تقرير يكتبه : عمرو فاروق
ثمة تغييرات استراتيجية يجري تنفيذها في عمق جماعة «الإخوان الإرهابية»، منذ صعود إبراهيم منير إلى قمة المشهد التنظيمي وسيطرته الكاملة على الملفات الدولية والمحلية على حد سواء، والتي تم تسريب بعض مضامينها من خلال ما عُرف بـ»وثيقة لندن»، أو «خريطة طريق التوافق الوطني في مصر».
تعتبر «وثيقة لندن» التي أُقرّت في مايو 2021، المحرك الأساسي وراء اشتعال الخلافات بين جبهة إبراهيم منير المتحصنة في الداخل البريطاني، وجبهة محمود حسين، المتمركزة في العمق التركي، والتي تم تصديرها للرأي العام الإقليمي والدولي على أنها صراعات حول الأموال والسلطة، لكنها في الحقيقة خلافات حول تمرير الاستراتيجيات الجديدة داخل التنظيم، إذ إن الخلافات الداخلية على الملفات المالية والإدارية حالة مستمرة وليست طارئة على الجماعة منذ تأسيسها على يد حسن البنا.
يتمثل الصراع الحقيقي في تمرير استراتيجية الانتقال من خانة «الهيكل التنظيمي» التي وضعها حسن البنا، إلى ساحة «التيار الفكري» الجارف، والتخلص نهائياً من عبء التنظيم الذي يعتبر حائلاً أمام التماهي مع قضايا المجتمع وإشكالياته من دون بناء جدار تنظيمي عازل، على غرار التيارات السلفية التي تتحرك بحرية تامة من دون خسائر بشرية أو مادية.
اختيار إبراهيم منير لتولي منصب القائم بأعمال المرشد، لم يكن عشوائيًا، في ظل تجاهل قيادات لها ثقل تنظيمي أمثال محمد البحيري ومحمود حسين، لكنه اختيار جاء بتأييد من المخابرات البريطانية، التي تتحكم كلية في الجماعة التي صنعتها في عشرينات القرن الماضي، وما زالت تدعم مشروعها، وتعيد ترتيبات أولوياتها وأهدافها طبقًا لطبيعة المرحلة السياسية وتغيراتها إقليميًا ودولياً.
تمرير الاستراتيجية الجديدة للتنظيم الدولي من شأنها نقل الثقل السياسي والتاريخي للمشروع الإخواني من القاهرة إلى لندن رسميًا، واعتبار «إخوان مصر» فرعًا من التنظيم الدولي لا العكس، الأمر الذي يلقى رفضًا قويًا من شيوخ الجماعة، لا سيما الموجودين داخل السجون، ولديهم تحفظات على تلك الخطوة، وفقًا لما سُرّب عبر «قسم الأخوات»، ودعمهن الملحوظ لجبهة محمود حسين.
من ضمن أولويات استراتيجية التنظيم الدولي الجديدة، تطبيق سياسة الاكتفاء والانكفاء التنظيمي، أو ما تُعرف بـ»سياسة غلق التنظيم»، وعدم التفكير مطلقًا في التوسع في ضم نماذج بشرية جديدة، في ظل مرور الجماعة بنوع من تجفيف منابع الاستقطاب والتجنيد إجباريًا، والإبقاء على بقايا التنظيم تحت مسمى «جمع الشّمل»، تفادياً لحالة الانهزامية السياسية التي تحاصر قياداتها وقواعدها الشبابية، فضلاً عن حالة التفكك والتفلت التي انتابت كيانها الداخلي.
تجربة وصول الإخوان إلى الحكم وسقوطها المروّع ترجمت لدى القائمين على المشروع بأن الجماعة كانت تحرث في الماء على مدار 90 عامًا، وأن جهدها وخططها في الانتشار والتغلغل داخل المجتمعات العربية تحولت هباءً منثورًا، ولم تجن منها شيئًا، لا سيما أنها خسرت قواعدها التنظيمية، وممتلكاتها ومشاريعها الاستثمارية بسهولة متناهية في إطار المصادرة القضائية، بالتوازي مع تفكك حواضنها الفكرية في عمق الشارع العربي.
تخلي الإخوان عن الحالة التنظيمية والانتقال إلى حالة «السيولة الفكرية» أو ما يعرف بـ»التيار الفكري» الجارف، ليست بالهينة، إذ أنها اعتمدت طول تاريخها على فكرة الاستقطاب والتجنيد التنظيمي، وإدارة الجماعة وفقًا لضوابط هرمية، تمكنها من التحكم المطلق في العلاقة الانسجامية بين قياداتها وقواعدها العامة.
