قراءة ثقافية لـ«شـعر المتنبي» في مصر

لجنة الاشراف والمناقشة
لجنة الاشراف والمناقشة

منى نور

شعر المتنبى فى مصر.. قراءة ثقافية، أطروحة حصلت عنها الباحثة هالة فرحان أحمد حسن، على درجة الماجستير (بتقدير ممتاز) فى قسم  اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة حلوان.
جاءت هذه الدراسة، كمحاولة لمقاربة ثقافية فى شعر المتنبى تنفذ من خلال النقد الثقافى لجوانب عديدة فى شعره فى مصر، فالمتنبى - كما عرفناه - شاعر ملء الدنيا بشعره، وجاء إلى مصر بدعوة من كافور الأخشيدى، فطمعه فى السلطة، جعلته بأتى إلى مصر مادحا كافور فى أول الأمر، ولكن بعد مماطلة كافور إياه ونكس عهده له، انقلب عليه هاجيا.
فكافور - بالنسبة للمتنبى - عبد حبشى أسود، ذميم، لا توجد مقارنة بينه  وبين سيف الدولة الذى مدحه، ولم يهجه، لأنه ملك عربى، والمتنبى يعشق العروبة والثقافة العربية مسيطرة عليه فى العزة والأنفة، وعدم الخضوع، وظهرت أيضا عن المتنبى ثقافة الفخر والاعتزاز بنفسه، فكان دائم الفخر بها.


وترى الباحثة أن شعر المتنبى فى مصر، أقل سقطعا من شعره فى حلب، لأن المتنبى، كان يقدر العلماء والمثقفين فى مصر، أكثر مما كان فى حلب، فلم يكن هناك مجلس عند كافور فقط، ولكن كانت، هناك مجالس كثيرة فى مصر السفلى، ومصر العليا، منها مجلس وزراء كافور وغيره، وكان المتنبى يحسب حساب هذا النشاط الفكرى الآن قصائده فى مصر، ستلقى النقد والدراسة والتحليل، مثل ما كان فى حلب أو أكثر، وظهر هذا فى لى شعره فى مصر، وظل المتنبى يراقب نفسه، مراقبة فنية، فلا ينشد شعره إلا بعد أن يخضعه إلى الامتحان والتمحيص، كان يقول الشعر فى حلب، مرتجلا فى المناسبات المختلفة، وعندما جاء إلى مصر لم يحتاج إلى ذلك، فلم تكن هناك مودة خالصة بين المتنبى وكافور، حتى يحتاج الشاعر أن يرتجل الشعر فى المناسبات الخاصة.

 

الباحثة من خلال عرض رسالتها


وتشير الباحثة إلى أن شعر المتنبى، يكاد يكون بريئا من اللغو والسخف، وأن الملامح الفنية والجمالية التى ظهرت فى شعر المتنبى فى مصر تجعله من أحسن أشعاره من الناحية الفنية، ويمكن القول بأن مستوى شعره فى سيف الدولة، إن لم يكن كله، أكثر روعة وجمالا، فقد تناول فيه موضوعات لم يتناولها عند سيف الدولة، لأنه كان مشغولا  بتحقيق طموحاته وأمجاده.


أما فى مصر فقد وقع فى قبضة الحزن واليأس، فماتت نفسه أو كادت تموت، فألف مقطوعات حارة عميقة، صور فيها أوجاعه النفسية، والجسدية، وكثرت فى قاموسه الشعرى تعبيرات كثيرة تصور الموت والفناء وانعدام الأمن والذل، الذى لقيه على يد كافور، وافتقاد الملجأ والسكن، وظهر إحساسه الحاد بالزمن، فيصور المأساة الوجودية التى حول كل شيء إلى خراب ودمار، وظهرت عنده فلسفة الحياة الحزينة وبرزت الحكمة فى تصوير تجربة الحياة المريرة التى عاشها فى مصر.


