الغائص فى بحر النغم

أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان
أ.د.إلهام سيف الدولة حمدان

كنت‭ ‬قد‭ ‬اختتمت‭ ‬حديثي‭ ‬قبلا‭ ‬عن‭ ‬عملاق‭ ‬من‭ ‬عمالقة‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الموسيقا‭ ‬والعزف‭ ‬والغناء‭ ‬الموسيقار‭ ‬الراحل‭ ‬عمار‭ ‬الشريعي‭ :  ‬“ولن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬حديثنا‭ ‬الأخير‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الموهبة‭ ‬الفذة‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يحتذى‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬وجوده‭ ‬ويحقق‭ ‬نجاحا‭ ‬مرموقا‭ ‬متجاوزا‭ ‬لكل‭ ‬المحن‭ ‬والصعاب‭ ‬مؤمنا‭ ‬برسالة‭ ‬الفن‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬عناء‭ ‬،فمسيرته‭ ‬الفنية‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬الوقوف‭ ‬عليها‭ ‬لنضع‭ ‬أيدينا‭ ‬على‭ ‬مواطن‭ ‬نبوغه‭ ‬وعبقريته‭ ‬الموسيقية‭ ‬النادرة،رحم‭ ‬الله‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬العبقري‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحتذي‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬فرض‭ ‬شخصيته‭ ‬على‭ ‬المجتمع؛‭ ‬بكل‭ ‬الإنتاج‭ ‬الغزيز‭ ‬والمائزمن‭ ‬الفنون‭ ‬التي‭ ‬تثري‭ ‬المجتمع‭ ‬والتراث‭ ‬الإنساني‭ ‬فهو‭ ‬قدوة‭ ‬ومثل‭ ‬يحتذى‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬الدرب‭  .‬”‭ ‬

وها‭ ‬أنا‭ ‬أستأنف‭ ‬الكلام‭ ‬عنه‭ ‬اليوم‭ ‬بحلول‭ ‬ذكرى‭ ‬وفاته‭ ‬بل‭ ‬وأكرر‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬سقته‭ ‬عن‭ ‬مسيرته‭ ‬تأديدا‭ ‬على‭ ‬ثرائها‭ ‬وقيمتها؛فقد‭ ‬ترك‭ ‬وراءه‭ ‬منتوجا‭ ‬فنيا‭ ‬كبيرا‭  ‬فنجد‭ ‬تغني‭ ‬كبار‭ ‬المطربين‭ ‬المصريين‭ ‬والعرب‭ ‬بألحانه‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭:‬شادية‭ ‬وعفاف‭ ‬راضي‭ ‬وأنغام‭ ‬وعلي‭ ‬الحجار‭ ‬وميادة‭ ‬الحناوي‭ ‬ووردة‭ ‬الجزائريةوعبدالله‭ ‬الرويشد‭.‬

‭ ‬وربما‭ ‬شعر‭ ‬هذا‭ ‬العملاق‭ ‬الذي‭ ‬تحدَّى‭ ‬الإعاقة‭ ‬منذ‭ ‬خروجه‭ ‬إلى‭ ‬الدنيا‭ ‬بعالم‭ ‬الطفولة؛‭ ‬فقام‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بأغاني‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬فعاليات‭ ‬أعياد‭ ‬الطفولة‭ ‬بمشاركة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الممثلين‭ ‬والمطربين‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الفنانة‭ ‬صفاء‭ ‬أبو‭ ‬السعود،‭ ‬ويتصدى‭ ‬لوضع‭ ‬الموسيقا‭ ‬والألحان‭ ‬لاحتفاليات‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر‭ ‬التي‭ ‬تتولاها‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬المصرية‭ ‬ووزارة‭ ‬الإعلام،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اكتشافه‭ ‬للمواهب‭ ‬الصاعدة‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬

ونظرًا‭ ‬لهذا‭ ‬النبوغ‭ ‬والتفوق‭ ‬؛‭ ‬تم‭ ‬تعيينه‭ ‬أستاذًا‭ ‬غير‭ ‬متفرغ‭ ‬بأكاديمية‭ ‬الفنون‭ ‬المصرية؛‭ ‬كما‭ ‬تناولت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬العلمية‭  ‬أعماله‭ ‬بالدراسة‭ ‬والتحليل‭ ‬في‭ ‬الكليات‭ ‬والمعاهد‭  ‬الموسيقية‭  ‬المختلفة‭ ‬داخل‭ ‬مصر‭ ‬وخارجها‭.‬

