اكتشفنا أسباب حدوث الأزمات القلبية صباحا

أستاذ فيزياء حيوية: توصلنا لاختبار يتنبأ بوفيات «كوفيد ـــ 19»| حوار

د. سامح سعد أثناء حواره مع الأخبار
د. سامح سعد أثناء حواره مع الأخبار

رغم ما تحقق من نجاحات ملموسة فى مجال البحث العلمى، لا يزل الوضع بعيدا على أن يوضع فى مقارنة مع الجامعات الدولية التى عمل بها أستاذ الفيزياء الحيوية د. سامح سعد، والذى امتلك فرصًا للاستمرار فيها، لكنه فضل العودة إلى مصر للعمل فى البداية بمدينة زويل، ثم انتقل بعدها للعمل كرئيس لوحدة بيولوجيا الأورام بمستشفى سرطان الأطفال «57357».


قد تتفهم مبررات ترك "سعد" العمل قبل سنوات فى جامعة كاليفورنيا الأمريكية، مفضلا العودة للعمل فى مدينة زويل، ليكون أحد الأبطال المشاركين فى تحويل حلم العالم المصرى الراحل د. أحمد زويل، إلى حقيقة متمثلة فى مدينة أراد لها أن تكون فى مصاف الجامعات الدولية الكبرى، ولكن ما آثار تعجبى هو تركه العمل بالمدينة بعد وفاة د. زويل، مفضلا العمل بمستشفى سرطان الأطفال، بدلا من أن يشد الرحال عائدا إلى أمريكا.


زاد هذا التعجب وأنا فى طريقى إلى المستشفى لإجراء الحوار، حيث وقعت أسيرا لطريق مزدحم أوصلنى بعد الموعد بأكثر من 45 دقيقة، لأتساءل: كيف يتمكن الباحث من الإبداع والابتكار إذا وقع هو الآخر أسيرا للمفاجآت غير السارة للطرق، وكيف يمتلك القدرة على الإنجاز، إذا وقعت عينه وهو فى الطريق إلى مكتبه، مثلما وقعت عيني، على طفل صغير أطفأ السرطان ضحكته وكسى ملامح وجهه بالألم والإرهاق.


توقعت أن ٌيقلب هذا المدخل الذى اتخذته منطلقا للحوار مواجع الباحث، الذى يجلس داخل مكتب لا تتعدى مساحته 3 أمتار، لأجد صدره ضيقا حرجا، على قدر ضيق مكتبه، لكن على العكس من ذلك وجدته رحب الصدر، مستوعبا لكل المعوقات، بل إنه كان قادرا على أن يرى فيها الأمل والتحدى.. وإلى نص الحوار.

أتذوق طعم النجاح بإحساس الأب الذى يضع الطعام على طاولة أبنائه

الإعلام يقدم نماذج النجاح بثقافة «التخريمة».. ويجب إظهار الإخفاقات التى سبقت الوصول للقمة

د. سامح سعد

- دعنى أبدأ الحوار من الأزمة التى واجهتنى وأنا فى الطريق إليك، وهى الزحام المرورى، الذى أخرنى عن الموعد، فمن المؤكد انك قد تواجه مثل هذه الأزمة كثيرا بما يستنزف الكثير من تركيزك، فإلى أى مدى تؤرقك هذه المشكلة؟
يطلق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة طويلة، قبل أن يقول: هذه مشكلة تواجهنا جميعا، ومن المؤكد أنها تفقد الباحث بعضا من تركيزه، ولكن ما أود قوله، أنى عندما اتخذت قرار العودة إلى مصر  بعد سنوات من التنقل بين الجامعات فى اليابان وأوروبا وأمريكا، كنت أعلم أن وسائل الراحة المدنية فى مصر، وكذلك مستوى الدخل، سيكون أقل من الخارج، وهذه مشاكل لدى استعداد لتحملها، ولكن ما يؤرقنى كباحث أعمق بكثير من هذه المشكلات، التى تشهد مصر إجراءات ثورية ونهضة غير مسبوقة بهدف علاجها.

