نفر من أقدارنا اليها... لو كان المواطن المصري مجدي صبحي وضع تحت كلمة »‬ المصري » مليون خط وخط يعلم أنه علي موعد مع الموت وأسرته... هل كان يقدم علي رحلته الأخيرة إلي »‬الشقيقة»‬ ليبيا. أعتقد أن السؤال لا يستطيع أن يجيب عليه سوي الطبيب المصري نفسه... أمام مكتب الخطوط الجوية الليبية وسط عاصمة المعز – القاهرة – يصطف المئات من المصريين يومياً كل أملهم فقط »‬تذكرة» ذهاب وإن كانت بلا عودة إلي طرابس أو بنغازي... تعلو أصواتهم... يتعاركون... يشتبكون مع الأمن... بعضهم باع كل ما يملك... استدان من طوب الارض... البعض ترك وراءه »‬كوم لحم» كما يقولون مع وعود بالعودة بالاموال والسيارة. آخرون لم يزد حلمهم عن أربع جدران يحتمون بها من حر صيف يأبي أن يكون رحيماً عليهم... وشتاء إذا ما أتي نخر عظام أضعفتها انيميا ما عادت قادرة علي تحمل لفحة برد... بعضهم جل همه أن يستر بناته أو يساعد أبناءه علي التعفف بالزواج بمن ارتبط بها... آخرون سهروا الليالي... أمضوا الايام العجاف يقتاتون يوماً وأياماً ربما لا يتعاطون سوي الماء وبعض لقيمات يابسة... يضعون »‬القرش فوق القرش» حتي يضمنوا تعليماً لابنائهم... حتي يتغير الحال للأفضل... حتي لايذوق الابناء نفس مرارة العيش... ينتقلون بهم من مدرسة إلي أخري... أصبح الولد بطلوع الروح طبيباً... قادته أقداره التي لم تسعفه في بلده إلي الهجرة ناحية الشرق... بعدما أغلق الغرب أبوابه إلا من هجرة غير شرعية عادة لا يعود منها أبداً... لكنه عاد تلك المرة من هجرته »‬الشرعية» إلي الدولة الشقيقة داخل صندوق ومعه زوجته ولحقت بهما ابنته... البعض يقول قدر ومكتوب... البعض الآخر يردد ..أعمار... لكنه الفساد... المحسوبية التي دفعت كل من استطاع الهجرة أن يهاجر... ومن لم يستطع لجأ إلي المخدرات علها تغيبه... فساد من فوقه فساد، يكاد المرء لا يري بصيص أمل معه... عقود تتلوها عقود من الفساد حتي اعتقدنا معه أنه لا موطن له إلاهاهنا... بداية من عصر الذي علمنا الكرامة مروراً بعصر »‬الانفتاح» السبهللي وصولاً إلي »‬المخلوع » الذي منهج الفساد.