انتقال المكون التنظيمي إلى ساحة التيار الفكري، يرجع إلى بعض الأصوات التي تنادي بضرورة الانفتاح على المجتمعات مع إسقاط الجدار التنظيمي، وصوغ خطاب ينتقل من المحلية إلى العالمية، من خلال تأسيس كيانات تنفذ مسارات «القوة الناعمة»، التي تقوم بتغذية الرأي الجمعي للمجتمعات العربية ومخاطبته، وفقًا للأدبيات والأطروحات الإخوانية دون الدعوة للانتماء أو الاصطفاف التنظيمي.
تمثل أهم محطات هذه الاستراتيجية بناء المؤسسات الثقافية والأكاديميات الفكرية وصناعة كوادر نخبوية تحمل توجهات الإسلام الليبرالي، بهدف السيطرة على الشريحة العمرية الجديدة التي تتم مغازلة أفكارها ورؤيتها «عن بعد» من خلال كاتبي الروايات الخيالية والأدبية، وبرامج التنمية البشرية، التي تنشر إرهاصات المحتوى الفكري الأصولي.
ترى الاستراتيجية الجديدة للتنظيم الدولي، أن المشروع الأصولي عليه أن يعدّل من آلياته ووسائله المتبعة في عمليات الاستقطاب والتجنيد، وفقًا للأهداف الجديدة، وعدم التركيز على الوسائل التقليدية في تنفيذ سيناريوهات «أسلمة المجتمعات»، إذ أنها لم تعد في حاجة لمزاحمة النظام السياسي الحاكم في السيطرة على مؤسسات الدولة وتطويعها، لا سيما في ظل انفتاح الساحة أمامها في احتلال الفضاء الأزرق بمخلتف تنوعاته (السوشيال ميديا.
التحول من التنظيم الهرمي إلى التيار الفكري، لم يكن طرحًا جديداً، لكنه دار في خلد قيادات (إخوان القاهرة،)عقب سقوط نظام حسني مبارك، في محاولة لتطبيق سيناريو الإخوان في قطر، وتفعيل قرار حل التنظيم نهائيًا على اعتبار أن هوية الدولة المصرية تسير في طريق التماهي مع هوية المشروع الإخواني، وتحويل مؤسسات الدولة كيانات تابعة للجماعة تبعية غير مباشرة، ومن ثم اتخذت مجموعة من القرارات حينها، أهمها تطبيق سيناريو «غلق الهيكل التنظيمي»، لمدة 5 سنوات، وفتح الباب أمام عضوية حزب «الحرية والعدالة»، وتفعيل مشروع «إخوان ما قبل التمكين»، الذي يمنح العناصر الأصلية الكثير من الحقوق والمكاسب، في مقابل «إخوان ما بعد البعد التمكين».
مشروع غلق التنظيم وتخفيف أعبائه، طرحته قيادات التنظيم الدولي نهاية عام 2016، على القائم بأعمال مرشد الإخوان محمود عزت (مقبوض عليه في أغسطس 2020)، فضلاً عن إبراهيم منير، ويوسف ندا، ومحمود حسين، وأنس التكريتي، بناءً على مجموعة من الدراسات البحثية التي تناولت إعادة تقييم المشروع الإخواني عامةً في ظل سقوطه المدوي، ومحاولة إعادة تصحيح موقف الجماعة، والسعى الى خلق تيار فكري، لكن تم تأجيل البت فيها.
في منتصف عام 2018، تم الترتيب لعقد ورش بحثية حول مشروع تفكيك التنظيم الإخواني، تحت إشراف ياسين أقطاي سكرتير التنظيم الدولي ومستشار الرئيس أردوغان، إذ تم تخصيص 4 فيلات في مدينة «أزمير» التركية، وتناولت الخطوط والمسارات التي يجب أن تراعيها الجماعة في ظل المتغيرات السياسية، مبينة أن السيولة الفكرية، تمثل الحالة الأقرب إلى المنهجية الأصولية واستمرارية وجودها.
ملامح اللقاء التنظيمي - وفقاً للوثائق التي بين أيدينا - اقترحت مشاركة (58) شخصية قيادية ممثلة عددًا من الأقطار العربية والغربية، مقسمة كالآتي: (11) قيادة مصرية، و(9) قيادات من دولة الكويت، و(8) شخصيات من دولة اليمن، و(5) قيادات تمثل دول الخليج، و(3) شخصيات من دولة السودان، و(4) قيادات تمثل دولة سوريا، و(5) قيادات من لبنان، و(2) من دولة باكستان، و(7) من دول أوروبا.