أحمد جمال
مازالت مناهج الصف الرابع الابتدائى تستحوذ على القدر الأكبر من الجدل داخل المجتمع، ورغم أن امتحانات الشهر التى أجرتها الوزارة مرت الأسبوع الماضى بسلام، إلا أن الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم ينتظر محاسبة شعبية من البرلمان مع توالى طلبات الإحاطة ضد المناهج الجديدة التى تسببت فى جملة من المشكلات والأزمات بين الطلاب وعلى مستوى أولياء الأمور والمعلمين.
وأكد النائب طارق الطويل عضو مجلس النواب عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، أن ما يحدث فى منهج الصف الرابع، ليس تطويرا، يعد عبئا على الطلاب وخاصة فى هذه المرحلة من التعليم، قائلاً: ارحموا الطفولة المصرية، من هذا الضغط ومحاولات التجارب غير المدروسة فى ملف التعليم، والتى تنعكس بالسلب على الأسرة المصرية وخاصة أولياء الأمور التى تتحمل أعباء إضافية فوق ما يتحملون فى حياتهم اليومية".
وأضاف فى طلب الإحاطة الذى قدمه أن منهج الصف الرابع يتضمن مواد تفوق استيعاب الطلاب ويشكل ضغطا وحملا ثقيلا على الطلاب خاصة فى ظل تطبيق نظام الامتحانات الجديد غير المعروف بالنسبة للطلاب ولأولياء الأمور، متسائلاً عن الأسباب التى دفعت الوزارة للاستعانة بالشركات الأجنبية فى عملية تأليف المناهج؟
وكانت وزارة التربية والتعليم قد أكدت أن تأليف المناهج الجديدة للصف الرابع الابتدائى جرى بالتعاون مع دور النشر الأجنبية وأنها جرت بالتعاون مع الخبراء والشركاء الدوليين، على رأسهم البنك الدولى وصندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، وهو ما أثار جملة من التساؤلات حول ما إذا كانت الاستعانة بالعقول الأجنبية سببًا فى الأزمة التى أثارتها المناهج فى الوقت الحالى من عدمه؟ وهل كانت عملية تأليف المناهج تجرى فى السابق عبر الشركات الأجنبية؟
والمعروف أن لدى وزارة التربية والتعليم مركز لتطوير المناهج يضم عددا من الكوادر التى لديها خبرات كبيرة وعملية فى وضع الأطر العامة للمناهج وتطويرها بل إن البعض منهم شارك فى عملية تطوير المناهج لدى بلدان عربية شقيقة، وبالتالى فإنه من الممكن الاستعانة بهؤلاء للقيام بعملية التطوير بشكل كامل.
وقد أثار ذلك الأمر جدلاً واسعًا داخل مركز المناهج وفى الأوساط التربوية حول الأسباب التى تدفع لعدم الاستعانة بالخبراء المصريين فى مجال المناهج إذا كان لدينا خبرات مؤهلة فى هذا المجال، تحديداً وأنه تاريخيًا لم تكن هناك تدخلات خارجية بشكل مباشر فى عملية التأليف، وإن كان هناك استعانة بالأطر العامة والمصفوفات التى يجرى على أساسها وضع المناهج فى دول متقدمة للاستفادة منها وتوظيفها لصالح عملية التطوير المستمرة.
أكد الدكتور محمد رجب فضل الله، المدير الأسبق لمركز تطوير المناهج، إن مشاركة دور النشر الأجنبية فى عملية تأليف المناهج تعد أمراً مستحدثاً ولم يحدث أن شاركت من قبل، لأنه من المفترض أن يشارك فى عملية التأليف خبراء لديهم دراية بالمجتمع والبيئة ونوعية المتعلم وظروف المدرسة، لكن لا يمنع فى بعض المناهج مثل العلوم والرياضيات استيراد مناهج من الخارج مع مواءمتها للبيئة المصرية.
