حرمان المرأة من الميراث يخالف الشرع ومواثيق حقوق الإنسان

د. اسامة العبد
د. اسامة العبد

منى ربيع

 من أسوأ العادات والأعراف في بعض محافظات الصعيد هو حرمان المرأة من الميراث واقتصاره على الذكور فقط ظنًا منهم أن المرأة عندما ستحصل على ميراثها ستتسبب في خروجه من العائلة للأغراب لأنها متزوجة من خارجها، وان الأغراب سيشاركونهم في ميراثهم بسبب تلك المرأة، قضايا الميراث يتم نظرها أمام محكمة الأسرة لكنها تظل سنوات حتى يتم تقسيم التركة وفقًا للشرع والقانون، وحتى إذا حصلت المرأة على حقوقها، وتنتصر في الجولة الأولى، فإنه ينتظرها جولات أخرى مع عائلتها، حيث تدخل في صدام وعداء دائم معهم بسبب لجوئها للمحاكم، والتى كانت تنتهى بحكم قضائي لا تستطيع تنفيذه؛ حتى انتصر المشرع للمرأة في 2018 وصدق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعديلات قانون المواريث وكان أهم ما جاء فيه؛ هو تجريم عقوبة عدم تسليم الميراث لأول مرة لتصل للحبس والغرامة 100 ألف جنيه، تحدثنا مع علماء الدين والقانون وأعضاء البرلمان كيف كانت القوانين وكيف تم تعديلها، وماذا يقول الشرع عمن لا يعطي النساء حقوقهن؟!

 في البداية أكد الدكتور أسامة العبد وكيل لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب قائلا؛ ان الأعراف والتقاليد نأخذ بها في حالة واحدة فقط إذا كانت موافقة للشريعة الإسلامية، لكن مايتم في بعض محافظات الصعيد والأرياف هو مخالف للشرع لأن الله سبحانه وتعالى فرض الميراث وأنزله فيما يسمى بعلم الفرائض، وأن الله سبحانه وتعالى لم يترك الميراث لنبي ولا لولي إنما قسمه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فالميراث حق للذكر وحق للأنثى ولكل منهما له نصيبه الذى فرضه الله فعلينا جميعًا أن نعطى للمرأة حقها وللرجل حقه ولا يعتدى أي منهما على الآخر، وللأسف الاعتداء كان يأتى بنسبة كبيرة من الذكر على حق الأنثى وهذا شيء باطل ولاتقبله الشريعة الإسلامية لأن للمرأة الحق في الميراث، فعلينا ان نهتم بهذا الأمر، ونحن في السنوات الأخيرة ناقشنا ذلك في مجلس النواب وتم إصدار قانون بعقاب الممتنع عن تسليم الميراث، فهذا أمر واجب التطبيق سواء كان بكتاب الله أو بسنة رسول الله صل الله عليه وسلم أوبالقانون، فعلينا أن نعطى المرأة حقها فهى نصف المجتمع، هي الأم والاخت والابنة فهي ليست منفصلة عن الرجل إطلاقا، علينا أن نعيد نصاب المرأة ونعطيها حقها، فالمحافظات التى تتمسك بتلك الاعراف والتقاليد التى تمنع إعطاء المرأة حقها في الميراث يجب أن يعرفوا أن الميراث ليس من تقدير أحد لكنه تقدير المولى عز وجل ومن ثم فهو عبادة ومفروض علينا مثل الصلاة والصيام وغيرها من العبادات، لذلك على هؤلاء الرجال أن يعطوا المرأة حقها كما يأخذ الرجل حقه بعدالة.

لا اجتهاد مع نص

ويقول الدكتور عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر: كل عرف خالف نصًا شرعيًا فهو عرف فاسد لا يُلتفت إليه والمتمسك به آثم وعليه وزر عند الله سبحانه وتعالى، ولما كانت النصوص الشرعية في تقسيم الميراث لم يتركها الله لأحد بل جعلها محكمة قاطعة لا تحتمل التأويل، فالله تعالى حدد أسهم ونصيب كل وارث سواء كان ذكرًا او أنثى وأعطى لكل وارث حقه ونصيبه فلا يجوز الافتئات على هذا الحق والنصيب الذى حسمه الله تعالى وحدده، وبالتالى لايجوز لعالم ولا فقيه ولا مشرع أن يجتهد فيما هو نص، فلا اجتهاد مع النص هكذا تقول القاعدة الشرعية، فالله تعالى ختم آية المواريث قائلاً في كتابه المحكم؛»تلك حدود الله فلا تعتدوها»، فهو الذى حددها.

ويضيف الدكتور عبد الفتاح العوارى: ومن هنا لايجوز باسم العرف الفاسد والتقاليد أن يُهضم حق المرأة أو تظلم سواء كانت اخت أو ام أو ابنة او جدة لأن الله هو الذى قسم المواريث وحدد حقوقها، وعلى هؤلاء الذين يتمسكون بالأعراف والعادات الخاطئة لايجوز لهم أن يقسموا التركة إلا بحضور جميع أصحاب الحقوق، حتى يعرف كل وارث حقه.