ويضيف: أنا كنت محظوظا بالعمل فى عدة مدارس بحثية، سواء فى اليابان التى عملت بها خمس سنوات، وأوروبا « حوالى عام ونصف» وأمريكا «16 عاما»، وعدت إلى مصر بهدف المشاركة فى نهضة هذه البلد، لاكتشف أنه يتعين على بذل مجهود مضاعف عن المجهود الذى كنت أبذله بالخارج، لأنى لم أكن مضطرا فى الدول التى عملت بها إلى التدخل لحل مشكلات عادية، فلك أن تتخيل مثلا أن دورة شراء معدات يمكن ان تصل إلى سنة، ودورة شراء الكيماويات والكواشف التى نستخدمها فى عملنا يمكن أن تصل إلى ستة شهور، وإذا أردت شراء خلايا أو حيوانات تجارب، فهذا أمر مستحيل.

وبينما أضطر كباحث إلى إنفاق الكثير من الوقت والجهد فى متابعة وصول هذه الأشياء، كان يكفينى فى الخارج اتصال هاتفى بالسكرتيرة لأجد مثل هذه المتطلبات قد توفرت فى اليوم التالى بلا أدنى مبالغة، لذلك كانت كل طاقتى تتركز على الأفكار، أما هنا فجزء من طاقتك يتم استنزافه فى الأمور اللوجستية والبديهيات التى لا تحتاج لتدخل منك، وهذا يكبل من أيدينا ويصعب كثيرا من قدرتنا على منافسة أقراننا بالخارج، فى ظل أن البحث العلمى «هدف متحرك»، فأثناء العمل ستظهر لك أسئلة جديدة تحتاج إلى إجابة، وهذا يتطلب دعما لوجستيا بأدوات وكيماويات وكواشف وخلافه، وبالطبع عندما نتأخر فى توفير مثل هذه الأشياء، سيسبقك الآخرون، لأنك لست الوحيد الذى تعمل، ومن الوارد جدا ان يكون هناك من يعمل على نفس فكرتك ويصل إلى نتائج  قبلك يقوم بنشرها بحثيا.


لذلك ما أود قوله أن مشكلات المرور والدخل «مقدور عليها»، لكن الأهم هو حل تلك المشكلات اللوجستية، إذا أردنا ان يكون لدينا بحث علمى قادر على المنافسة.

مكاسب معنوية
 

- وما الذى يجعلك تستمر فى العمل بمصر فى ظل وجود هذه الصعوبات، لاسيما أن سيرتك الذاتية تقول أنك تمتلك من الخبرة والكفاءة ما يجعل أى جامعة بالخارج تتمنى انتقالك لها؟

بثقة بدت واضحة على وجهه يقول: قيمة الفوز، فتخيل نفسك فى سباق مع آخرين أقوى منك ولديهم إمكانيات تفوقكك، ورغم كل الصعوبات استطعت أن تنافسهم، وتسبقهم  فى بعض الأحيان، فالإحساس بالإنجاز فى هذه الحالة يكون مضاعفا.

- يعنى بـ «تغزل برجل حمار» كما يقول المثل؟

حقيقى هذا صحيح.. ولكن إحقاقا للحق هناك ميزة لدينا فى مستشفى 57357، ربما لا تكون متوفرة لأقرانى من الباحثين بالغرب، وهى أن لدينا عددا كبيرا من المرضى تجمعوا فى مكان واحد، ومن الصعب أن تجد لهذا المكان مثيلا بالغرب، وكثير من أقراننا بالخارج يطلبون منا التعاون معهم فى ارسال خلايا لهم للعمل عليها، ولكن غير مسموح لنا بذلك.. هذه فضلا عن ميزة أخرى بالمستشفى، وهى أن إدارتها تعلى من قيمة البحث العلمى ومدركة تماما لأهميته.