“ويمضي‭ ‬الشريعي‭  ‬قدما‭ ‬في‭ ‬نجاحاته‭ ‬فوضع‭ ‬موسيقا‭ ‬تترات‭ ‬أنجح‭ ‬المسلسلات‭ ‬مثل”رأفت‭ ‬الهجان”‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الجماهير،و”الأيام”عن‭ ‬حياة‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬د‭.‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬وكان‭ ‬الفضل‭ ‬لنجاح”حديث‭ ‬الصباح‭ ‬والمساء‭ ‬“لموسيقاه‭ ‬الرائعة،‭ ‬وليحقق‭ ‬الطفرة‭ ‬الجميلة‭ ‬بلمساته‭ ‬في‭ ‬تتر‭ ‬“زيزينيا”‭ ‬،وكذا‭ ‬الموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬داخله،‭ ‬ويكون‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬الإبداع‭ ‬غير‭ ‬المألوف‭ ‬في‭ ‬موسيقاه‭ ‬ل”الزيني‭ ‬بركات”،و”رحلة‭ ‬السيد‭ ‬أبو‭ ‬العلا‭ ‬البشري،‭ ‬لتأتي‭ ‬النغمات‭ ‬لتجسيد‭ ‬كل‭ ‬المعاني‭ ‬الجمالية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭. ‬وكأنه‭ ‬يضع‭  ‬بموسيقاه‭ ‬دستورا‭ ‬لكيفية‭ ‬نشر‭ ‬جماليات‭ ‬الألحان‭ ‬على‭ ‬العقول‭ ‬والأذان‭ ‬التي‭ ‬تسمع‭ ‬وتستمتع،‭ ‬وتتعلق‭ ‬الجماهير‭ ‬حول‭ ‬أجهزة‭ ‬التلفزيون‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬والأماكن‭ ‬العامة،‭ ‬لتحظى‭ ‬بتشنيف‭ ‬أذانها‭ ‬بموسيقا”أرابيسك”،‭..‬وحدث‭ ‬الشيءنفسه‭ ‬مع”العائلة‭ ‬“‭ ‬،و”الشهد‭ ‬والدموع”،وهي‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬جذبت‭ ‬المشاهدين‭ ‬وحققت‭ ‬أعلى‭ ‬نسبة‭ ‬مشاهدة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬التلفزيون‭ ‬المصري‭ ‬والعربي،ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تألق‭ ‬الفنانة”عفاف‭ ‬راضي”في‭ ‬غناء‭ ‬لحنه”أوبرا‭ ‬عايدة”‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬روائع‭ ‬الدراماالمصرية‭ ‬الحديثة‭.‬”

ولم‭ ‬تقف‭ ‬طموحاته‭ ‬وملكاته‭ ‬عند‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الخالدة،بل‭ ‬شارك‭ ‬بالغناء‭ ‬بصوته‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬“البريء”ومشاركته‭ ‬الغناء‭ ‬مع‭ ‬الفنانة”فردوس‭ ‬عبدالحميد”‭ ‬في‭ ‬“عصفور‭ ‬النار”‭. ‬وليمنح‭ ‬الفرصة‭ ‬لقوافل‭ ‬الشباب‭ ‬العاشقة‭ ‬لهذا‭ ‬الفن‭ ‬الراقي،‭ ‬أسس‭ ‬فرقة‭ ‬“الأصدقاء”‭ ‬وقدم‭ ‬أصوات‭ ‬شابة‭ ‬للساحة‭ ‬الفنية‭ ‬تألقت‭ :‬منى‭ ‬عبدالغني‭ ‬وعلاء‭ ‬عبدالخالق‭ ‬وحنان‭ ‬،‭ ‬وشاركهم‭ ‬الغناء‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬وضعه‭ ‬لألحان‭ ‬هي‭ ‬مزيجٍ‭ ‬من‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة؛‭ ‬والطموح‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬الأغنية‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والرياضية‭ ‬بين‭ ‬الجماهير،‭ ‬امتدادًا‭ ‬للتراث‭ ‬الشعبي‭ ‬الفلاحي‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬مصر‭. ‬

ان‭ ‬الشريعي‭ ‬نموذجًا‭ ‬رائعًا‭ ‬في‭ ‬تحدي‭ ‬الإعاقة‭ ‬البصرية؛‭ ‬ولكن‭ ‬الله‭ ‬منحه‭ ‬نعمة‭ ‬شفافية‭ ‬البصيرة‭ ‬منذ‭ ‬لمساته‭ ‬الأولي‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬“البيانو”‭ ‬التي‭ ‬أهداها‭ ‬له‭ ‬والده‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة؛‭ ‬ليتعرف‭ ‬على‭ ‬أسرارها‭ ‬ويتقن‭ ‬العزف‭ ‬عليها‭ ‬باقتدار‭ ‬لايطوله‭ ‬المبصرون،‭ ‬ويرحل‭ ‬الأب‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬تاركًا‭ ‬الصبي‭ ‬في‭ ‬متاهات‭ ‬اليُتم‭ ‬وفقد‭ ‬البصر،‭ ‬ليتم‭ ‬إيداعه‭ ‬بالقسم‭ ‬الداخلي‭ ‬لمدرسة‭ ‬رعاية‭ ‬وتوجيه‭ ‬المكفوفين،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬منحها‭ ‬الله‭ ‬له؛‭ ‬ليتفرغ‭ ‬بكل‭ ‬أحساسيسه‭ ‬ومشاعره‭ ‬لفهم‭ ‬أغوار‭ ‬آلات‭ ‬البيانو‭ ‬والأكورديون‭ ‬؛‭ ‬ثم‭ ‬أخيرًا‭ ‬آلة‭ ‬“الأورج”‭ ‬التي‭ ‬راهن‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الآلة‭ ‬تحديدً؛‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬مبصرًا،‭ ‬لتعقيداتها‭ ‬التقنية‭ ‬البالغة‭ .‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬اجتهاده‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬في‭ ‬اهتماماته‭ ‬الفنية‭ ‬فاتجه‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬مشواره‭ ‬الفني‭ ‬إلى‭  ‬تعلم‭ ‬آلة‭ ‬وترية‭ ‬مغايرة‭ ‬تماما‭ ‬في‭ ‬تقنياتها‭ ‬عما‭ ‬سبق‭ ‬وهي‭ ‬“العود”‭ ‬وقدم‭ ‬حفلا‭ ‬لجمهوره‭ ‬بصحبة‭ ‬هذه‭ ‬الآلة‭ ‬عزفا‭ ‬ومصاحبة‭ ‬بالغناء‭ ‬لاقت‭ ‬نجاحا‭ ‬لافتا‭ ‬لإتقانه‭ ‬الباهر‭ ‬لها‭.‬

وتشتد‭ ‬إرادة‭ ‬التحدي‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬العاشق‭ ‬للموسيقا،‭ ‬فيتلقى‭ ‬علوم‭ ‬الموسيقا‭ ‬الشرقية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬الكبار‭ ‬بمدرسته‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬برنامج‭ ‬مكثف‭ ‬أعدته‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬خصيصًا‭ ‬للطلبة‭ ‬المكفوفين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬دراستها،‭  ‬ليذهب‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس،‭ ‬حاملاً‭ ‬تحت‭ ‬إبطيه‭ ‬جذوة‭ ‬الإرادة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تخمد‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬عمره،‭ ‬ويحصل‭ ‬على‭ ‬ليسانس‭ ‬الآداب،‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬السنوات‭ ‬الجامعية؛‭ ‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬التأليف‭ ‬الموسيقي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المراسلة‭ ‬مع‭ ‬مدرسة‭ ‬“هادلي‭ ‬سكول”‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتعليم‭ ‬المكفوفين،‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬التحاقه‭ ‬بالأكاديمية‭ ‬البريطانية‭ ‬للموسيقا‭ !  ‬إنها‭ ‬إرادة‭ ‬التحدي‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬لاتقف‭ ‬أمامها‭ ‬جميع‭ ‬العوائق‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬الفارس‭ ‬المغوار‭ .‬

ولم‭ ‬يضع‭ ‬وقتًا‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬إرادته‭ ‬بالخروج‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬العملية؛‭ ‬فيتجه‭ ‬إلى‭ ‬التلحين‭ ‬والتأليف‭ ‬الموسيقي‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية،‭ ‬وكانت‭ ‬نقطة‭ ‬الانطلاق‭ ‬مدهشة،‭ ‬وكانه‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يرد‭ ‬عمليًا‭ ‬على‭ ‬حاسديه‭ ‬على‭ ‬نبوغه‭ ‬وتفوقه‭ ‬المذهل‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الموسيقا‭ ‬والألحان؛‭ ‬ليقول‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أول‭ ‬ألحانه‭ ‬للفنانة‭ ‬المصرية‭ ‬المتألقة‭ ‬ـ‭ ‬أنذاك‭ ‬ـ‭ ‬وصاحبة‭ ‬الصوت‭ ‬الذهبي‭ ‬“مها‭ ‬صبري”‭ : ‬إمسكوا‭ ‬الخشب‭ ‬ياحبايب‭ !‬