وينصح الدكتور العواري النساء قائلا: لايتهاون في حقوقهن ومن كان لها حق عليها المطالبة به، وإذا لم ينصفها المجتمع فعليها أن تعرف أن لدينا قضاء شامخ عادل يحتكم إلى شرع الله ولتعلم أن المحكمة ستنصفها وستعطيها حقها تامًا كما حدده الله عز وجل.

ازدواجية

فيما أكدت النائبة والإعلامية فريدة الشوباشي قائلة؛ إن الدين والقانون حددا نصيب المرأة من الميراث، فبأي حق تُحرم من حقوقها، فأنا أرى أن هناك ازدواجية وتمييزا وعنصرية من الرجل في هذا الأمر، فتجدهم يتحدثون  في أمور الدين وعند تقسيم الميراث لا يطبقون ما جاء في الشرع والقرآن الكريم،  فعلينا أن نقوم على توعية الرجل بأن يعرف حقوق المرأة، وأن يعرف جيدا حقوقه وحقوق شقيقاته مثلا، وعليه الالتزام بالقانون، وأن يعلم أن امتناعه سيعرضه لعقوبة الحبس.

عقوبات

ويقول الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستورى؛ للأسف ما يحدث من حرمان المرأة من الميراث هو نتيجة موروثات ثقافية خاطئة وجهل منتشر وعدم معرفة بالقوانين والشريعة على فهمها الصحيح في آيات الميراث وقوانين الأحوال الشخصية، في الماضي كان لا يوجد نص عقابي يجرم الحرمان من الميراث، اليوم صار لدينا تشريعات نصت على عقوبات رادعة للحيلولة دون الحصول على أصحاب الميراث لحقهم، وبالتالى فهي جريمة جنائية حيث نصت المادة 49 من قانون المواريث؛ على  عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث رضاءً أو قضاءً نهائيا، ويعاقب بذات العقوبة كل من حجب سندًا يؤكد نصيبًا للوارث أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين.

وأتاح التشريع من باب الحفاظ على صلة الرحم التصالح في الجرائم المتعلقة بالامتناع عن تسليم الميراث، ويترتب على الصلح وقف الدعوى الجنائية، وتأمر النيابة العامة في هذه الحالة بوقف تنفيذ العقوبة، وأجاز التشريع للمجني عليه أو وكيله أو حتى المتهم أو وكيل إثبات هذا الصلح أمام النيابة أو المحكمة على حسب الأحوال.

ويستطرد الدكتور شوقى السيد حديثه قائلا: وبالتالى هذا النص يواجه هذه الموروثات وهذه الثقافة الخاطئة، لذلك يجب أن يتم تصحيح المعرفة من خلال دور علماء الدين ورجال الاعلام في شرح وفهم حقيقة القواعد الشرعية والنصوص القانونية ليزيل هذه الغمة بحرمان النساء من حقوقهن الطبيعية التى أوجبها القرآن الكريم ونصوص الأحوال الشخصية والتى ظلت بدون جزاء إلى أن تم تعديل القوانين.

واختتم دكتور شوقى السيد حديثه قائلا: إنه يجب التوعية من خلال المجلس القومي، للمرأة حتى لا تخشى من المطالبة بحقوقها، ويجب عليها أن تعلم أن الشرع والقانون في صفها قلبًا وقالبًا.

فيما أوضح المحامى بالنقض وعضو اتحاد المحامين الأجانب بألمانيا عمرو عبد السلام قائلا؛ أن الإسلام قد سبق كافة الشرائع والقوانين الوضعية في إنصاف المرأة وضمن لها حقها في الميراث وحرم أكله بالباطل، إلا أنه بالرغم من ذلك مازالت مواريث الجاهلية الفاسدة مترسخة  في نفوس البعض خاصة بعض الأوساط الاجتماعية في المناطق الريفية والبدوية بما يعد انتهاكًا واضحًا لحقوق الانسان بما يمثله من تمييز ضد المرأة، وعنفًا اقتصاديًا ضدها، وهو مالا ينبغي قبوله أو التغاضي عنه،  مما دعا المشرع الي التدخل لتعديل قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 بصدور القانون رقم 2019 لسنة 2017   لحماية المراة من هذا الشكل من أشكال العنف والتمييز وتجريم حرمانها من الميراث.

وقد نص القانون على أن  الامتناع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، وهي جريمة تتحقق بسلوك سلبي مجرد، مضمونه عدم الوفاء بالتزام قانوني يفرضه المشرع على المسؤول عن توزيع تركة المتوفى، يستوي أن يكون وارثًا أو غير وارث، كما لو كان موكلاً من الورثة.

كذلك حجب السند المؤكد لنصيب الوارث، وهي جريمة سلوك إيجابي مجرد، مضمونه إخفاء السند القانوني المؤكد لنصيب أحد الورثة، كالحكم القضائي الذي قضى بتوزيع التركة وفقًا للأنصبة الشرعية، إذا حجبه الجاني كي لا يعلم الوارث أنه من ذوي الأنصبة المقررة قانوناً.