- مع تقديرى لهذه الميزة، فما قيمة امتلاكك للخلايا فى ظل ضعف الإمكانيات المختبرية التى تعينك على توظيفها فى أبحاثك؟
يشير من نافذة مكتبه إلى مشهد أب يدفع كرسى متحركا يجلس عليه نجله المريض، قائلا وقد انخفضت نبرة صوته قليلا: هناك مكاسب معنوية كثيرة يمكن أن تحصل عليها من العمل فى مصر رغم ضعف الإمكانيات، فشعورك بأنك تنجز شيئا فيه مساعدة لمواطنى بلدك، فهذا شعور يجلب السعادة، فأنا أشعر وقتها بإحساس الأب الذى يضع الطعام على طاولة أبنائه كى يأكلوا من كده وتعبه، فأى تضحية يكون لها قيمة نشعر بها نفسيا، ثم إن هناك دافعا آخر، وهو المساهمة فى صناعة الأمل فى هذه البلد بدلا من قتله، فلو أننا جميعا لم نتحمل الصعوبات وتعاملنا معها وقررنا جميعا ترك البلد، فمن سيشارك فى نهضتها وبنائها إذن.

- ربما يرى البعض فى مبررك كلام عاطفى، وأنا أعرف أن العمل البحثى يفرض عليكم التفكير بشكل عملى؟
 يبتسم قبل يقول: الباحث يريد أن يشعر بتقدير الناس لما يفعله، وهذا أمر فى حد ذاته يجلب السعادة، والعمل فى المستشفى يوفر لى ذلك، وربما لم أكن أشعر بهذه السعادة وأنا أعمل فى أمريكا بجامعة كان بها كثير من الأساتذة الحاصلين على جائزة نوبل.

- وأيهما أهم بالنسبة لك.. القيم الاجتماعية التى حدثتنى عنها أم المكسب الشخصى وهو تقدير الناس لك؟
يقول بدون تردد: ليس من الذكاء ألا يفكر الباحث فى مكاسبه الشخصية، فلابد أن يكون لديه قدر من التركيز فى اهدافه الشخصية، ولكن السؤال هنا ما هى نوعية هذه الأهداف، هل هى أهداف ذاتية وأنانية بحتة، أم أن بها سعادة شخصية عن طريق تقديم أمر مفيد للناس.. بالنسبة لى ليس هناك تعارض بين تحقيق السعادة الشخصية عن طريق تقديم ما يفيد مواطنى بلدى.

تحقيق التوازن
- وهل وجدت أن تحقيق هذه المعادلة لم يكن متحققا فى مدينة زويل، ولذلك تركتها مفضلا العمل فى مستشفى 57357؟
يومئ بالموافقة قبل أن يقول: ربما يكون انتقالى للعمل فى المستشفى هو السبب فى عدم عودتى للعمل بأمريكا، فالمستشفى اقرب لمشاكل الناس، وأرى من خلال عملى بها نتاج أبحاثى التى تصب فى اتجاه تخفيف آلام طفل ورفع الهموم عن أهله، وهذا كما قلت لك يمنحنى تقديرا كافيا لجعلى سعيدا.

- ولكن التقدير الذى ستحصل عليه، ربما لن يتجاوز حدود المستشفى، وفى أحسن الأحوال سيمتد لمجتمع البحث العلمي، فلماذا لا يتحول الباحث العلمى عندنا لنجم مجتمع يشير له الناس مثل لاعبى الكرة أو الفنانيين، ليكون لدينا نماذج أخرى يتعرض لها الشباب؟
تعود الابتسامة إلى وجهه ليقول بنبرة صوته الهادئة: ليس من طموحات الباحث العلمى أن يكون مشهورا يشار له بالبنان، فنحن بطبيعتنا خجولين، وفى أحيان كثيرة نكون نرجسيين، فلا نشعر بالسعادة إلا فى معملنا ووسط طلابنا، حيث نكون وقتها مثل الطفل الذى يحل  (لغز)، ولا يريد أن يزعجه أحد أو يسلط عليه الضوء، أثناء انشغاله بذلك.

لكن جزءا من محاولات التغيير فى الجتمع، تقتضى ضرورة التركيز إعلاميا على توصيل نماذج مختلفة من النجوم، ويكون هناك توازن فى الأمثلة التى تقدم للشباب، بين مثقفين وعلماء وفنانين ولاعبين، ولابد ان يعرف المتابعون أن قصص نجاح هؤلاء جاءت ببذل العرق والجهد، وكانت هناك اخفاقات كثيرة سبقت تحقيق النجاح، لأن  كثيرا مما يتم تقديمه ينتهج ما أسميه بثقافة «التخريمة»، فبدلا من أن أستعرض الطريق الطويل الذى سار فى الشخص، يتم القفز فجأة إلى نهاية الطريق وحصد الثمار.

