كاتوللوس‭.. ‬شهيد‭ ‬الحب

كاتوللوس‭.. ‬شهيد‭ ‬الحب
كاتوللوس‭.. ‬شهيد‭ ‬الحب

حينما‭ ‬بدأت‭ ‬تلقي‭ ‬الشعر ‬بعدما‭ ‬انتقلت‭ ‬من‭ ‬الصف‭ ‬السادس‭ ‬الإبتدائي‭ ‬الأزهري‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬المرحلة‭ ‬الإعدادية ‬حيث‭ ‬التعمُّق‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬مواد‭ ‬متفرقة‭ ‬كالنحو‭ 

والصرف‭ ‬والبلاغة‭ ‬وغيرها‭ ‬ولتمكيننا‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬اللغة ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬نصوص‭ ‬شعرية‭ ‬ونثرية‭ ‬لتطبيق‭ ‬قواعد‭ ‬النحو‭ ‬والصرف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭. ‬مضت‭ ‬الأيام ‭‬وبالمثل‭ ‬حينما‭ ‬بدأت‭ ‬أدرس‭ ‬اللغات‭ ‬القديمة‭ ‬كان‭ ‬تطبيق‭ ‬القواعد‭ ‬النحوية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الأمثلة‭ ‬الشعرية ‬أو‭ ‬الجمل‭ ‬المأثورة،‭ ‬إما‭ ‬لشعراء،‭ ‬أو‭ ‬فلاسفة،‭ ‬أو‭ ‬لخطباء‭ ‬مفوهين‭. ‬أمثال‭ ‬كاتوللوس‭ ‬(Catullus)،‭ ‬أو‭ ‬شيشرون‭ ‬(Cicero)،‭ ‬أو‭ ‬أوفيد‭ ‬(Ovid) ‬أو‭ ‬سينيكا‭ ‬(Seneca)،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬فيرجيل‭ ‬(Virgil)‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جمل‭ ‬بسيطة‭ ‬نستطيع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ترجمتها‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬اللاتينية‭ ‬إلى‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ثم‭ ‬العربية،‭ ‬أو‭ ‬اليونانية‭ ‬القديمة‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بتطبيق‭ ‬القواعد‭ ‬النحوية‭ ‬وأيضاً‭ ‬فهم‭ ‬معاني‭ ‬الكلمات‭. ‬هنا‭ ‬قابلت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬كاتوللوس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نص‭ ‬نثري‭ ‬له‭ ‬يخاطب‭ ‬فيه‭ ‬محبوبته،‭ ‬قائلا:
Vale,‭ ‬puella!
Puellapoetam‭ ‬non‭ ‬amat‭. ‬Vale,‭ ‬puella!‭ ‬Catullus‭ ‬obdurate;‭ ‬puellaminvitam‭ ‬non‭ ‬rogat‭.‬
وداعاً،‭ ‬يا‭ ‬فتاة!
الفتاةُ‭ ‬لا‭ ‬تحبُّ‭ ‬الشاعرَ‭. ‬وداعاً،‭ ‬يا‭ ‬فتاة!‭ ‬كاتوللوس‭ ‬قوياً؛‭ ‬لا‭ ‬يطلبُ‭ ‬فتاةً‭ ‬غير‭ ‬راضيةٍ‭.‬
من‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬تستطيع‭ ‬لمس‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬نبرة‭ ‬الشاعر،‭  ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الكتاب‭ ‬أنه‭ ‬شاعر‭ ‬رومانسي‭ ‬أفنى‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬محبوبته‭ ‬«كلوديا»‭ ‬(Clodia)‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬بتعريفها‭ ‬دوماً‭ ‬بإسم‭ ‬«ليسبيا»‭ ‬(Lesbia)،‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬رأى‭ ‬وجهها‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬حينما‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬روما‭.‬يذكر‭ ‬لنا‭ ‬المؤرخ‭ ‬الروماني‭ ‬هيرونيموس‭ ‬(Hieronymus)‭  ‬في‭ ‬حولياته‭ ‬سنة‭ ‬ميلاد‭ ‬كاتوللوس‭ ‬بأنها‭ ‬عام‭ ‬87‭ ‬ق‭.‬م‭. ‬كما‭ ‬يحدد‭ ‬لنا‭ ‬توقيت‭ ‬وفاته‭ ‬بأنه‭ ‬عام‭ ‬57‭ ‬ق‭.‬م‭.‬