وأكدت الباحثة أن تجربة المتنبى - هذة أرض خصبة لمزيد من الحكم العملية الرفيعة، فقد علمته مرارة التجربة وقسوتها، دروسا جديدة، قاسية، وعمقت فى نفسه الإحساس، بأن لا أمان للبشر وأيدت نظريته، أن القوة والسيف، هما عماد الحياة، فها هو ذا يترك مصر فى ظلمة الليل، ولا يؤنسه سوى النجم.
ومن ناحية أخرى، قارن المتنبى كافور بصديقه القديم، سيف الدولة، وهناك فارق كبير بين الاثنين، فلما لم يمنحه كافور ما أراد، غادر مصر وشرع فى هجائه بعدة قصائد مشهورة، أصبحت بعد ذلك مضرب الأمثال فى مصر، بينما لم يهجُ سيف الدولة، واكتفى بالتعريض.


وتشير الباحثة فى دراستها إلى أنه بالرغم من الفلسفة الحزينة المتشائمة للشاعر، التى كانت عنده فى مصر، لم يستكن المتنبى للزمن ويعطى دروسا فى كيفية مقاومة شدة الأيام، وقسوتها، وبالرغم من التجارب المريرة التى مر بها المتنبى، فإن عزيمته لم تتحطم، ولم يتخل عن قوته ويلوح بقبضته فى وجه أعدى أعدائه، ويسخر من كافور، ويمزح فى شعره بين فن الفخر بنفسه وفن السخرية من كافور، ويستمد من حزنه وسخريته قوة معنوية كبيرة، يستعين بها على مواجهة صروف الدهر، وينهى هذا التفكير التشاؤمى لكى يستطيع أن يكمل حياته فى قوة.


وفى ختام دراستها توصلت الباحث إلى وجود مفارقة واضحة فى مديح المتنبى لكافور، حيث كان الظاهر هو المديح فى شعره، ولكن فى باطنه الهجاء، ومع ذلك فقد ظهر هجاؤه واضحا، ليس فيه مفارقة، وأنه لم يرث فى مصر سوى فاتك المعروف بالمجنون، ولم يفخر سوى بنفسه، وأنه قد ربط المديح بالغزل، ولم تكن ألفاظه فى الغزل فاحشة، وكانت كذلك فى الهجاء أيضا.


وأكدت فى نتائجها أن المتنبى، عندما جاء إلى مصر، جاء لغرض محدد هو أن ينال من كافور ما لم يعثر عليه عند سيف الدولة، وأن ينال كافور ما يثبت به لأصحابه أنه كان على حق عندما اتجه إلى مصر، وهو أن يوليه على صيدا إحدى الولايات التى كانت تابعة لكافور، ولكن كافور كان يفوقه ذكاء، لم يظفر منه بشيء سوى خيبة الأمل، فشرع فى هجائه وكان يصب هجاءه على الصفات الجسدية فقط، فيهجوه بالعبد الدميم الأسود ولم يتحدث عن ذكائه وفطنته وسياسته فى إدارة ملكه.


وألمحت فى نتائجها أن مصر تركت بصمتها فى المتنبى وشعره، فصقلت موهبته الناضجة، وألجأته إلى نفسه، حيث استخرج الشاعر منها الشعر الجيد الرائع فى الحكمة والفناء الذاتى، وكفلت له الحياة الهادئة فى أن يعرف فى شعره صفات أخرى كالسهولة والرقة والبساطة والجمال والإستواء واكتشف فيها - أيضا - قدرته غير المحدودة على الفكاهة والسخرية، والتعريض القاتل، والهجاء المقنع بالمدح، فأمتع الناس بفنه الجميل فى مصرياته التى تعد من أروع أشعاره.


وقد ظهرت ثقافة المتنبى العربية فى شعره فى مصر، فهو يفضل النساء البدويات بطبيعتهن على نساء الحضر بزينتهن، وأن الملك عنده لابد وأن يكون عربى الأصل، حر، كريم، لذلك رفض الخضوع إلى كافور فى أول الأمر، وفى النهاية هجاه بأقذع الألفاظ، كما ظهرت ثقافته الدينية والاجتماعية والسياسية فى شعره.

 

تقرير خاص بااخبار الادب 

 

أقرا ايضا | صور| «الأخبار» فى العراق بعد هزيمة «داعش» .. حكايات عن الفن والأمل بشارع المتنبى