عمر العقاد .. مصري يفوز بأكبر جائزة أدبية في كندا

عمر العقاد مصري :  يفوز بأكبر جائزة أدبية في كندا
عمر العقاد مصري : يفوز بأكبر جائزة أدبية في كندا

فاز الكاتب المصرى الكندى عمر العقاد بجائزة سكوتيابنك جيللر المرموقة لعام 2021 عن رواية «جنة غريبة»، بحسب ما أعلنت لجنة تحكيم الجائزة فى بيان لها نُشر خلال الأيام القليلة الماضية. ترصد الرواية أزمة اللاجئين العالمية بعيون طفل، وتدور حول أمير، 9 سنوات، الناجى الوحيد من حادثة تحطُم سفينة لاجئين بقرب جزيرةٍ يونانية. يتتبع السرد علاقة أمير وفانا، مراهقة من أهل الجزيرة تدافع عنه، فصارا طفلين عالقين معًا بسبب أزمة عالمية.


جاء فى بيان لجنة التحكيم عن الرواية أنه «وسط حالة الغضب والارتباك التى تحيط بأزمة اللاجئين العالمية، يرسم عمر العقاد فى جنة غريبة صورة تهجير وانتماء هش ولا يتزعزع فى آن. وتثير الرواية تساؤلات حول اللا مبالاة والعجز، كما تقدم فى النهاية، أدلة حول إمكانية التواصل والتعاطف فى عالم منقسم».


تعتبر جائزة جيلر من أعرق الجوائز الأدبية الكندية، وتبلغ قيمتها 100 ألف دولار كندى وتُمنح لمؤلف أفضل رواية أو مجموعة قصص كندية تنشر بالإنجليزية. ومن بين الفائزين السابقين بالجائزة مارجريت أتوود وموردخاى ريتشلر وأليس مونرو.


فى مقال لها نشر فى جلوب آند ميل، كتبت مارشا ليدرمان: «للأدب قدرة هائلة على نقل الحقيقة. يمكنك قراءة حقائق ومعلومات عن الأحداث الجارية، لكن القصة المُتخيَلة قد تُمرِرُ تلك الأحداث بعمقٍ تحت جلدك وتلمس بها روحك. هذا ما تفعله رواية عمر العقاد الجديدة «جنة غريبة».


من يقرأ مقالات إخبارية عن أزمة المهاجرين يعرف بالطبع الكثير من الحقائق. يعرف الجميع الظروف الرهيبة للمهاجرين على متن القوارب، والمخاطر الهائلة للعبور السري، واليأس العميق الذى يدفع الناس إلى المقامرة على الحياة والموت، ونسبة الوفيات الكبيرة بين المهاجرين. تقدم رواية العقاد القضية من منظورٍ مختلف حتى للقارئ المطلع، كما فعلَت روايته الأولى «حرب أمريكية». فى الوقت ذاته، تأثرت الرواية بعمله السابق كصحفى واطلاعه على كثير من المعلومات.


يقول العقاد، 39 عامًا، المقيم فى بورتلاند بولاية أوريغون الكندية: «أعتقد أن التجارب والذكريات المتبقية من سنواتى العشر فى العمل الصحفى ستترك أثرها واضحًا على أعمالى الأدبية».


ويضيف: «تلك السنوات العشر فى ذا جلوب آند ميل كانت تعليمية. حظيتُ بفرصة لمتابعة الأحداث عن كثب. وهذا لا يعنى أننى فهمت الأمور على حقيقتها أو أن لدى أى حق فى كتابة الأدب بناءً على ما كنت أكتب عنه فى الصحافة. تلك السنوات شكلت تجربة تعلُم للكتابة لم أكن لأحظى بها دون العمل فى الصحافة».


تدور الرواية حول سفينة متهالكة، ركابها من بلاد إفريقيا والشرق الأوسط، يتجهون فى رحلة يائسة وخطيرة إلى جزيرة كوس اليونانية، سعيًا إلى الحرية. تُطرَح القصة فى فصول متناوبة بين «قبل وبعد». تصف فصول «قبل» حياة أمير البالغ تسع سنوات كلاجئ سوري، تستقر عائلته فى الإسكندرية بمصر، وما يحدث على متن القارب المنكوب. أما فصول «بعد»  فتقع أحداثها فى الجزيرة اليونانية حيث تنجرف جثث من كانوا على متن القارب. يبدو أن أمير هو الناجى الوحيد، تساعده فتاة محلية تبلغ خمسة عشر عامًا، اختار أجدادها الاسكندنافيون نوعًا مختلفًا من الهجرة إلى الجزيرة، إذ قاموا بشراء عقار هناك بعد تقاعدهم.


تستحضر الفقرات الافتتاحية شيئًا آخر فى ذهن العديد من القراء: صورة جثة الطفل آلان كُردى البالغ ثلاث سنوات، والذى كانت عائلته السورية تتجه أيضًا إلى كوس، آملين فى حياة أفضل بوصولهم إلى كندا فى نهاية المطاف. وتبدأ بفقرة: «الطفل يرقد على الشاطئ، وجهه لأسفل وذراعاه مُمددتان. من بعيد، يبدو كأنه يحاول الطيران».


ذكر العقاد أن صورة كردى كانت محفورة فى ذهنه وهو يؤلف هذا الكتاب، بالإضافة إلى صورة أوسكار ألبرتو مارتينيث راميريث وابنته فاليريا البالغة من العمر عامين، اللذان غرقا معًا فى نهر ريو جراندى أثناء محاولة العبور من المكسيك إلى الولايات المتحدة فى عام 2019.


