كانت ميزانية ملتقي المسرح العربي تنبيء بفشل أكبر..  - رغم أن عروض الملتقي وفاعلياته ومطبوعاته تفوق التجريبي - فهل كان الفشل ما ينتظرنا أم ننتظر نحن معجزة؟

حين أتحدث عن الوحوش الصغيرة فيما ذكرنا من (ملتقي المسرح العربي)، فإنما أتحدث أيضاً عن وحوش صغيرة أخري تعيش الآن بيننا والغريب أن أخطرها هي أحطها في مملكة الجرزان وهي القوارض أو (الفئر ان) بالتحديد وإذا ذكرنا الفئران قديماً ذكرنا الوباء - الاسود (الطاعون) الذي حصد الملايين، وإذا ذكرناها الآن ذكرنا الإرهاب الأسود المهدد للمنطقة بل ومستقبل التقدم البشري . وما هم الا الأكثر ضحالة بين العقول وأحط العملاء خسة وكذباً أما في مصر الان فلدينا قوارض عصر مبارك وقوارض الإخوان حيث ثبت أنهم المنتشرون والأكثر تأثيراً في كل المؤسسات والوزارات وبعض القنوات والصفحات وغيرها، من رجال الاقتصاد والسياسة تقرض بأسنانها الحادة الصغيرة أطراف حلمنا بالخروج الي النهار وصولاً إلي جذورا لحلم.. حلم الشعب وحلم ثورته.. ليبقي الحلم وأصحابه معلقين في الهواء.. رغم كل المحاولات التي تنتقد مازالت الي تفسير واضح محدد لهذا الحلم - ولو أن إرادة الله حين تستنهض إرادات البشر تتحقق أحلامهم وقد كانت معركتنا في المسرح بقبرص ثم في القاهرة تحمل  جانباً من هذه الحققة. كيف؟

كانت ميزانية ملتقي المسرح العربي تنبيء بفشل أكبر.. كانت نصف مليون - عُشر ميزانية التجريبي - رغم أن عروض الملتقي وفاعلياته ومطبوعاته تفوق التجريبي - فهل كان الفشل ما ينتظرنا أم ننتظر نحن معجزة؟

> تحدد موعد إقامة الملتقي من 15 إلي 24 ديسمبر 1994 كما تحدد برنامج العروض بعشرة عروض لعشر دول عربية أما الفعاليات والمطبوعات في هذه الدورة فكانت جميعها حول موضوع الدورة - لكل دورة يحدد موضوعاً رئيسياً يخدم شعار هذا الملتقي وهو (الاصالة والمعاصرة) وهذه الدورة كان محورها (التراث الشعبي بين الاصالة والمعاصرة) وإنطلاقاً من الابداع المسرحي القائم وفق أحوال الواقع العربي، وللحق فإن اللجنة كانت تضم رموزاً كبيرة ومحترمة لم تستطع الوزارة ان تتجاهلها وقد جرت بها مناقشات جادة وعميقة إنتهت إلي تحديد الصورة بصدق ودون تجميل أمام كل المشاركين في نشاط هذا الملتقي وكانت تلك أول بشائر التوفيق إذ انتهت إلي أن المسرح العربي برغم تاريخه وإرتباط أطرافه بالحاضر والمستقبل لم يعد مؤهلاً لمواجهة التحديات والمخاطر علي الساحتين الاقليمية والدولية وأن الحاجة الي تجديد الفن المسرحي  العربي فكراً وإبداعاً باتت أمراً ضرورياً في عالم تحكمه متغيرات عاصفة.

(كان ذلك عام 1994 م فما بالنا ونحن نواجه الآن ما نواجهه!؟) كانت اللجنة حارساً علي مصداقية الملتقي وجديته وكان علي رأسها الاستاذ (أحمد حمروش) عليه رحمة الله وكان يرأس لجنة التحكيم برموزها الكبيرة من المسرحيين العرب - الفنان الكبير أتم الله شفاه (نور الشريف) وكان الجهد الخارق لحسين مهران السيد راضي في تخطي التعويق والعجز المالي لا يصدق ولا أدري حتي الآن كيف أمكن تخطيها كانت ميزانية النصف مليون لا تكفي لتغطية البرنامج كما هو محدد.. فما بالك وقد اتسع البرنامج وتمدد؟! أولاً اتسع عدد العروض المشاركة الي الضعف تقريباً ، ولم يكن مقبولاً رد أي قيمة خاصة أن ذلك الاقبال دل علي أن المهرجان جاء ليلبي إحتياجاً حقيقيا إذ أنه يفتح  ملف المسرح العربي حينها وعلي نحو محدد ومختلف عن الجدل المتكرر في المهرجانات  الاخري بل من زوايا جديدة تطرق أبواب التطوير والحداثة دون تفريط في النصوص - من خلال العروض والابحاث المطروحة ورؤي الجميع كان من المتوقع مع تزايد عدد الفرق والعروض ان يتأثر مستوي الاستضافة فقدحرصنا أن يكون من البداية في أحد الفنادق الكبيرة، لكننا فوجئنا بتعاون وروح وطنيتين للمسئولين المصريين في هذا الفندق الشهير، وانظر حجم الاستضافة بخلاف الفرق الزائرة، حيث أن الفاعليات ضمت ضيوفاً للتعليق علي العروض بخلاف لجنة التحكيم العربية ورموزاً لمشاركة بأبحاث حول المحور بترشيح من اللجنة العليا وكذلك للمشاركة في مائدة الحوار التي امتدت لأيام طبعت بعض الأبحاث في كتب.

بخلاف النشرة اليومية ذات المستوي الطموح بفريق من شباب المسرحيين والنقاد المتفرغين للملتقي ليل نهار. المفارقة الهامة بالنسبة لما جري في قبرص هو حضور (نيقوسي شنكالي) رئيس لجنة الهوية الثقافية في الهيئة العالمية للمسرح وكذلك تم استضافة (أندرية لوي برنتي) سكرتير الهيئة العالمية  للمسرح وكلاهم ا ساهم بقرارات ضمت ضمن توصيات الملتقي، أما من تم استضافتهم من رواد ورموز المسرح العربي  فأذكر منهم دون ترتيب أو القاب : نضال الاشقر والطيب الصديقي ويوسف العاني وروجيه عسّاف وعز الدين المدني والياس خوري وعبد العزيز السريع ود. فروق أوهان وفؤاد الشطر ومحمدادريس وحاتم السيد وعلي عقله عرسان، هذا بخلاف إسهام كبير من رموز ومن رواد المسرح المصري وممثلي كل أجياله.

أما ما أسفر عنه هذا الملتقي بتلك الدورة فهي توصيات صدرت عن ممثلي كل المشاركين بشكل ملزم.. فهيمعركة أخري مع القوارض.