الوعد الحسن

الوعد الحسن
الوعد الحسن

يقول الحق فى الآية (61) من سورة القصص: «أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ».

تُعد هذه الآية شرحاً وتأكيداً لما قبلها، والوعد: بشارة بخير، وإذا بشَّرك مُساوٍ لك بخير أتى خيره على قدر إمكاناته، وربما حالت الأسباب دون الوفاء بوعده، فإنْ كان الوعد من الله جاء الوفاء على قدر إمكاناته تعالى فى العطاء، ثم إنَّ وعده تعالى لا يتخلف «وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله...» «التوبة: 111». لذلك قال «وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ...» «القصص: 61» أي: حتماً «ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين» «القصص: 61» أي: للعذاب. وهذه الكلمة «المحضرين»  لا تستعمل فى القرآن إلا للعذاب، وربما الذى وضع كلمة (مُحضر) قصد هذا المعنى؛ لأن المحضر لا يأتى أبداً بخير.
ويقول تعالى فى موضع آخر: «وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ» «الصافات: 158».
وقال تعالى: «وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ المحضرين» «الصافات: 57» ثم يقول سبحانه مُؤكِّداً هذا الإحضار يوم القيامة حتى لا يظن الكافر أن بإمكانه الهرب.


ويقول فى الآية (62): «وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ»
والسؤال هنا للذين أشركوا، لا لمن أُشرك بهم، وكلمة «وَيَوْمَ...» منصوبة على الظرفية، لابد أن نُقدِّر لها فعلاً يناسبها، فالتقدير: واذكر يوم يناديهم، والأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لمن يذكره رسول الله؟ يذكره للكافرين بهذا اليوم يوم القيامة.


والآية تعطينا لقطة من لقطات هذا اليوم الذى هو يوم الواقعة التى لا واقعةَ بعدها، ويوم الحاقَّة أى الثابتة التى لا تَزَحْزُحَ عنها، ويوم الصَّاخة أي: التى تصخّ الآذان التى انصرفتْ عنها فى الدنيا، ويوم الطامة التى تطمُّ، ويوم الدين، أي: الذى ينفع فيه الدين.
والحق سبحانه يذكر هذه اللقطة لأمرين:
الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عُودى وأُوذِى وهزِئ به وسُخِر منه، واجتمعت عليه كل وسائل النكالَ من خصومة فبيَّتوا به بمكر، وصنعوا له سحراً.. إلخ.


وحين تجد دعوة تُقابَل بهذه الشراسة، فاعلم أنها ما قُوبلت هذه المقابلة إلا لأنها ستهدم فساداً ينتفع به قوم ترهبهم كلمة الإصلاح؛ لأنها تصيبهم فى مصالحهم وفى شهواتهم وفى جاههم وعنجهيتهم وطغيانهم، فطبيعى أن يقفوا فى وجهها.

 

الشيخ الشعراوى


لذلك نجد كثيراً من الغربيين يعرفون عظمة الإسلام من شراسة عداوة خصومه، يقولون: لو لم يكُنْ هذا الدين ضد فسادهم ما ائتمروا عليه، ولو كان أمراً هيِّناً لتركوه للزمن يمحوه، لكنهم أيقنوا أنه الحق الذى سيُذهِب باطلهم، ويقضى على طغيانهم.


فالحق سبحانه يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أنْ يذكر ذلك اليوم يذكره لنفسه، ويذكره لقومه ليعتبروا، فربما إذا سمعوا ما فى هذا اليوم من القسوة والخزى والنكال ربما راجعوا أنفسهم فتابوا إلى الله.


إذن: ليس حظ الله تعالى من هذا العمل أنْ يُرهبهم إنما ليحذرهم، لئلا يقع منهم الكفر الذى يُوقِفهم هذا الموقف، كما تُبشِّع لولدك عاقبة الإهمال، وتُحذِّره من الرسوب لينفر من أسبابه، ويبحث عن أسباب النجاح.

 

أقرا ايضا | الحسن البصري .. اللحظات الأخيرة في حياة الإمام الزاهد