أيام «الطالبية»

أيام «الطالبية»
أيام «الطالبية»

 يكتب : د. محمود عطية

فى أحدث روايات الأديب عادل سعد يتخذ من إحدى عشوائيات حى الطالبية -حيث استوطن هناك النازحون من بقاع متعددة من مصر- مسرحا لروايته، احتلوا  المنطقة بلا تخطيط عمرانى وبلا خدمات بنية أساسية،  فتتشكل سلوكياتهم لتصبح صورة من تلك العشوائية، وبلغة شاعرية منتقاة متمكنة يرسم ملامح شخصياته وحيواتهم، يفتتح رواياته بإحدى التمنيات لأحدهم -بصوت الراوى- ربما كان أحد سكان تلك العشوائية.. «حلمت كثيراً بأن تعيش هناك حيث لا أحد تبرز من فمه أسنان سوداء سيئة، وكل شخص لديه مرحاض، أطفالك تلتصق بطونهم بعظام ظهورهم ويطل رأسك من كفن، وامرأتك يتدلى ثدياها الخاويان من الجلباب، وكل أمر زائل».. يغوص الروائى فى أعماق شخصياته ويتنقل بينها، وفى أزمنتها بسلاسة ليقدم حيثيات الشروخ التى نخرت جدران الشخصية

لتهدمها وتحاول رجرجة المجتمع معها.. وتلتقط الرواية العديد من الشخصيات.. فنلتقى «نادية» التى تصحو فجرا لتكنس الأرض، وتغسل كباش الفول بالماء الساخن، وتقف تتلقى القروش، وترتب طلبات الشراء ليتفرغ أخوها عوض لغرف الفول بالكباش فى صحون أهل المنطقة، «زينات» التى عرضت عليها أم أيمن سيدة الأعمال العمل فى شقتها الغارقة بالبنات من كل لون كانت ستجلس كامرأة فى منتصف العمر ناضجة هادئة لتكتمل الأصناف الليلة بـ100 جنيه للحضور فقط، يومها قررت ان تخبر زوجها فتحى المسجون بطلب الطلاق.. لم يطلب فتحى المزيد فى أفغانستان.. لكن القليل بدأ يتناقص.. انهزم الروس وجاء الأمريكان أخبره بعض الرفاق أن الروس ملاحدة، وأن الأمريكان أهل كتاب، تذكر إسرائيل بنت أمريكا وزاغت فى عينيه الدنيا، وانقسم المجاهدون.. واندلع بينهم قتال عند كل مسجد، وبدأت حرب المساجد ورجع إلى مصر بلا نصر أو شهادة، والعديد من الشخصيات الأخرى.. «المجرى» الذى يحاصر «زينات» حتى السلم وكان مخمورا محاولا اغتصابها، والنائب «الحوت» السكير الذى يغتصب «زينات» أيضا..!!     وتمتد العشوائية إلى الجامعة «التى يستشرى فيها تيار آخر يبنى مساجد وزوايا ويعقد اجتماعات.. يطلقون اللحى ويسدلون الصديريات القصيرة.. ويتجمعون فى دوائر مغلقة..»، ووسط تلك الحارات العشوائية يلتقط صورة أسرة مسيحية وأخرى مسلمة قاومتا كل ذلك، الأسرتان بلا سند دفعتهما الظروف إلى العيش داخل تلك العشوائية، الأسرتان رغم كل المعوقات تقاومان الحياة معا، وتتعاونان لإنشاء حضانة لتعليم الصغار وسط كل هذه الأحراش، فتكون سببا فى إنقاذ الأسرتين، وتسير بنا الرواية من عشوائيات المكان إلى عشوائيات التدين الشكلانى، والجهاد الأعمى إلى عشوائيات الجامعة واختراق الجماعات المتأسلمة.

أقرا ايضا | ضبط مقلب عشوائى «تشوينة رمل وزلط» بطريق مصيف رأس غارب