الميزان مقلوب
- حدثتك عن الاهتمام بالعلماء، فحدثتنى عن التوازن فى عرض نماذج النجاح، وكأن الفنانيين والرياضيين لا يجدون من يتحدث عنهم؟
لم ينتظر استكمال السؤال وقال على الفور: أشرت إلى التوازن فى العرض، وأود التأكيد على أن عرض قصص نجاح العلماء، ليس من شأنه فقط أن يساعد على شهرة العالم، ولكن هناك هدفا «براجماتي» من وراء ذلك، وهو أن تسليط الضوء على العلماء وما يفعلوه من شأنه أن يشيع الثقافة العلمية فى المجتمع، والتى ستنعكس بطبيعة الحال مع الوقت على طريقة تفكير الناس، ليصبح تفكيرهم مبنيا على المنهج العلمي.

- وهل تشعر أن هناك نية أو رغبة فى تحقيق هذا التوازن؟
تظهر مسحة من الحزن على وجهه، أعقبها بقوله: للأسف لا يوجد.. فالميزان مقلوب تماما، وهذا سببه أننا لا نستخدم أسلوبا صحيحا فى توصيل العلم، وتقديم نموذج سهل البيع، ولكن للأسف يتم تقديم العلم بشكل نمطى عبر برامج حوارية مملة جدا.

ومن أحلامى أن يكون لدينا برنامج يناقش القضايا العلمية ويعالج المشكلات الفلسفية العلمية بأسلوب مبتكر، فلدى الشباب أسئلة علمية ملحة مثل كيف بدأت الحياة وكيف تطورت، ومثل هذه الأسئلة إذا تم الإجابة عليها بشكل برامج حوارية مملة لن نحقق شيئا، ولكن يمكن الاستعانة عند تقديم الإجابة برسوم متحركة مثلا، فمثل هذه الطريقة جاذبة للشباب .

أفخر بعمل شقيقى عمرو وأحمد فى الفن.. والتقليل من شأنهما عند المقارنة معى « نفاق اجتماعى»

د. سامح سعد يتوسط شقيقيه أحمد وعمرو

- أراك غير منزعج من فكرة الاهتمام بالنماذج الفنية والرياضية، ولكنك مهموم أكثر بمسألة تحقيق التوازن فى الاهتمام، وهذا ربما يفسر لى تعليق قرأته قبل شهور على صفحتك بالفيس بوك، أظهرت فيه انزعاجك الشديد من تقليل البعض من شأن شقيقيك الفنان عمرو سعد والمطرب أحمد سعد، تعليقا على صورة جمعتكم سويا..
يومئ بالموافقة قبل أن يقول بلهجة متحمسة: العلم والفن والرياضة والأدب، كلها أوجه حضارية تميز الإبداع البشرى، والحضارات المتقدمة لا تقاس بالعلم فقط، فالتقدم العلمى يكون انعكاسا لمظاهر تقدم كثيرة فى أى بلد، فالحضارة الفرعونية مثلا، لا ينكر أحد اهتمامها بالفن، كما يظهر على جدران المعابد، والحضارة الإسلامية، اهتمت بالأدب والشعر والفنون، فالشعب الذى يحتقر الفن، هو شعب لم يصل إلى النضج الحضارى، لذلك وجدت انه ليس من العدل، التقليل من شأن شقيقى عند وضعهم فى مقارنة معى، لان قيمتنا فى اجادتنا لما نعمل، فهناك كثيرون يمكن أن يكونوا أفضل منى، طالما انهم مجيدون لعملهم.
ثم إن الاشتغال بالفن، لا يدعو للخجل، فالفن من أهم أدوات القوة الناعمة، وكان يمكن لمصر الاعتماد على الإنتاج السينمائى مثلا لتطوير حالتها الاقتصادية، لأننا كنا فى وقت من الأوقات، ثالث دولة فى العالم عرفت السينما.