لم تكن الصور وحدها هى التى حفزت العقاد، بل ما حدث وما لم يحدث بعد ذلك.
«أثارت تلك الصور غضبًا هائلاً لفترة قصيرة جدًا. فى النهاية، انتقل الناس إلى أمورٍ أخرى تثير غضبهم. هذا الشعور المؤقت والغضب سريع الزوال والنسيان الفورى هو ما أرفضه بكتابتى أكثر من أى شيء. كان دافعى الأول لكتابة الرواية هذا الامتياز الذى يتيح لك أن تغضب من الظلم ثم تتجاوز الأمر وتمضى قُدمًا على الفور»، يقول العقاد.

 


بدأ العقاد كتابة الرواية فى الأيام الأولى لرئاسة دونالد ترامب، متأثرًا بأزمة اللاجئين على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة كما استدعت فى ذهنه بالطبع أزمة المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا عبر البحر المتوسط. إنها أسطورة أُعيدَ توظيفها، كما يصفُها العقاد: «أعدتُ تجسيد بيتر بان كطفل لاجئ معاصر».
ولد العقاد فى القاهرة ونشأ فى قطر، ثم انتقل إلى كندا مع أسرته وهو فى السادسة عشرة، واستقر فى مونتريال. يقول: «عِشتُ ضيفًا على أرضٍ غريبة منذ كنتُ فى الخامسة. وجدت لى وطنًا فى الأدب والخيال أكثر من أى مكان فى الواقع. إذ يمكننى تغيير معالم عالمى الذى ابتكره».
يدرك العقاد قوة الصحافة، وهو يتحدث عن قدرة الأدب على تحسين الواقع: «يمكنك تغيير العالم للأفضل بتقديم الحقائق. هذه رسالة بالغة الأهمية»، ويضيف: “إنها أحد الأشياء القليلة التى حملتها معى من مسيرتى الصحفية إلى مهنتى كروائي: الاعتقاد الراسخ بوجود احتمالية أن يتسبب عملك فى إحداث تغيير إيجابى ما فى العالم. لا أرى دوافع أخرى لفعل ما نفعله بخلاف ذلك. عليك أن تصدق أمرًا غير منطقى بالأساس، وهو: قدرتك على إحداث تغيير ما فى هذا الواقع عن طريق الابتعاد عنه. أحيانًا، يمثلُ هذا العارضة الوحيدة التى يستند عليها منزلًا فى غاية الهشاشة».
ذكر العقاد  أن الانضمام إلى ذا جلوب كان ثانى أفضل قرار اتخذه على الإطلاق، وأن أفضل قرار اتخذه حين أدرك أن الوقت قد حان للمغادَرة والتركيز على عمله كروائي.

 


روايته الأولى المنشورة، «حرب أمريكية»، كُتبت فى عطلات نهاية الأسبوع وفى منتصف الليل، بينما كان يعمل كصحفي. تدور أحداثها وسط الآثار الوحشية لتغير المناخ، إذ تندلع حرب أهلية أمريكية ثانية فى عام 2074. فازت حرب أمريكية بجوائز عدة، وكانت من بين الكتب الأكثر مبيعًا على مستوى العالم وتُرجمت إلى 13 لغة.


نشر «حرب أمريكية» الناشر المتميز ألفريد أ. كنوبف سونى ميهتا، الذى أهدى إليه العقاد «جنةٌ غريبة». كتب العقاد لـ ذا جلوب بعد وفاة ميهتا فى أواخر عام 2019، متذكرًا محادثته الأولى مع ميهتا حول «حرب أمريكية”؛ خلال خمس دقائق على الهاتف، عرف العقاد أن ميهتا أدرك تمامًا ما كان يحاول تقديمه له. قال ميهتا لـ العقاد: «تعتقد أنك تقرأ شيئًا ما، بينما أنت تقرأ شيئًا مختلفًا تمامًا».
ينطبق هذا الوصف أيضًا على «جنة غريبة» بأكثر من وجه. إنها مشوقة وأخاذة لدرجة أن رسالتها القاسية تبدو أصيلة وليست موجهة. يتلقى القارئ وجهات نظر جديدة؛ يواجه القارئ الغربى صاحب الامتيازات على وجه الخصوص.


يتذمرُ نزلاء الفندق فى الجزيرة اليونانية من أنهم لا يستطيعون استخدام الشاطئ بسبب حطام السفينة. الازدراء الذى يعامل به السائحون فى الإسكندرية صبيًا صغيرًا متجولًا يبيع تيشيرتات. علبة الحليب المجفف فى منزل أمير: وتأكيد جودة المنتج بمظهر الأطفال الغربيين على العبوة. العرض الذى قدمه والد أمير عن الوضع المشتعل فى سوريا: «لم تبدأ بالقنابل أو الرصاص أو الكتابات الثورية. بدأت بالقحط». قال لابنه: «لا تسمِ هذا صراعًا، لا يوجد صراع. هناك عَوز، هناك فقر».

 


فى النهاية يختتم عمر: «لا يمكننى الاحتفال بهذه الكتب. أريد أن أعيش فى عالم لا أحتاج فيه للكتابة عما أكتب. العالم مكان يصعب العيش فيه ككاتب ولا أعرف إلى متى يمكننى الاستمرار هكذا، أو إذا كان ما أقدمه ذا قيمة كافية أو يمكن أن يغير الأوضاع التى أقلق بشأنها. هذه كلها أسئلة مفتوحة بالنسبة لى».

 

أقرا ايضا  |«فن كتابة القصة القصيرة» ورشة أدبية في الدقهلية