حسين القباحى يكتب: واقتربوا قليلا أيها الماشون كى تلِجوا

حسين القباحى يكتب : وأقتربوا قليلا أيها المارشون كى تلِجوا
حسين القباحى يكتب : وأقتربوا قليلا أيها المارشون كى تلِجوا

فى السنوات الأولى من عمر الشاعر والخطوات الوَجلى و القدمان تسيران الخطوات الأولى نحو الأفق المفتوح زمانًا ومكانًا والأسئلة الكبرى تتكور فى عينيه الواقعتين صباح مساء على النقش الحجرى المرئى على واجهة المعبد من شباك الفصل أو حين يفر إلى ساحات المعبد ليمارس ألعاب صباه مع الأقران أو يهرب من حصص الجبر أو الكيمياء القاتمة المعنى ليجاور تمثال الكبش المتروك بلا رأسٍ أو قدمين ويبحث فى رأسٍ مثقلةٍ بالأخيلة عن المعنى والجدوى  ماذا لو قام التمثال ليلعب معنا كرة القدم أو الحَجَلَةِ أو يمشى فى مولد سيدنا ( أبو الحجاج) ويأكل ما نأكلُ يشرب ما نشرب نحكى أو يحكى فيقص علينا ما كان وما مر عليه من الأحداث وما تركته الأيام على الجسد المنهك وما ينوى أن يفعل فى زمنٍ آتٍ ..هذا الكبش بلا رأسٍ أو قدمين والثانيُ دون ذراع والثالث مكسور الظهر ماذا فعلوا ليكون عقاب الواحد منهم بتر ذراع أو كسر الرأس و تكسيح الظهر ..

هنا والناس ما كانوا وما كانت الأرض حبلى بغير الماء والطين وما أشرقت شمس إلا على أحراش أو صحراء أو وديان خاوية 
و فوضى لا تغيب... 

 


نسمع كنا أن الفرعون قويٌ جدًا ومخيف و يفرض سطوته ويعاقب من يعصى أمرًا أو حتى يتململ أو يبدى رأيًا فى وجه الكاهن والجند ولا يحسن قول الأدعية وترتيل الدعوات بطول العمر لسيده لكن أن  يقطع رأس العاصى ويكسر ظهر البسطاء وإن يقطع آذان الناس كنا نفهمها أن الكهنة أصحاب الرأى وحراس التفكير أبواق الحكمة هم فقط القوَّالون الحكماء المسموع كلامهم وفلا يسمع باقى الناس كلامًا آخر ..كانت أسئلة شتى تقتحم الرأس المملوءة بالقيم المغلوطة والأفكار الناشزة وتفسيرات مبهمة لا تكشف شيئا حقَّا أو تفتح أبوابًا لهدوء البال  
وعلى الطرف الآخر نطق الكبشُ المفتوح العينين ليكشف ما يخفى ويفك على مهل بعض خفايا ما يجهله الشاعر 
:  هنا والناس ما كانوا وما كانت الأرض حبلى بغير الماء والطين وما أشرقت شمس إلا على أحراش أو صحراء أو وديان خاوية و فوضى لا تغيب... 
هنا و الناس
وفى جهةٍ أخرى
تقف الأمم العزلاءَ تُعلِّقُ أسبابَ غُوايتِها
تقرأُ ما كتبوه على نِتَفِ الضوء
وترصدُ ما ألقاه الحمَّالون على كَتِفِ الليل وفى الطرقاتِ المعتمةِ وما اقتربَ من الغيْم ..
من آخرِ عزلَتِها تقبلُ أنهارٌ وحدائقُ و جبالٌ حافيةٌ تحتملُ الأسفارَ لتوقظَ ما يعجبُها من نخل..
جاءوا تتقدمُهم أضرحةٌ وبيوتٌ ومعابدُ وتوابيتُ ونُسَّاكٌ يبتهلون وأطفالٌ سُمْرٌ وحروفٌ فى ألواحِ الصلصال وحجر البازلتِ وحناجِرُ صارخةٌ وطبول..
لم يكترثوا للأيامِ تسابقُ ما عرفوا وتفلسفُ ما قامتْ حربٌ من نزقٍ أو من أهواء
هالهُمو أن تبحرَ أضواءُ فى دمِهم أو تخرجَ صحراءٌ من جيبِ غوايتها لتنام على طرفٍ يهتزُّ ويسخر من أولَ غازٍ يتساقطُ من شُرُفاتٍ و تخومٍ عابسةٍ وبلادٍ عاريةٍ و جبال ..وهنا يستريحُ العارفون أو يتوزَّعوا كيْ تعبرَ الأنواءُ دونَ خسارةٍ و يسجلَ التاريخُ ما ابتكروا من النصرِ الجليل ..كلٌّ يحاربُ ما يريدُ من الوساوسِ أو يصالحُ ضدَّه إن شاءَ يذهبُ أو يعود ويظلُّ أكثرُهم شغوفاً باحتساءِ الوقتِ موشوماً بما صنع الرواةُ مع الحكايا غيرَ أن حجارةً تبقى لتحكى والقرى العزلاءُ تبقى والدعاءُ على الأكُفِّ وفى الحناجرِ والقلوب.