ولكن‭ ‬أخرج‭ ‬لنا‭ ‬الباحثون‭ ‬إشارات‭ ‬من‭ ‬أبيات‭ ‬كاتوللوس‭ ‬الشعرية‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬وقت‭ ‬العام‭ ‬55ق‭.‬م‭. ‬وبالتالي‭ ‬يرون‭ ‬بأن‭ ‬التاريخ‭ ‬الأنسب‭ ‬لوفاته‭ ‬هو‭ ‬عام‭ ‬54ق‭.‬م‭. ‬

وُلِدَ‭ ‬شاعرنا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬فيرونا‭ ‬الإيطالية‭ ‬الواقعه‭ ‬جنوب‭ ‬جبال‭ ‬الألب‭. ‬لأسرة‭ ‬ثرية‭ ‬مرموقة،‭ ‬وكان‭ ‬والده‭ ‬صديقاً‭ ‬شخصياً‭ ‬ليوليوس‭ ‬قيصر‭ ‬–‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬دوما‭ ‬وأحبّ‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬والد‭ ‬كاتوللوس‭ ‬كلما‭ ‬زار‭ ‬المنطقة‭. ‬ترجع‭ ‬أهمية‭ ‬كاتوللوس‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الرومانى‭ ‬أنه‭ ‬قاد‭ ‬فريق‭ ‬التجديد،‭ ‬محاولا‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬عباءة‭ ‬السلف‭ ‬وتقاليدهم‭ ‬الصارمة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقتضي‭ ‬دوماً‭ ‬التغني‭ ‬ببطولات‭ ‬القدماء،‭ ‬والأساطير،‭ ‬ومعجزات‭ ‬الآلهة‭. ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬هو‭ ‬ومجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العقول‭ ‬وأبرز‭ ‬الخطباء‭ ‬السياسيين‭ ‬الشبان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬أمثال؛‭ ‬ماركوس‭ ‬كاثيليوس‭ ‬(Marcus‭ ‬caeliua)‭

‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬الأشراف‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬شيوعياً‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ليثينيوس‭ ‬كالفس‭ ‬(LiciniusCalvus)‭ ‬الشاعر‭ ‬النابه‭ ‬والقانوني‭ ‬الضليع‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هلفيوس‭ ‬كينا‭ ‬(Helvius‭ ‬Cinna)‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬كاد‭ ‬الغوغاء‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬أنطونيوس‭ ‬أن‭ ‬يحسبونه‭ ‬أحد‭ ‬قتلة‭ ‬قيصر‭ ‬وينهالون‭ ‬عليه‭ ‬ضرباً‭ ‬حتى‭ ‬يلقى‭ ‬حتفه‭.‬كانوا‭ ‬يرون‭ ‬أه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬بزوغ‭ ‬فجر‭ ‬أوزان‭ ‬جديدة‭ ‬تتغنى‭ ‬بألفاظ‭ ‬عذبة‭ ‬تُلهب‭ ‬عواطف‭ ‬الشباب؛‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬كاليماخوس‭ ‬(Kallimachos)‭ ‬وصافو‭ ‬(Sapppho)‭ ‬شعراء‭ ‬الأسكندرية‭ ‬–‭ ‬اللذين‭ ‬نقل‭ ‬كاتوللوس‭ ‬بعض‭ ‬أشعارهم‭ ‬إلى‭ ‬اللاتينية‭. ‬جاعلين‭ ‬شعارهم‭ ‬«الفن‭ ‬للفن»‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬رؤيتهم‭ ‬للشعر‭ ‬جمالية‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭. ‬
نسنطيع‭ ‬القول‭ ‬بأريحية‭ ‬تامة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة التي‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬اسم‭ ‬الشعراء‭ ‬الجدد‭ ‬عليها،‭ ‬كانوا‭ ‬ناقمين‭ ‬على‭ ‬أوضاع‭ ‬عصرهم‭ ‬الملىء‭ ‬بالحروب‭ ‬