لغة العصر
- أشعر أن رأيك مبنى على ما يجب أن يكون عليه الفن، وليس على ما وصل إليه حال الفن؟
ولما لا يصبح الفن عندنا على هذا المستوى، ففى الثلاثينات كنا ننتج أفلاما على نفس مستوى الأفلام الأمريكية، ولكننا تراجعنا وفقدنا جزءا مهما من قوتنا الناعمة، وأصبج جمهورنا للأسف يبحث عن الأفلام والمسلسلات التركية، ولا يقدر العاملين فى الفن ببلده، فليس من الإنصاف ان يتكالبوا على شقيقى للحصول على صورة أو توقيع، وعندما تنشر صورة لى معهما يتم التقليل من شأنهما، فهذا فى رأيى شكل من أشكال النفاق الاجتماعى، فأنا فخور بشقيقى وأرى أن ما يقدماه لا يقل عن ما أحاول أن أقدمه.

- ربما كان الناس منزعجين من فكرة عدم التوازن التى تحدثنا عنها، ويرون أنهما حصلا على شهرة تفوقك ؟
يصمت لوهلة يأخذ خلالها رشفة من الماء، قبل ان يعاود الحديث قائلا: لن نحقق  التوازن، طالما لم نفهم لغة العصر، فقيم السوق والماركت هى التى تتحكم فى اختيارات الناس، فإما أن تكون ذكيا وتحول العلم إلى سلعة يقبل عليها الناس بتسويقها جيدا باستخدام أدوات العصر أو تستمر على نفس النمط التقليدى الممل الذى يعتمد على ثقافة التلقين، لتترك «الترند» لمن يفهم لغة هذا العصر، ولتحقق ذلك يجب ان تكون هناك استثمارات ضخمة فى شكل مدن علمية  ومتاحف علمية وبرامج جدلية تقدم بأساليب مختلفة يتم الاستعانة فيها بوسائل بصرية، وهذا من شأنه يحقق التوازن المطلوب.

تخفيف آلام طفل أهم من جائزة نوبل.. ولولا عملى بمستشفى «57357» لعدت لأمريكا

صعب جدا وليس مستحيلا
- ربما يتم الالتفات لتحقيق ذلك، عندما يحصل عالم يعمل داخل مصر على جائزة نوبل...
بلهجة حاسمة يقول: صعب جدا جدا، لكنه ليس مستحيلا، فالأمر أشبه بتصنيع مصر لمركبة تحمل رائد فضاء للمريخ، فهل نملك ذلك حاليا؟ بالقطع لا، وكذلك من الصعب ان يحدث ذلك، فكما قلت لك فى بداية الحوار نحن نعانى حتى ننشر بحثا بسبب تأخر الدعم اللوجستى، من أدوات وأجهزة، وهذه أبسط الأمور، فما بالك وأنت تتحدث عن جائزة نوبل التى تحتاج أبحاثها لبنية تحتية لا توجد عندنا، ولكن ربما يكون حظ أولادنا أفضل و يتحقق ما تحدثنا عنه خلال الحوار، ويكون المناخ وقتها مهيأ لحصول عالم يعمل داخل مصر على الجائزة.

- ولكن ما أعرفه وتم تداوله أيضا فى أكثر من وسيلة إعلامية أن الدكتور زويل، عندما سئل عن أسباب استعانته بك فى المدينة، قال أنه يرى فيك مشروع باحث يحصل على جائزة نوبل وأنه يقوم بإعدادك لذلك؟
تظهر إيماءة خجولة على وجهه قبل أن يقول: لم أسمع ذلك بأذنى من الدكتور زويل، وسعيد جدا بهذا الرأى إن كان قد قاله، مع أنى لا أعتقد أن تفكير الدكتور زويل بهذه البساطة، فجائزة نوبل أمر كبير ومعقد جدا، وليس ببساطة أن أحدا يستطيع أن يعد باحثا للحصول عليها، ولكن دعنى أقول بصدق أن هذه الجائزة وهى تكريم أدبى كبير، يتمناه كل باحث، ليست أغلى عندى من رفع الألم عن طفل يعانى، فإذا وفقنى الله لرفع ألم عن طفل، فهذا بالنسبة لى أغلى من نوبل.