قد لا يعودُ الميِّتون و يكون شيءٌ رائعٌ أن تفقدَ الأحزانُ سطوتَها وأن يتبادلَ الأحياءُ ما ورثوا وتَطرحَ  نخلةٌ فى لحظةٍ وتشيخ لو ينتهى بهم المطافُ إلى جداولِ بهجةٍ قاموا إلى مدنٍ تبعثرُهم وتهربُ من جديد..

 


كانوا فُرادَى حينما عرفوا حقيقةَ أنهم مَوتَى فأشرق نورهم وتلاطفوا لتطول رقدتهم على جبين الأرض يستدعون أيام القرى وطراوة الفيضان فى دمهم و حشرجة الفصول يبتسمون إن داست على أعناقهم فى قسوةٍ خطوات من عبروا السنين و لم يتنبهوا لأنينهم.


قد لا يكونُ لموتةٍ مرّتْ بهم معنىً غيرَ انشغالِ العارفين لِما بَدا من فجوةٍ مرَّوا بها ولم يتيقنوا إن كان وقتٌ واسعٌ أو بعضُ أسوارٍ تلاشتْ ثم عادت مُسرعة..
وهنا – ثانيةً - هتف المنسيُون المختبئون على قارعةِ الحُلمِ المختبئون على قارعةِ الحُلمِ وصاحَ العشَّاقون ولا أحدٌ كلَّمه مولاهُ سوى منْ أخفى خِيفَتَه واستخفى كى يبصرَ ويبوح..

 


 فلكلِّ رائحةٍ حديثٌ رائقٌ وظلالُ أغنيةٍ وبيتٌ هارب من ساكنيهٌ ولكلِّ وجهٍ غفلةٌ تمضى به نحوَ التمائمِ والقصور .. بياضٌ عندَ أقدامِ

الأحبة واشتغالٌ بائسٌ بما سيصيرُ أو على طرَفِ الحقيقةِ ثرثراتٌ فارغة ..ماذا ستمنحنا المعاولُ ؟
هل تبقى أشباهُ حروفٍ وخرائطُ و بناياتٌ فارهةٌ وحقولٌ فوقَ الجدرانِ الميْتَةِ وعلى ضفةِ صحراءٍ خاوية تحتشدُ الريحُ و تخبو الأضواء .. ثمةَ منْ يتدلَّى أو يدنو من صورٍ تاهتْ .. يكتمُ ضحكتَه و يناورُ ثمَّ على حاشيةٍ ينشرُها العشبُ وتُخفيها الأعينُ يغفو ويغيب .. وهل يستمع المارُّون إذا قمنا نحكى أو نصرخ أو حتى نتساءل عن جدوى بعثتنا من مرقدنا وهل يعرفنا الباعة والخفراء سيحترمون خطايانا و لا يمنعنا العسس من التجوال على سكك الليل و عربدةٍ نعشقها ونمارسها كنا أيام اللهو ونعرف أنّا فى الزمن الوعد وفى البلد الأعلى ..نحن الرانين إلى أفقٍ مفتوحٍ وبدايات من ألقٍ ومن نسل ملوك ..كم طالت رقدتنا هذى وكم بعدت صورٌ نعشقها وجدرانٌ حملت عنا ما قال الحكماء وما نقش الفنانون الخبراء وما ترك العلماء من الأسرارِ أو الحكمة تقبل جرافاتٌ وأناسٌ لا نعرف سيماهم أولاد وبنات عمالٌ بناؤون وأطياف شتى من شعبٍ أسمر وشعوبٌ شقراءُ وحمراءُ وصفراءُ .. صخبٌ وضجيجٌ أضواءُ وموسيقى تقلق رقدتنا ونرفض أن نتعرى أو نتكشف كى يفرح فينا من يفرح أو يسخر منا من يسخر هل نمنا هذى الأزمنة المُرَّة كى نصحو لنرى هذا العالم فى هذى الفوضى والقصص الهابطة و حروب دهاقنة المال على كل جميل أو هذا العبث الأممى و كورونا..


نحن الآتون من نتف الضوء وبهرجة الأعياد الأولى وتغاريد النيل على طمى الأرض السمراء ورائحة الريحان وألوان الحناء ومدن الحكمة هل تسكتنا الضوضاء وتخرسنا أصوات الشادين بألحان الشادين بأغانى السوقة والدهماء.   

   

أقرا ايضا | حسن عبد الموجود يكتب: رحلة إلى مدينة الأحلام    

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا