عندما قرأت ما كتبه الذين كتبوا عن عمر الشريف بعد وفاته وجدت أنهم لم يقولوا اكثر مما يعرفه الشخص العادي.. فكل ما كتب يدور حول حياته الشخصية مثل تاريخ ميلاده في عام ١٩٣٢ ونشأته في مدينة الاسكندرية وعمل ابيه وعلاقته بزواجه وطلاقه من فاتن حمامة وعمله في الخارج وكراهيته لعهد عبدالناصر حيث اتهم بمناصرة اسرائيل ثم عودته في عهدالسادات إلي مصر واقامته فيها في عهد حسني مبارك والثرثرة عن علاقاته النسائية المتعددة. وللأسف لم يكلف أحد ممن كتبوا خاطره أن يتحدث عن فن عمر الشريف من قريب أو بعيد.
كانت السينما المصرية تنتظر هذا النموذج من الممثلين فقد بدأ عمر الشريف عمله السينمائي في سن الثانية والعشرين كان يختلف كثيرا عن فتيان البطولة السينمائية في ذلك الوقت، فهو شاب حقيقي تستطيع أن تتخيله في أي كينونة فهو يتسم بالوسامة والجسد الممشوق والوجه المصري رغم أنه من أصول لبنانية ويمتلك عينين سوداوين قادرتين علي التعبير القوي خاصة التعبير السينمائي. لم يأت إلي السينما أو يقترب من هذا النموذج الساحر سوي محمود يس. ولم يتسلل القلق إلي عمر الشريف وذلك لأنه لم يخدع جمهوره ويؤدي دورا لايتناسب في مراحل عمره وربماكان هو النجم المصري الوحيد الذي ترك شعر رأسه يتلون مع الزمن ويغزو الشيب رأسه فلم يحاول مثل كل النجوم في السينما المصرية أن يصبغ شعره في الواقع وفي أدواره في السينما سوي في فيلم «المواطن مصري» في دور العمدة المتصابي المتزوج من امرأة تصغره ويعاني من ضعفه الجنسي.
من النادر جدا أن تجد بين نجوم السينما المصرية من لم يقدم في حياته الفنية أفلاما دون المستوي وربماالاستثناء الوحيد في ذلك يتعلق بثلاثة وهم زكي رستم ومحمود مرسي وعمر الشريف. فإن من يتأمل السيرة الفنية لهؤلاء الثلاثة يدرك مدي حرصهم علي العمل في أفلام بقيت في ذاكرتنا حتي الآن وقد تظل باقية أكثر من ذلك في تاريخ السينماالمصرية. أما بقية النجوم الكبار فإنهم للأسف قد قدموا فيما قدموا الكثير من الأفلام التي يندمون عليها ونندم نحن أيضا كلما شاهدناها.
قدم عمر الشريف للسينما المصرية خمسة وعشرين فيلما منذ أن كان في سن الثانية والعشرين من عمره حتي اقترب من سن الثمانين. هذا بالطبع إلي أنه ايضاقدجاوزهذا العدد من خلال عمله في السينما الامريكية والسينما الأوروبية، ونستطيع أن نقول أنه يكفيه العمل مع ستةمن كبار مخرجي السينمافي العالم في افلام رفيعة المستوي مثل «لورنس العرب» و«دكتور ريفاجو» من اخراج دافيدلين وفيلم ان تنظر إلي جواد شاحب. من اخراج فرد زينمان وفيلم «فتاة مرحة» من اخراج وليم وايلر وفيلم «الموعد» من اخراج سيدني لوميت وفيلم «مايرلنج» من اخراج تيرنس يونج وفيلم «الرولزرويس الصفراء» من اخراج فرانشيسكو روزي.
ومن حسن حظ عمر الشريف ايضا انه عمل في مصر مع افضل مخرجي السينما المصرية فقد بدأ بالعمل مع يوسف شاهين وهو مخرج دراسته أصلا في فن التمثيل في معهد باسادينافي امريكا فاستفاد منه عمر الشريف كثيرا بحيث استطاع الوقوف في فيلم «صراع في الوادي» امام ثلاثة من عمالقة السينما المصرية وهم فاتن حمامة وفريد شوقي وزكي رستم. فمن يشاهدهذا الفيلم الآن لايدرك أن عمر الشريف كان في بداية حياته بل انه يجيد التمثيل بتلقائية تحاكي الواقع بشكل افضل ممايجيده الآن الكثيرون من نجوم السينما المصرية. وينطبق هذا الكلام علي فيلمه الثاني «أيامنا الحلوة» الذي أخرجه حلمي حليم وهو مخرج يهتم كثيرا بتوصيل الأحاسيس بطل بساطة دون فذلكة. وكذلك في فيلم الثالث مع يوسف شاهين وهو في رأيي افضل اخراج لهذا المخرج خاصة من ناحية استغلاله للمكان في حركة الكاميرا حيث انعكست هذه التقنية العالية علي اداء عمر الشريف ومنحه التميز بعد ذلك والثقة في نفسه.
وقد أخرج له صلاح ابوسيف أحد مخرجي الواقعية أربعة أفلام قدمه فيها في شخصيات مختلفة تماما عن بعضها. وصلاح ابوسيف يهتم كثيرا بالسيناريو ويضع فيه كل ما يريد أن يفعله ويهتم كثيرا بالشخصيات ويهتم بمظهرها وبالتفاصيل حيث في النهاية يظهر الممثل علي الشاشة مختلفا كثيرا عما قام به من قبل مع مخرجين آخرين. فقدم عمر الشريف مع صلاح ابوسيف افلام «لا انام.. لوعة الحب.. بداية ونهاية. المواطن مصري» وكان المفروض أن يقوم ببطولة فيلم «لاتطفئ الشمس» الذي كان يشارك احمد رمزي في انتاجه لولا استدعاء دافيد لين له للعمل في فيلم «لورنس العرب» فاستعان صلاح ابوسيف بشكري سرحان الذي كان ابعد تماما عن الشخصية من ناحية السن والمظهر والأداء. وللحديث بقية.