«107 أمهات» .. أمومة وراء القضبان

«107 أمهات».. أمومة وراء القضبان
«107 أمهات».. أمومة وراء القضبان

كتبت :ندى البدوى

لا شىء يُشبه أن يولد طفلٌ داخل أسوار سجن، لن تجد أما تتمنى ألا يكبر رضيعها أبدًا إلا هُنا، فبلوغ الطفل عامه الثالث يعنى انتزاعه منها ليواجه الحياة فى الخارج.

ببراعة بالغة يرصد المخرج السلوفاكى بيتر كيريكس أحوال نزيلات سجن «الأوديسا»، فى فيلمه «107 أمهات» الذى حصد جائزة أفضل فيلم ضمن جوائز النقاد العرب للأفلام الأوروبية، بمهرجان القاهرة السينمائى الدولي، الفيلم الذى تدور أحداثه داخل السجن الواقع جنوب أوكرانيا مستوحى من قصص حقيقية للسجينات، وهو الفيلم الروائى الأول لكيريكس بعد عدد من الأفلام الوثائقية التى فازت بالعديد من الجوائز الدولية، حيث يمزج فى طريقة سرده للأحداث بين الأسلوب الروائى والوثائقي.


يبدأ الفيلم بمشهد ولادة قاسٍ، يسير خط الزمن بوضع ليزا لرضيعها وحتى إتمامه عامه الثالث، الشخصية المحورية فى الفيلم تجسدها الممثلة مارينا كليموفا. داخل عنابر الوضع والرضاعة ورعاية الأطفال، تدور حياة كاملة لأمهاتٍ يحملن أحلامًا مبتورة لصغارهن، يرصد المخرج بلغة سينمائية شعرية انفعالاتهن وصراع الأمومة والوحدة والقلق، لا شيء ينجح فى رسم ابتسامة على وجه ليزا الشاحب غير الوقت الذى تمضيه مع طفلها، يتعالى الصراخ الجماعى للأطفال قبل أن يلقمن أثداء أمهاتهن ساعة الرضاعة.


فى مكتب الضابط «إيرينا» تروى السجينات حكاياتهن، لا يبدو استجوابًا قدر ما هو حوار إنسانى حميم..

«أتحلمين بالأمر، بجريمتك؟.. أنا أحلمُ كل يوم، أدخل وأضبطهما وأهرعُ إلى المطبخ، لا أفهم لماذا سكاكين، وليست سكيناً واحدة، قتلتها» الغيرة والغضب العاملان المشتركان وراء الجرائم التى ارتكبنها، أغلب سجينات الأوديسا قتلن أزواجهن أو عشاقهن.

تبدد الخلفية الرمادية بياض الثلوج المتساقطة التى تغطى الطرقات الخارجية للسجن، بوسعك أن تشعر بالوحشة والبرودة مع إيقاع المشاهد البطيء..


ينقلنا الفيلم فى المقابل إلى عالم إيرينا التى تمضى أوقاتًا طويلة فى قراءة الرسائل الواردة للسجينات لتؤنس وحدتها، تُبدى تعاطفًا كبيرًا معهن، بصورة لا تبدو معتادة لموقعها كمسئولة فى السجن.

ينجح السيناريو المحكم فى سبر أغوار ما تختزنه السجينات فى دواخلهن.. كيف نكتب خطابًا إلى ميت؟.. يتساءلن فى غرفة الدرس، بعدما طلبت منهن إيرينا الكتابة ليُسقطن الثِقل عن قلوبهن. «لا أشعرُ بالزمن هنا، تدرك فجأة أن أسبوعًا أو شهرًا مر هكذا، طفلك يكبر، يحمل ملامحك ويعبس مثلك تمامًا، لو تعرف فقط كم مرة قتلتك فى خيالي، وكم مرة حزنت عليك، أطلبُ منك أن تُسامحنى ولا أستطيع أن أطلب شيئًا آخر»، يجرى قلم ليزا كأنما تريد أن تتحرر من ذنبٍ قديم.


ثلاث سنواتٍ تمر ليكبر «كوليا» طفلها، شمس الصيف الناصعة تُضفى دفئًا لتبدو المشاهد أكثر إشراقًا، تُطفئ ليزا معه ثلاث شمعات على الكعكة التى صنعتها لها صديقتها بمطبخ السجن. داخل حجرة الزيارة تستجدى ليزا والدتها لتوافق على رعاية الصغير حتى تنهى مدة عقوبتها بدلاً من إيداعه أحد الملاجئ، ببراعة تجسد مشاعر الخوف والترقب لمصيره، إلا أنها تُقابل بالخذلان، لتبدأ رحلة للبحث عمن يرعى طفلها.

إقرأ أيضاً|«107 أمهات» يحصل على جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو بمهرجان القاهرة