وكانوا‭ ‬يعارضون‭ ‬قيصر‭ ‬ويوجهون‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تسعفهم‭ ‬به‭ ‬عقولهم‭ ‬من‭ ‬نكات‭ ‬لاذعة،‭ ‬غير‭ ‬مدركين‭ ‬أن‭ ‬تمردهم‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الدرب‭ ‬الذى‭ ‬سار‭ ‬عليه‭ ‬سابقيهم،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬يعيشونها‭. ‬نادوا‭ ‬أيضا‭ ‬بقدسية‭ ‬الغرائز،‭ ‬وبراءة‭ ‬الشهوات،‭ ‬وعظمة‭ ‬التهتك،‭ ‬والانغماس‭ ‬فى‭ ‬الملذات‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأدباء‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬أدباء‭ ‬جيلهم‭ ‬المعاصرين‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬يليه:‭ ‬أمثال‭ ‬أوفيدOvid)،‭‬)وتيبولُّسTibullus)،‭‬) وبروبرتيوسPropertius)،‭‬) وحتى‭ ‬فرجيل‭ ‬الخجول‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬شبابه‭. ‬الذين‭ ‬جعلوا‭ ‬الشعريدور‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬إمرأة‭ ‬متزوجة،‭ ‬وغير‭ ‬
متزوجة‭ ‬تقدم‭ ‬لربات‭ ‬شعرهم‭ ‬حباً‭ ‬سهلاً‭ ‬عابراً‭. ‬
أحبّ‭ ‬كاتوللوس‭ ‬كلوديا‭ ‬أو‭ ‬ليسبيا‭ ‬(ليزبيا)‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يسميها‭ ‬في‭ ‬قصائده،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬رآها‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬حينما‭ ‬وصل‭ ‬روما‭ ‬في‭ ‬الثانية‭

‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬عمره‭. ‬حيث‭ ‬اعتاد‭ ‬حكام‭ ‬الولايات‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬اصطحاب‭ ‬أحد‭ ‬المؤلفين‭ ‬معهم،‭ ‬ولكن‭ ‬كايوس‭ ‬مميوسCaius‭ ‬Memmius)،‭‬) قرر‭ ‬أن‭ ‬يصطحب‭ ‬معه‭ ‬شاعراً‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬المنزلة‭ ‬والمكانة‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬يتنقل‭ ‬فى‭ ‬قصر‭ ‬قيصر‭ ‬كيفما‭ ‬شاء،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬هو‭ ‬كاتوللوس‭. ‬ فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬لقد‭ ‬درس‭ ‬كاتوللوس‭ ‬شعراء‭ ‬الأسكندرية‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬الهيللينستية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬شعراء‭ ‬أيونيا‭ ‬الأقدمين‭ ‬–‭ ‬فأتقن‭ ‬ما‭ ‬يمتاز‭ ‬به‭ ‬شعر‭ ‬كاليماخوس‭ ‬من‭ ‬عبارات‭ ‬سهلة‭ ‬وأوزان‭ ‬متعددة،‭ ‬وما‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬صافو‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وإتجاه‭ ‬مباشر‭ ‬نحو‭ ‬الغرض،‭ ‬وما‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬أرخلوكس‭ ‬من‭ ‬خمريات‭ ‬قوية،‭

‬وما‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬أناكريون‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬ونشوة‭ ‬–‭ ‬دراسة‭  ‬جعلت‭ ‬أحد‭ ‬الباحثين‭ ‬يتطرق‭ ‬إلى‭ ‬القول:‭ ‬بأنه‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬دراسة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشعراء؛‭ ‬فإنه‭ ‬يكفيك‭ ‬دراسة‭ ‬كاتوللوس‭ ‬الذي‭ ‬نقل‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬تلميذ‭ ‬لهم‭ ‬إلى‭ ‬منزلة‭ ‬متساوية‭ ‬معهم؛‭ ‬حيث‭ ‬قدّم‭ ‬كاتوللوس‭ ‬نهضة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬اللاتيني‭ ‬مماثلة‭ ‬لما‭ ‬فعله‭ ‬شيشرون‭ ‬في‭ ‬النثر‭ ‬اللاتيني‭. ‬هنا‭ ‬قابل‭ ‬محبوبته،‭ ‬

والتي‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يتخذ‭ ‬من‭ ‬عتبة‭ ‬دارها‭ ‬مقصداً،‭ ‬فقد‭ ‬سحرت‭ ‬أفئدة‭ ‬الجميع‭ ‬بحسنها‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬كاتوللوس،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدعوها‭ ‬«إلهته‭ ‬المتألقة‭ ‬ذات‭ ‬الخطوة‭ ‬الرشيقة»‭. ‬ولما‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬مريديها‬

لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يُضارب‭ ‬في‭ ‬ميدانها‭ ‬سوى‭ ‬بالشعر،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬سواه،‭ ‬فوضع‭ ‬تحت‭ ‬قدميها‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬اللاتينية‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬غنائية‭.  ‬حتى‭ ‬أنّه‭ ‬أصابته‭ ‬الغيرة‭ ‬من‭ ‬الطائر‭ ‬الذي‭ ‬تضمّه‭ ‬لصدرها‭ ‬فأنشد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قائلا:‭ ‬
أيها‭ ‬الطائر،‭ ‬يا‭ ‬بهجة‭ ‬حبيبتي
التي‭ ‬تلعب‭ ‬معك‭ ‬وتضمك‭ ‬إلى‭ ‬صدرها
والتي‭ ‬تمد‭ ‬لك‭ ‬سبابتها‭ ‬إذا‭ ‬طلبتها
وتغريك‭ ‬بأن‭ ‬تعضها‭ ‬عضة‭ ‬قوية
لست‭ ‬أدري‭ ‬أي‭ ‬دعابة‭ ‬لطيفة‭ ‬يلذ‭ ‬لحبيبتى‭ ‬الوضّاءة‭ ‬
أن‭ ‬تداعب‭ ‬بها‭ ‬أمنيتى‭.‬
صار‭ ‬الإفتتان‭ ‬بها‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬غير‭ ‬معروف‭ ‬مدتها،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكّد‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المدّة‭ ‬أنّه‭ ‬نسى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬حبّه‭ ‬وافتتانه‭ ‬بها‭. ‬حتى‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تخونه‭ ‬كما‭ ‬خانت‭ ‬زوجها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬معه،‭ ‬ورمت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬عاشق‭ ‬آخر،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬جنونه‭ ‬عبّر‭ ‬كاتوللوس‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬قائلاً‭ ‬أنّه‭ ‬تخيلها‭ ‬فى‭ ‬أحضان‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬عاشق‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭. ‬وعبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بقصيدة‭ ‬Amo‭ ‬Keats‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أن‭ ‬كاتوللوس‭ ‬دوماً‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬نفسه‭ ‬موضوع‭ ‬شعره‭ ‬–‭ ‬لذلك‭ ‬يمكنك‭ ‬دوماً‭ ‬تقفى‭ ‬آثاره‭ ‬

ومعرفة‭ ‬أحواله‭ ‬المتقلبة‭ ‬–‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الألفاظ‭ ‬البغيضة‭ ‬تلذذاً‭ ‬–‭ ‬معللاً‭ ‬ذلك‭ ‬بأنه‭ ‬يجذب‭ ‬انتباه‭ ‬المستمعين‭ ‬–‭ ‬كان‭ ‬أيضاً‭ ‬لديه‭ ‬نبل‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬خاص‭ ‬فى‭ ‬اختيار‭ ‬ألفاظ‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬الفرح؛‭ ‬مثلما‭ ‬أنشد‭ ‬في‭ ‬عُرس‭ ‬صديق‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬بأنه‭ ‬يحسده‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يتيحه‭ ‬له‭ ‬زواجه‭ ‬من‭ ‬صحبة‭ ‬طيبة‭ ‬صالحة،‭ ‬وبيت آمن‭ ‬مستقر

