رغم حبي الشديد لفاتن حمامة..إلا أنني تسببت في إغضابها، ورغم إنني تلقيت منها عتابا رقيقا هادئا..إلا أن عتابي لنفسي كان قاسيا ومؤلما. كان اليوم 8 يولية 2013..مصر تموج بالأحداث وتشهد مرحلة تغيير حاسمة بعد عام عصيب عاشه المصريون..ووسط زحام حواراتي مع السياسيين والحزبيين..لا أعرف لماذا تذكرتها..وفكرت في حوار تليفوني سريع معها. ولحسن حظي فوجئت بها ترحب بالحوار المفاجئ..رغم حرصها المعروف علي عدم اجراء أي حوارات دون ترتيب.. قالت لي: »‬أنا سعيدة بشباب مصر اللي بدأوا ياخدوا دور حقيقي علي الساحة السياسية..شباب يفرح..فاهم وواعي.. من حقه يتحمل مسئولية مصر اللي بنحلم بها» وأضافت ضاحكة : أما بأشوف »‬العواجيز» بيتكلموا.. بيبقي نفسي أقول لهم.. اسكتوا انتوا وسيبوا الشباب الجميل ده يأخذ فرصته.. وعن عودتها للعمل قالت: ما أحبش حد يسألني عن الشغل..أنا اشتغلت وتعبت كتير..والآن استمتع بالنوم وقتما أحب والاستيقاظ وقتما أحب، لكن لو فيه دور يفتح النفس أنا جاهزة..بس أتمني يكون لايت كوميدي.. لأن الناس محتاجاه. .. حوار ممتع طويل نشر في اليوم التالي بالصفحة الأولي.. واخترت له عنوانا رأيته جذابا :(مبهورة بالشباب.. وبأقول للعواجيز »‬اسكتوا») كانت سعادتي كبيرة بالحوار فأسرعت بالاتصال بها لمعرفة رأيها.. وفي لحظة واحدة تحولت سعادتي إلي صدمة.. وفوجئت بعتابها الرقيق الذي لايزال يؤلمني كلما تذكرته.. ليس غضبا منها.. بل من نفسي. قالت لي فاتن: »‬مانكرش إنك التزمت بكل ما قلته.. لكن ضايقتني جدا كلمة »‬العواجيز»..وحسيت كأني بأسخر من كبار السن..رغم إني عجوزة زيهم» بذلت جهدا كبيرا في التبريروالإقناع والاعتذار..وأظهرت لي اقتناعها وابتسمت..لكني شخصيا لم أسامح نفسي!!. وأري أنه حقا علي بعد رحيلها أن أكشف معدن فنانة نادرة حرصت طوال حياتها علي علاقتها بجمهورها. هذه هي فاتن حمامة..فنانة قديرة..ملتزمة في فنها وحياتها..تصريحاتها محسوبة..لا تغضب أحدا.. ولا تزج باسمها في أي صراعات أو شائعات..وحريصة منذ صغرها علي صورتها وسمعتها أمام جماهيرها..و فوق كل ذلك هي أيضا انسانة جميلة رقيقة..لم تغير السنوات صوتها الهادئ وابتسامتها الطفولية الساحرة..واستحقت عن جدارة الفوز والاحتفاظ بلقب سيدة الشاشة العربية لأكثر من خمسين عاما. الغريب..أن أقوي مشهد عرفه جمهور فاتن حمامة..لم يكن من أفلامها..ولم تكن هي بطلته..بل كان بطله الطبيب القدير والزوج المحب محمد عبد الوهاب..شريك العمر..كان مشهده البليغ وهو يحتضن نعشها..ويبكيها في هدوء..مودعا سنوات الصحبة الجميلة..لزوجة وفنانة وانسانة نادرة.