4 باحثين اجتماعيين اقتحموا مملكة العفاريت

سر إقبال النساء على «حفلات الزار»

حفلات الزار
حفلات الزار

أحمد‭ ‬الجمَّال

أربعة من الباحثين الاجتماعيين، اقتحموا مملكة العفاريت وتجولوا فيها شهراً كاملاً، لإعداد بحث اجتماعى عن االزارب وعن المملكة الرهيبة وضحاياها الذين تركبهم العفاريت، وتدخل إلى أجسامهم لتسكن فيها، وتصيبهم بمختلف الأمراض.. وعن البشر الذين يعيشون فى أطراف هذه المملكة، ليطلقوا البخور ويوقدوا الشموع البيضاء والحمراء والزرقاء ويقيموا حفلات الزار ليتحكموا فى أهلها ويخرجوهم من أجسام الضحايا.

لقد دخلوا إلى عشرات المنازل فى مناطق االإمام الشافعى وسيدنا الحسين والسيدة زينبب، وتحدثوا إلى رجال لهم أسماء النساء كالشيخ زاهية، ونساء لهن أسماء الرجال كالشيخة غريب.

ووجدوا أن مملكة العفاريت تنقسم إلى مقاطعات يعيش فى كل واحدة منها أمير مستقل له حاشيته وأتباعه وتقاليده وأوامره، وله أنواع خاصة من الأناشيد والمأكولات، فالمقاطعة التى يسكنها سلطان الجن الأحمر يلبس كل أهلها الملابس الحمراء والسيدات فيها يضعن على رءوسهن الطُرح الحمراء، والشموع المشتعلة فى أنحاء المقاطعة كلها لونها أحمر، ومقاطعة السلطان العربى يلبس أهلها العباءات البيضاء والكوفية والعقال ويمسكون الدروع والسيوف، والشموع التى تحيط بها كلها بيضاء.

وسلطان الدير يحتم على رعاياه أن يلبسوا ملابس القساوسة، العباءة السوداء والحزام الأسود والقبعة العالية، وأن يمسكوا بأيديهم الشموع البيضاء المرسوم عليها الصليب المذهّب.

وفى مملكة العفاريت مقاطعة يسكنها خليط من الصعاليك وأولاد البلد والأتراك ولكن هذه تنقسم إلى أحياء، أبو دنفة يحكم حى أولاد البلد، والصعيدى يحكم حى الصعايدة، وبلورة بك وأخته راكوشة يحكمان حى الأتراك، وهما مثل كل الأتراك يتمتعان بالمنظرة الفارغة ويحبان الروائح العطرية والعرائس المزركشة وركوب الخيل.

طلبات الأسياد

والسيدة التى يجد واحد من أهل مملكة العفاريت راحته فى ركوبها وسكن جسمها، تشعر بالضيق والصداع والرعشة والثورة لأتفه الأسباب، وكل الآلام التى يسميها الأطباء أمراضاً عصبية وتعتقد هى أو يعتقد الجهل المسيطر على رأسها أنه ليس هناك طبيب واحد يستطيع شفاءها إلا لمسة من الشيخ مهنى ورقصة على دقات الشيخ غريب، وتخطيه فوق بخور الشيخ محمد أبو ملكوف، فتذهب إلى واحد من هؤلاء ويقول لها: اهات منديلكب، ويقرأ فى المنديل طلبات الأسياد وهى تختلف باختلاف نوع العفريت، فإن كان من الجزيرة العربية طلب جملاً تركبه السيدة االملموسةب، بعد أن تلبس العباءة البيضاء والعقال الأبيض، وتمسك بيدها الدرع والسيف وتدور بهما حول الكرسى الموضوع فوقه البندق والفطير والمِلبّس الملوّن والبلح والخروب.

وكلما ارتفع المستوى الاجتماعى والمادى لصاحبة الزار، ارتفع مستوى الأصناف التى توضع فوق الكرسى، وقد يصل ثمنها إلى مئات الجنيهات، وإذا كان العفريت تركياً من أبناء بلورة بك أو شقيقته راكوشة طلب حصاناً ومسدساً وعشرات من زجاجات الروائح العطرية التى تنثر على المعازيم فى حفلة الزار التى  تقام له، ومن غير هذا لا يهدأ ولا يستكين، والعفريت الصعيدى يهوى الفراخ، وأبو دنفة زعيم أولاد البلد يحب الخراف، أما سلطان الجن الأحمر فإن طلباته تختلف باختلاف الظروف من بط إلى حمام إلى ماعز، وأحياناً تصل إلى العجول والأبقار.

ويقول الأطباء النفسيون إن كل المريضات بالعفاريت والزار يعانين نوعاً من الكبت الجنسى، ولذلك فإن مشايخ الزار من الرجال أسعد كثيراً من الشيخات وهم الذين يبنون العمارات وتذهب إليهم الهدايا وتنهال عليهم الطلبات لإحياء الحفلات فى ميدان الأزهار وجاردن سيتى والزمالك ومصر الجديدة، وتذهب السيدات فى السيارات الفاخرة كل أسبوع لحضور جلسة البخور فى بيوتهن، وفى نفس الوقت تعانى شيخات الزار الفقر كلما ازداد وعى الطبقات المتوسطة التى تؤمن بالزار كعلاج.

أسباب أخرى

وتضيف الحاجة نور البدوية سبباً آخر، وهو أن سيدات الطبقة الراقية يحببن التقاليع وممارسة كل أنواع الرقص المختلفة، والزار بالنسبة إليهن إحدى هذه التقاليع، ولكن بنت البلد تعتقد أن شفاءها فعلاً فى البخور والزار والفداء، ولذلك فهى تحرِّم على الشيخة أن تأخذ شيئاً من الذبائح، وتوزعها بنفسها على الفقراء كفدية لمرضها، وتعطى الشيخة رطل بُن أخضر ورطل صابون نابلسى ورطل حنة ورأساً من السكر.

وشيء آخر يدفع بنات البلد إلى حفلات الزار، وهو أن هذه الحفلات هى الوحيدة التى يسمح أزواجهن بحضورها، وهى الوحيدة التى يمكنها أن ترقص فيها من غير أن تهتز شوارب الزوج وتثور أعصابه، ومع هذا فإن أى سيدة تستطيع أن تحضر حفلة زار ترقص فيها وتخطو فوق المبخرة فى نظير قرش واحد تدفعه للشيخة.

(اآخرساعةب 6 أبريل 1955)