وأوضح أنه من المهم أن يكون مستوى الطلاب المصريين مناظراً لأقرانهم فى الخارج إذا ارتبط الأمر بالمواد الطبيعية وفى تلك الحالة تكون الشراكة مقبولة بشرط أن يكون هناك مواءمة كاملة للمنهج مع البيئة التعليمية وطبيعة المتعلم المصرى والظروف لنضمن التراكمية، لكنها بالطبع فى كل الأحوال غير مقبولة فى مواد مثل اللغة العربية والدراسات الاجتماعية والتربية الدينية، وهى بالأساس مواد الهوية.
فى رأى فضل فإن عملية تطوير الكتب والمناهج أمر مهم للغاية ولابد أن يستمر ليواكب المستويات العالمية ولا يستطيع أحد أن يعارض ذلك لكن مع ضرورة أن يكون ذلك عبر الأيادى الوطنية التى على دراية بظروف المجتمع والمتعلمين، مشيراً إلى أن الوزارة وقعت فى خطأ آخر تمثل فى عدم تهيئة الميدان التربوى للمناهج الجديدة.
تشمل عملية التهيئة بحسب ما ذهب إليه مدير مركز المناهج الأسبق ضرورة التعرف على آراء المؤسسات التربوية المختلفة من معلمين وخبراء تربية وممارسين بما يؤدى لتهيئة الرأى العام بالمنهج الجديد، إضافة إلى أهمية إجراء تدريب مسبق وليس موازيا على الفكر والطريقة والمقررات الجديدة، والأمر الثالث يرتبط بالتجريب بحيث تكون البداية من الوحدات الصغيرة والمناطق التعليمية لمدة عام أو فصل دراسى قبل تعميمها على مستوى الجمهورية.
أكد الدكتور محسن حامد فراج، رئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، أن توفر خبراء المناهج المصريين ذات الخبرات والرؤى المتطورة فى مجال صناعة المناهج يجعل هناك حتمية للاعتماد على الطاقات الوطنية، وطالما أن هناك مراجعة مستمرة من جانب هؤلاء للمعايير الدولية المتطورة فإننا نضمن عدم تخلفنا عن التنافسية العالمية، ويكون بإمكاننا تقديم مناهج محلية الصنع تراعى الظروف والعادات والتقاليد ومستويات الطلاب.
وأضاف أن التعامل مع قضية المناهج مثل كرة القدم والاستعانة بخبراء أجانب لتطوير المستوى أمر ليس سليما، ورغم أن هناك لغة عالمية مشتركة للمناهج شأنها ككرة القدم إلا أن الاستعانة بالخبير الأجنبى ينبغى أن يكون بحدود وبمساعدة خبراء مصريين لديهم إدراك بحقيقة الأوضاع على الأرض، فى حين أن هناك تجارب عربية ناجحة عديدة استفادت من الخبرات المصرية فى عملية تأليف المناهج وتطويرها.. ويعتقد فراج أن هناك حالة خصام مع الأساتذة وخبراء التربية بالرغم من أن الغالبية العظمى لديهم استعداد للتطوع من أجل خدمة بلدهم والمشاركة بالرؤى والأفكار المتطورة، مشيراً إلى أن أساتذة التربية فى مصر يشاركون فى الإشراف على دراسات الماجستير والدكتوراه لعدد كبير من الباحثين الذين يتولون عملية وضع المناهج والمواد التعليمية على ضوء التطورات العالمية المتقدمة تحديداً فى مواد العلوم والرياضيات.
لدى الخبير التربوى قناعة بأن مناهج الماضى كانت محدودة المعرفة فى حين أن هناك تطورات عصرية وتضخما فى المعرفة نتيجة دخول التكنولوجيا الحديثة، وأضحى هناك طرق متطورة للوصول إلى المعرفة، وهو أمر لابد أن تركز عليه المناهج الجديدة ويقتنع به أولياء الأمور والمعلمون، غير أنه من المهم أن يكون هناك تجهيز مسبق لتلك المناهج وألا تكون معزولة عن المجتمع والبيئة المحيطة بها، وأن تتم عملية تطوير البنية التحتية أولاً وتأخذ عملية تدريب المعلمين وقتها الكافى قبل التنفيذ على أرض الواقع.