د. بكرى محمد الحاج يكتب : رحلة أنجاز 600 جذور لغوي

الفريق الأردنى عمل بنفس إيقاع عمل بقية الفرق العربية
الفريق الأردنى عمل بنفس إيقاع عمل بقية الفرق العربية

حرصت المجامع اللغوية العلمية العربية منذ إنشائها متتابعةً، ومن خلال اتحادها، ومراسيم تأسيسها على تحديد أهدافها. ونص مجمع اللغة العربية المصرى فى مرسوم إنشائه على أنه يسعى لوضع معجم تاريخى للغة العربية. وذكر أن من وسائله لتحقيق هذا الهدف وضع معجمات لغوية محررة على النمط الحديث فى العرض والترتيب. 


أريد أن أتجاوز الحديث عن المراحل المبكرة الأولى للمعجم التاريخى للغة العربية الذى تعود فكرته إلى المستشرق الألمانى فيشر، الذى كان يؤمل فى الفراغ منه خلال ست أو سبع سنوات، غير أن المنية عاجلته عام 1949م قبل إتمام عمله. وعلى الرغم من تخوُّف البعض من أعضاء المجمع المصرى من عدم إمكان تنفيذه وإنجازه، وتحوُّلِ المجمعِ إلى المعجم الكبير، فإذا مبادرة من مجمع اللغة العربية بدمشق لاتحاد المجامع اللغوية العربية عام 1439هـ/2007 تُجَدِّد الأمل

وأثمر هذا عن تكوين هيئة لمجلس المعجم التاريخى للغة العربية برئاسة الأستاذ الدكتور كمال محمد بشر، وقد عقد هذا المجلس اجتماعه الأول فى فبراير عام 2008م، واتحذ عددا من القرارات والتوصيات، ثم فى أكتوبر من العام نفسه عقد اجتماعه الثاني، وقد كان من أهم إيجابيات هذا الاجتماع الوصول إلى التكوين النهائى للمجلس العلمى لهيئة المعجم المنوط به قيادة هذا العمل الكبير، واختيار الأجهزة الإدارية، وتحديد المستلزمات الخاصة ببدء العمل.


وتوقف العمل فى المعجم التاريخى لمدة تسع سنوات (2008م- 2017م) إلى أن جاء التاسع من مايو 2017م وكان لقاء الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة والرئيس الأعلى لمجمع الشارقة مع اتحاد المجامع اللغوية العربية، فى مقر الاتحاد وقد خاطب الحضور، وذكر أنه افتتح مجمع الشارقة ليكون همزة الوصل بينه وبين الاتحاد، والمجامع اللغوية الأخرى، وكانت هذه بداية مرحلة التأسيس الحقيقى لأعمال المعجم التاريخى للغة العربية تحت مظلة اتحاد المجامع اللغوية العربية.


واتُّخِذَ عددٌ من الخطوات بعد هذا الاجتماع التاريخى للإعداد لبدء العمل فى إنجاز هذا المشروع الرائد، منها إعدادُ مصادر المعجم التاريخي، وتكوين عشرة فُرُق من مجامع اللغة العربية، ومن المراكز البحثية، ضم كل فريق عددا من المحررين والخبراء ومقررى اللجان، فضلا عن المقررين العامين، وقد رشح المجمع السودانى اثنين وخمسين محررا وخبيرا ومقررا؛ للمشاركة فى أعمال المعجم فى المرحلة الأولى، ونالوا التدريب المطلوب العلمى والتقني.


وانطلقت صافرة الشروع فى أعمال المعجم التاريخى فى الأول من يناير عام 2020م. وبفضل الله تعالى تمكن المجمع السودانى من خلال لجانه الأربع من أن يكون له سهم أصيل بين المجامع اللغوية العربية والمراكز التى انخرطت فى أعماله. وقد استطاعوا إنجاز مائتين وثلاثة وعشرين جذرا، ومراجعتها، من حروف الباء والتاء والجيم.

