هذه العناية تجعل البيت المسلم يعيش في روحانيات هذا الضيف الكريم؛ فالأب والأم يوقظان أبناءهم ليقبلوا علي الصلاة وقراءة القرآن.

بعد ساعات نكون بين حالين : بين وداع ضيف قد استعدَّ للرحيل، وكان يأمل في القضاء علي الشرور، وبين استقبال ضيف أطل بوجهه ليدخل علينا بالسعادة والسُّرور.
لحظاتٌ فارقة ستعيشها الأُمَّة بين وداع ضيف واستقبال ضيف آخر.
بين وداع شهر رمضان، وبين استقبال عيد هو منحة من الرحمن.
وبين هذه المشاعر المختلفة في الحالين، تصل إلينا رسالتان: رسالة من الضيف المفارق، ورسالة من الضيف القادم.
رسالة من الضيف المفارق إلينا جميعاً: إجعلوني انطلاقة جديدة؛ للتغيير الحقيقي لنفوسكم وقلوبكم حتي ألاقيكم في العام القادم.
ورسالة من الضيف القادم: عليكم بالتعاون علي البر والتقوي، حتي يكتمل بناؤكم وتنهض أمتكم.
وبين الرسالتين العشر الأواخر؛ فمن نعم الله علينا في رمضان العشر الأواخر منه، والتي تمثل المحطة الأخيرة لرحيل هذا الضيف عنا، هذه العشر كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يزداد فيها عبادة وتقرباً إلي ربه، نعلم هذا الأمر حينما تقول أمنا - أم المؤمنين - عائشة رضي الله تعالي عنها: كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله.
عناية كبيرة بأمر الزوجة والأهل والأولاد من رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو أسوة لنا كما قال ربنا في سورة الأحزاب» لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، هذه العناية تجعل البيت المسلم يعيش في روحانيات هذا الضيف الكريم؛ فالأب والأم يوقظان أبناءهم ليقبلوا علي الصلاة وقراءة القرآن.. وعبادة الرحمن، وفي هذا تحفيز لهم علي الخير.
ثم تأتي نعمة أخري وهي كبري النعم في رمضان والتي تستحق أن نشكر ربنا عليها؛ إنها ليلة القدر المباركة التي قال عنها ربنا في سورة الدخان « إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ «، وقد أخبرنا ربنا أنه أنزل القرآن فيها فقال في سورة القدر»إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، وهذه الليلة العمل الصالح فيها خير من ثلاثٍ وثمانين سنة وأكثر وهي بالشهور ألف شهر فقال تعالي « لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»
كذلك فإن الملائكة تتنزل فيها إلي الأرض، كما قال تعالي:» تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ «، وختام هذه الليلة السلام كما قال تعالي: «سَلَامٌ هِيَ حَتَّي مَطْلَعِ الْفَجْر».
وإن من أعظم التفريط، إضاعة هذه الليالي المباركات، في المحرمات وترك الطاعات، ثم يأتي يوم الجائزة إنه يوم العيد؛ فمن جمال شِرعة ربنا - تبارك وتعالي - عيدانِ أكرمنا بهما هما: عيد الفطر، وعيد الأضحي ؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قدمَ رسولُ اللهِ - صلي الله عليه وسلم - المدينةَ ولهم يومانِ يلعبونَ فيهما، فقال: ما هذانِ اليومانِ؟، قالوا: يومان كنا نلعبُ فيهما في الجاهليةِ، فقال رسولُ اللهِ - صلي الله عليه وسلم -: «إن اللهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحي، ويوم الفطر».
فهذه منحة ربنا لنا، ومنةٌ منه علينا، وهذه المنحة والمنة تضفي علي عيدنا أمرين:
أولهما: جماعية لأن الأمة الإسلامية كلها تجتمع في شهود شعائره.
وثانيهما: إيمانية؛لأنه منحة من رب العالمين؛ فجعل من الثمرات الطيبة لهذا اليوم أن نقاومَ معه الحزن، ونتجاوَزَ أسوأ الظروف؛ فترتسم سمات هذه المنحة علي الوجوه والقلوب - رغم المصاب - كزوجة فقدت زوجها وهو يؤدي واجبه تجاه وطنه، وترك خلفه جراحاً من الألم تعتصر قلوب أطفاله، أو أم فقدت ابنها وهو يدافع عن الجميع ضد إرهاب غادر، أو أخت فقدت أخيها وهو يفتدي أمان وطنه بروحه ودمه؛ فتترجم هذه المنحة إلي ابتسامة صافية علي الفم؛ لأن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وتترجم إلي مصافحة وتهنئة، وتترجم إلي توسعة علي الأهل وزيارة لأرحام، وتترجم إلي مواساة يواسيها الأغنياء للفقراء، هي زكاة الفطر ليستقبل العيد وهو يملك ما يوفّر له فرصة فرح له ولأهل بيته ولو لساعات معدودة وتترجم إلي فرحة ولعب دون تفلت أو إغضاب لله فيه.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،.