- بما أننا نتحدث عن جائزة نوبل، أشعر أنها صارت تمنح التقدير لموضوعات ليست ذات طابع ثورى فى العلم، كما حدث فى جائزة الطب هذا العام؟
طبيعة العلم تغيرت، ففى الماضى كانت المناطق غير المأهولة فى العلم كثيرة، ولذلك كان الباحثون يحققون نتائج ثورية فى العلم، ولكن الآن أصبحت كل المناطق مأهولة ويعمل كثير من الباحثين بها، لذلك تجد الجائزة تتجه نحو انجازات أكثر تركيزا على مرض معين أو طريقة جديدة تزيد من قدرتنا على اكتشاف مرض ما.

فواصل وهمية
- ربما اللافت أيضا فى جائزة نوبل أن الجائزة الواحدة قد تجمع بين باحثين ينتمون لأكثر من تخصص، والمثير بالنسبة لى أنك وحدك عمل فى ثلاث تخصصات مختلفة، فأنت حصلت على البكالوريوس فى الكيمياء، ثم تخصصت فى الكيمياء الفيزيائية، وأصبحت أميل بعد ذلك للفيزياء الحيوية؟  
يقول بنبرة استنكارية: الفواصل بين التخصصات، فواصل وهية نحن من صنعناها، فلا يوجد ما يمنع أى شخص من اكتشاف مناطق جديدة فى العلم، فالعبرة ليست «من انت وما هو تخصصك»، ولكن العبرة « ماذا تقول»، فلا يوجد مثلا ما يمنع مهندسا أن يكتب فى الطب، ولكن العبرة فيما سيكتبه، والفكرة أن الباحثين عندنا ركزوا اهتمامهم على منطقة معينة، فكان من الصعب عليهم الذهاب إلى منطقة أخرى، ولكنى كنت محظوظا بدراسة الكيماء فى مصر، وكنت أيضا محبا للفيزياء، فعملت فى تخصص الكيمياء الفيزيائية فى اليابان، وعندما سافرت إلى أمريكا جذبنى مجال عنصر قوة الخلية البشرية وهو»الميتاكوندريا»، وهى أحد مجالات الفيزياء الحيوية، فقرأت كثيرا فى هذا المجال وحضرت كورسات أون لاين، وبدأت أركز فى هذا الاتجاه.

- وأخيرا أحب أن أنهى الحوار معك، بأحدث نتائج أبحاثكم والتى تحمل أملا للمرضى؟
لدينا قصص لم تكتمل عن أبحاث فى مجال السرطان، استطعنا ان نصل فيها لنتائج تشير إلى الدور الذى يلعبه التمثيل الغذائى والميتاكوندريا فى بعض أنواع سرطانات المخ، ولدينا قصص فى التعامل مع وباء «كوفيد-19»، حيث استطعنا الوصول إلى مؤشر حيوى يكشف عن الوفيات بمرض «كوفيد -19» قبل حدوثه بـ 15 يوما بنسبة دقة تصل إلى 95%، وهذا المؤشر الحيوى هو بروتين فى الدم يسمى «ألبيومين «، حيث وجدنا ان هناك تغيرات تحدث فى تركيب هذا البروتين لدى مرضى الحالات الشديدة فى العناية المركزة، واستطعنا قياس هذه التغيرات وتحويلها إلى أرقام للتنبؤ بحدوث الوفاة، وهذا يمكن أن يفيد فى محاولة التوصل لعلاج منقذ لهؤلاء المرضى.

ونشرنا مؤخرا بحثا استطعنا من خلاله التوصل إلى أسباب تعرض الناس للإصابة بالسكتات القلبية فى الصباح الباكر، حيث وجدنا أن تغيرات تحدث فى الميتاكوندريا بالقلب تجعله أقل قدرة على التحكم فى أيونات الكالسيبوم التى تساعد على التحكم فى انبساط وانقباض خلاياه .