزراعة.

وتمكنت الحكومة المصرية، بالتعاون مع المشاريع والمنظمات الدولية المانحة من حفر نحو 10 ألاف بئر خلال العقود الماضية وحتى الآن بالإضافة إلى نحو 800 بئر روماني بسعات كبيرة منتشرة في الصحراء كان يستخدمها الرومان في تخزين مياه الأمطار، كما تم إنشاء ألاف السدود بالوديان لحجز مياه الأمطار وتخفيف سرعة انجرافها نحو البحر واستغلالها في زراعة أكثر من 150 ألف فدان.  

واستعد أهل البادية لحصاد مياه الأمطار بشكل مختلف من خلال بناء السدود الترابية والاسمنتية لحجز مياه الأمطار وحفر الآبار التي تتراوح سعتها التخزينية ما بين 150 و300 متر مكعب للاستفادة منها في الزراعات الموسمية وأعمال الرعي طوال العام.

خزانات عملاقة وآبار

ويقول الحاج عبد المعطى سنوسي نقيب الفلاحين بمطروح، إن المحافظة تسعى من خلال التعاون مع وزارة الزراعة والمنظمات الدولية، إلى تعظيم الاستفادة من مياه الأمطار التي تتساقط بكميات كبيرة خلال فصل الشتاء، وحصادها من خلال احتجازها خلف السدود في الوديان أو تخزينها في خزانات عملاقة وآبار النشو، لاستخدامها في الزراعة والشرب وتربية الأغنام والماشية، وإلى أن تعود المحافظة سلة للغلال كما كانت في الماضي، من خلال تنفيذ خطة شاملة للتنمية الزراعية، والاستفادة من إمكانيات مركز بحوث الصحراء بالتعاون ومنظمة إيفاد التابعة للأمم المتحدة. 

ويقوم مركز التنمية المستدامة بمطروح بالتنسيق مع جهاز تعمير الساحل الشمالي الغربي بتنمية الوديان في قلب الصحراء  كأحد أنواع أساليب حصاد مياه الأمطار لاستغلالها في الزراعة.

والاستفادة من اتجاه سريان المياه المتجمعة من سقوط الأمطار والذي  يأتي من الجنوب وينحدر إلى الشمال في اتجاه البحر بسبب طبيعة الأرض، وقبل تنمية الوديان كانت مياه الأمطار تجرف معها التربة الخصبة وتحملها إلى البحر.

اقرأ أيضا الآبار الرومانية القديمة تعيد الحياة لزراعة أهل البادية بمطروح.. صور

دراسة المناسيب

ويقول المهندس محمود الأمير مدير مركز التنمية المستدامة بمطروح، إنه قبل بداية تنمية الوديان يتم عمل دراسة للمناسيب الأرضية، بعدها تبدأ أعمال التسوية من بداية الوادي، وتقسيم الوادي إلى مساحات بمستويات مدرجة، يفصل كل مستوى سد يتم إنشائه بعرض الوادي، ويتم عمل فتحة بمنتصف السد «مفيض» يسمح بمرور المياه الزائدة عن الحاجة إلى المساحات والسدود التالية، وحتى نهاية الوادي، وبذلك يكون تم حصاد كميات كافية للزراعة من مياه الأمطار، قبل ذهاب الفائض إلى البحر.

وأضاف الأمير، أن النوع الثاني من حصاد مياه الأمطار، هو حفر الآبار والخزانات لتجميع وتخزين المياه، وكشف أن البئر النشو يتم حفره بسعة من 100  إلى 150 متر مكعب، ويكون موقعه في اتجاه الميل ومجرى المطر، ويتكلف إنشاء البئر الواحد من 50 إلى 75 ألف جنيه، مشيراً إلى أن الآبار الرومانية التي كان يحفرها الرومان قديما تتراوح سعتها بين 1000 و5000 متر مكعب، ولكن حاليا يتم إنشاء الآبار بهذه السعات الأقل، من أجل القدرة على الوفاء باحتياجات أكبر عدد ممكن من البدو من سكان الصحراء، من خلال عمل عدد أكبر من الآبار الصغيرة في مناطق كثيرة لتوطين البدو وتوفير احتياجات أهالي كل منطقة، ويتم تخزين المياه لاستخدامها في الشرب وتربية الحيوانات خلال موسم الصيف، وعند وجود عدد أكبر من الآبار يمكن استخدام المياه المخزنة، في الري التكميلي للزراعات في الأوقات التي لا تسقط فيها الأمطار.

اعتماد كامل

ونوه الأمير إلى أن محافظة مطروح تعتمد في زراعتها بالكامل على الري بمياه المطر لزراعة القمح والشعير، خلال فصل الشتاء، كما يتم زراعة محاصيل التين والزيتون وهي من أشهر الأنواع التي تتحمل الظروف الصحراوية وقلة الأمطار.

التين والزيتون بلا كيماويات

وكشف مدير تنمية موارد مطروح، أن زراعة التين والزيتون في مطروح تشتهر عن باقي المنتجات في محافظات الجمهورية، بعدم استخدام أي مواد كيماوية في عمليات التسميد، حيث ايتم استخدام السماد العضوي أو عدم استخدام أية أسمدة، كما لا تستخدم أية مبيدات وتتم المكافحة حيويا من خلال وحدة المكافحة الحيوية، وبذلك يخرج المنتج عضويا مضيفاً بأنه تم توقيع بروتوكول مع منظمة سداري من أجل تصنيف المؤشر الجغرافي، من أجل إخراج منتج تكون له ميزة نسبية يكون اسمه "تين مطروح" وهذا من خلال بعض المعاملات التي نقوم بها بالتعاون بين مركز بحوث الصحراء ومنظمة سداري، بحيث يحصل المنتج على المؤشر الجغرافي ليصبح تين مطروح متميزا دوليا.

وأضاف أن البدو يزرعون البطيخ البعلي على مياه المطر، وهو يعطي عائداً سريعاً، ولا يتم استخدام الكيماوي أو ومبيدات، فيكون من أجود وأغلى أنواع البطيخ، والتي تشتهر به محافظة مطروح.

وتقوم المحافظة بإعادة تأهيل وديان بطول 17 واديا بمساحة تصل إلى 340 فدانا للحفاظ على زراعة أشجار التين والزيتون، ومنها أودية المنشاوي ورثمة والطاجة ورتيم بمركز رأس الحكمة، ووادي الباكور والحلازين بمركز مرسى مطروح، والهلوبة التابع لمركز النجيلة، ووادي المسيد والحريقة وأبو مرزوق وسدرة ورقبة سعيد بمركز سيدي براني.

وأشار المدير التنفيذي، إلى أنه يتم حاليا تنفيذ تنمية واستصلاح عدد 13 وادياً خلال المرحلة الثالثة والاخيرة للمشروع والتي يستهدف تأهيل واستصلاح ما يقرب من 260 فدان ومنها وادى رقبة الجارية والحريقة ورقبة قدورة ووادي العرقييب  والحشيفى.

اقرأ أيضا

في موسم الأمطار.. الآبار الرومانية القديمة أعادت الحياة لأهل مطروح