وانطلق‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬ألحان‭ ‬الأغنية‭ ‬الضيقة؛‭ ‬“لينثر‭ ‬ألحانه‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬الموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬والمسلسلات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬والإذاعية‭ ‬والمسرحيات،‭ ‬ليحقق‭ ‬صاحب‭ ‬البصيرة‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة‭ ‬المصرية‭ ‬والعربية‭ ‬والعالمية،فينطلق‭ ‬عمار‭ ‬متقافزا‭ ‬برشاقة‭ ‬على‭ ‬السلم‭ ‬الموسيقي،‭ ‬ليرى‭ ‬بقلبه‭ ‬جماليات‭ ‬الطبيعة‭ ‬ويترجمها‭ ‬بكل‭ ‬المقامات‭ ‬اللحنية‭ ‬المتفردة‭ ‬التي‭ ‬جذبت‭ ‬آذان‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬استمع‭ ‬إليها‭ ‬وبخاصة‭ ‬براعته‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬أحداث‭ ‬المسلسلات‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬لها”تترات”متميزة‭ ‬تكاد‭ ‬تنطق‭ ‬بأحداث‭ ‬كل‭ ‬مسلسل‭ ‬منها‭ ‬لتتجاوز‭ ‬أعماله‭ ‬التلفزيونية‭ ‬‮١٥٠‬مسلسلا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أعماله‭ ‬السينمائية‭ ‬في‮٥٠‬‭ ‬فيلما،ووضع‭ ‬ألحان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسرحيات‭ ‬الغنائية‭ ‬الاستعراضية،‭ ‬ويمتلك‭ ‬أذن‭ ‬المستمع‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬الإذاعي‭ ‬الشهير”غواص‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬النغم”‭ ‬،و”سهرة‭ ‬شريعي‭ ‬“الذي‭ ‬اعتمد‭ ‬فيهما‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬الموسيقي‭ ‬للأعمال‭ ‬الغنائية‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بحب‭ ‬الجماهير‭.‬”

وفي‭  ‬مختتم‭ ‬حديثي‭ ‬عن‭ ‬موسيقارنا‭ ‬الغائص‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬النغم‭  ‬،آثرت‭ ‬أن‭ ‬انتقي‭ ‬مقولة‭  ‬العلامة‭ ‬“‭ ‬شمس‭ ‬الدين‭ ‬التبريزي”‭ : ‬“لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الله‭ (‬عز‭  ‬وجل‭ ) ‬منحنا‭ ‬الموسيقى‭ ‬ــ‭ ‬لا‭ ‬الموسيقى‭ ‬التي‭ ‬نصنعها‭ ‬بأصواتنا‭ ‬وآلاتنا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬الموسيقى‭ ‬التي‭ ‬تغلف‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الحياة،‭ ‬ثم‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬قد‭ ‬حرّم‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نسمعها‭. ‬ألا‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الطبيعة‭ ‬برمتها‭ ‬تُغنِّي؟‭! ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬يتحرّك‭ ‬بإيقاع‭ : ‬خفقات‭ ‬القلب،‭ ‬ورفرفة‭ ‬أجنحة‭ ‬الطير،‭ ‬هبوب‭ ‬الريح‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬عاصفة‭ ‬وطرقات‭ ‬الحداد‭ ‬وهو‭ ‬يطرق‭ ‬الحديد،‭ ‬أو‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تغلف‭ ‬الجنين‭ ‬داخل‭ ‬الرحم‭ .. ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬انبعاثها‭ ‬بحماسة‭ ‬وتلقائية‭ ‬في‭ ‬نغم‭ ‬واحد‭ ‬رائع،‭ ‬وما‭ ‬رقصة‭ ‬الدراويش‭ ‬إلا‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السلسلة‭ ‬الدائمة،‭ ‬وكما‭ ‬يحمل‭ ‬ماء‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬المحيط‭ ‬برمته،‭ ‬فإن‭ ‬رقصتنا‭ ‬تعكس‭ ‬أسرار‭ ‬الكون‭ ‬وتغلفها”‭ ! ‬ربما‭ ‬لأنها‭ ‬ترتبط‭ ‬بأشياءٍ‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬كفيف‭ ‬البصر،‭ ‬ولم‭ ‬تسعده‭ ‬الحياة‭ ‬برؤية‭ ‬شموسها‭ ‬وأقمارها‭ ‬ونجومها‭ ‬المتلألئة‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬ولكن‭ ‬لحفظه‭ ‬خمسة‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬بكتَّاب‭ ‬القرية،‭ ‬والاستماع‭ ‬إلى‭ ‬الترانيم‭ ‬والتراتيل‭ ‬الكنسية‭ ‬في‭ ‬كنائس‭ ‬مدينة‭ ‬“سمالوط”‭ ‬بمحافظة‭ ‬المنيا،‭ ‬شعر‭ ‬بالموسيقا‭ ‬الكونية‭ ‬تتوالد‭ ‬وتنساب‭ ‬داخل‭ ‬شرايينه‭ ‬بإيقاعاتها‭ ‬ونغماتها‭ ‬العذبة،‭ ‬وتلمَّس‭ ‬بفطرته‭ ‬ونور‭ ‬بصيرته‭ ‬أنها‭ ‬تترجم‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬مايجول‭ ‬في‭ ‬خواطره‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬وأحاسيس‭ . ‬