يضم الفريق المغربى خبراء وعلماء يمتلكون أدواتهم


وفى المرحلة الثانية التى بدأت فى الثالث والعشرين من ديسمبر عام 2020م أسهم المجمع السودانى بفريق عمل قوامه أربع لجان أيضا؛ تضم كل لجنة سبعة محررين وخبيرا، واستطاعوا حتى إعداد هذا المقال إنجاز أكثر من أربعمائة جذرٍ؛ حظيت بالمراجعة الدقيقة من خبراء اللجان ومن المقرر العام (شخصي). 


وبحمد الله تعالى توجت هذه الجهود التى اشتركت فيها عشرة مجامع ومراكز بحثية فى انسجام وتناغم بإطلاق النسخة التجريبية لثمانية الأجزاء الأولى من المعجم التاريخى فى نوفمبر 2020م التى تمثل جذور ثلاثة من الحروف الأولى للمعجم، وأنجز هذا العمل قسمةً بين اتحاد المجامع العربية فى وضع المنهج العلمى ومتابعته، ومجمع الشارقة الذى تكفل بالعمل التنفيذى، وتدريب المحررين، فضلا عن توفير المعينات التِقْنية، وإنجاز المعاملات المالية.


وفى الثانى من نوفمبر عام 2021م تم إطلاق سبعة عشر مجلدا من المعجم التاريخي، طُبِعت طباعة ورقية فخيمة، فضلا عن نسخة اليكترونية حدد لها الموقع الاليكتروني،almojam.org، وذلك فى احتفال كبير يليق بهذه المناسبة التاريخية، وقد تزامن مع النسخة الأربعين لمعرض الشارقة للكتاب، وقد شارك فى حضور الاحتفال رؤساءُ وممثلون للمجامع اللغوية العربية والمراكز البحثية.
صعوبات تغلب عليها فريق السودان


أتت هذه الصعوبات من طبيعة عمل المعجم التاريخى الذى تطلب إنجازه توفر منهج علمى مجرب، قائم على أسس مطردة، فضلا عن معينات إلكترونية متقدمة، وكادر مقتدر ذى خلفية لغوية راسخة، ومقدرة على التعامل مع الحاسوب الذى هو أداة العمل لإنجاز المعجم.


وحرص اتحاد المجامع اللغوية العربية، من خلال مجلسه العلمي، ولجنته العلمية، على وضع المنهج العلمى منذ عام 2018م، وأجرى عليه عددا من التعديلات، من خلال النشرات المتتابعة، إلى أن استقر المنهج فى الدليل العلمى المعدل الذى أرسل إلى الفرق العاملة فى المعجم عام 2021م، وأمكن وفقه مراجعة النسخة التجريبية التى تم إطلاق أجزائها الثمانية عام 2020م، وإنجاز المجلدات السبعة عشر التى تم إطلاقها فى الثانى من نوفمبر عام 2021م. وقد استطاع المحررون والخبراء فى لجان المعجم التاريخى بفريق السودان.

متابعة المنهج العلمى واستيعاب تعديلاته، وأمكنهم تنفيذ تفاصيله، وإنجاز أكثر من ستمائة جذر فى المرحلتين الأولى والثانية، تحريرًا ومراجعًة، فضلا عن الإسهام فى مراجعة عدد من الجذور من المجامع الأخرى التى أرسلت من الإدارة التنفيذية للمعجم التاريخي.


وفى الجانب المتصل بتدريب العاملين فى فريق السودان على استخدام المدونة الالكترونية، والمنصة، فقد حظى بعض أعضاء الفريق بدورة تدريبية فى تونس، وقد استطاع هؤلاء تدريب زملائهم بالخرطوم فى دورات متتابعة، كما أسهمت الإدارة التنفيذية بالشارقة فى عقد دورة تدريبية لبعض أعضاء لجان الفريق السودانى عبر وسائط التواصل الاجتماعي. وقد مكنت هذه الخطوات من إيجاد فريق سودانى معجمى مجيد للتعامل الحاسوبي، مستوعب للمنهج. وبذا استطاع التغلب على الصعوبات.


رئيس مجمع اللغة العربية السودانى

 

 

أقرا ايضا | د. محمد صافي المستغانمي يكتب: المعجم التاريخي مشروع يُؤرّخ لكل العصور