‬ومتاعب‭ ‬سعيدة‭ ‬هي‭ ‬متاعب‭ ‬الأبوة‭. ‬كما‭ ‬أنشد‭ ‬أبياتاً‭ ‬واسى‭ ‬بها‭ ‬نفسه‭ ‬وودع‭ ‬بها‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائه‭ ‬أمام‭ ‬قبره‭ ‬قائلاً:‭ ‬
أيها‭ ‬الأخ‭ ‬العزيز‭ ‬لقد‭ ‬تنقلت‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ 

وجبت‭ ‬البحار
وجئت‭ ‬لأقدم‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬القربان‭ ‬المحزن
وأهدى‭ ‬إليك‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬يهدى‭ ‬إلى‭ ‬الأموات
تقبل‭ ‬هذه‭ ‬الهدايا‭ ‬التي‭ ‬تبللها‭ ‬دموع‭ ‬الأخوة

ووداعاً‭ ‬يا‭ ‬أخي‭ ‬إلى‭ ‬أبد‭ ‬الدّهر‭.‬
أقام‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وتأثر‭ ‬بأديان‭ ‬الشرق‭ ‬القديمة،‭ ‬واحتفالاته،‭ ‬ووصف‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬أتيس‭ ‬Atys؛‭ ‬بأنه‭ ‬«سبات‭ ‬الليل‭ ‬الأبدي»‭. ‬وتقع‭ ‬أكبر‭ ‬قصائده‭ ‬في‭ ‬408‭ ‬بيتاً‭ ‬فى‭ ‬ملحمته‭ ‬الفنية‭ ‬عن‭ ‬حفل‭ ‬زواج‭ ‬البطل‭ ‬بيليوس،‭ ‬بحبيبته‭ ‬أميرة‭ ‬ربات‭ ‬البحر‭ ‬ثيتيس،‭ ‬كما‭ ‬ضمّن‭ ‬هذه‭ ‬الملحمة‭ ‬أسطورة‭ ‬أريادنه‭ ‬التى‭ ‬هجرها‭ ‬حبيبها‭ ‬ثسيوس.
‬كما‭ ‬قص‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬بيليوس‭ ‬وثيتيس‭ ‬Peelus‭ ‬and‭ ‬Thetis،‭ ‬فى‭ ‬شعر‭ ‬سداسى‭ ‬حلو‭ ‬النغم‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يضاهيه‭ ‬شعر‭ ‬فرجيل‭ ‬نفسه؛‭ ‬قصة‭ ‬بيليوس‭ ‬وأرديانى،‭ ‬حيث ابتاع‭ ‬يختاً‭ ‬صغيراً‭ ‬طاف‭ ‬به‭ ‬البحر‭ ‬الأسود،‭ ‬وبحر‭ ‬الأرخبيل،‭ ‬والبحر‭ ‬الأدرياوى‭ ‬وسار‭ ‬صاعدا‭ ‬نحو‭ ‬بيته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬بحيرة‭ ‬جاردا‭

. ‬وهناك‭ ‬أخذ‭ ‬يتساءل:‭
 ‬«هل‭ ‬ثمة‭ ‬سبيل‭ ‬للفرار‭ ‬من‭ ‬متاعبنا،‭ ‬
فنعود‭ ‬إلى‭ ‬مواطننا‭ ‬الأولى‭ ‬ومعابدنا؟
وأن‭ ‬نستريح‭ ‬فوق‭ ‬فرشنا‭ ‬المحببة‭.‬
إنّ‭ ‬الناس‭ ‬يبدأون‭ ‬حياتهم‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة
ثم‭ ‬يقتنعون‭ ‬آخر‭ ‬الأمر‭ ‬بالسلام‭.‬»

أقرا ايضا | ولايات ألمانية: مستشفياتنا قد تغرق قريبًا بمرضى كورونا