تحملن عبء النهوض بالفن السابع وضحين بما يملكن

السينما المصرية خرجت من رحم امرأة

أسيا داغر بين عباس فارس وأحمد شفيق وفيلم «العريس الخامس»
أسيا داغر بين عباس فارس وأحمد شفيق وفيلم «العريس الخامس»

شريف عبدالفهيم

رغم كل الصعاب التى واجهت الفن السابع الذى لم تكن علاقته بالشعب المصرى مثل علاقة المسرح به، وفى الوقت الذى اعتُبر كل من يعمل بالتمثيل مشخصاتياً غير مؤهل أن يحيا وسط الطبقات الارستقراطية بل وضعت القوانين التى تمنع الأخذ بشهادة الممثلين فى المحاكم ليتساووا فى ذلك مع المسجونين والخارجين على القانون ظهرت الكثير من النساء اللاتى لبين نداء نداهة السينما ليحملن عبء النهوض بذلك الفن الوليد الذى خرج على استحياء، رويداً رويداً ليثبت أقدامه وسط الأمواج العاتية التى تحاربه.

كانت البدايات الأولى للإنتاج لا ترقى إلى مستويات يمكن أن تؤرخ للسينما المصرية حتى أنشأ المخرج محمد كريم بمدينة الإسكندرية شركة لصناعة الأفلام وعرضها فى عام 1917، ليبدأ معها التأريخ الحقيقى للسينما المصرية وذلك مع ظهور باكورة إنتاج هذه الشركة بفيلميْ "الأزهار الميتة" و"شرف البدوي" وتم عرضهما فى مدينة الإسكندرية أوائل عام 1918، لتتغير النظرة إلى السينما ويبدأ الإنتاج يرتفع وتتشجع رؤوس الأموال على دخول المعترك، فيخرج فى عام  1922 فيلم من إنتاج وتمثيل "فوزى منيب" مكون من فصلين تحت اسم "الخالة الأمريكانية".

نساء غيرن التاريخ

أخذت السينما فترة ليست بالقصيرة بين شد وجذب لمحاولة إثبات الذات الوقوف على أرض صلبة فخرجت عدة تجارب كانت من الضعف بحيث اختفت سريعاً وكبدت أصحابها خسائر كبيرة مما أدى إلى انسحاب العديد المنتجين حتى جاء عام 1927 ليتم إنتاج وعرض أول فيلمين شهيرين هما "قبلة فى الصحراء" و"ليلى" ‏وقامت‏ ‏ببطولته "عزيزة أمير"، ‏أول‏ ‏سيدة‏ ‏مصرية‏ ‏تحترف العمل‏ ‏بالسينما‏.

وكان للنساء فى بدايات العمل السينمائى فى مصر باع طويل وأدوار فاقت أدوار الرجال فى هذا المجال؛ رغم التحفظ الذى كانت تشهده مصر فى ذلك الوقت، إلا أن شجاعة البعض من السيدات وخوضهن تجربة الإنتاج خطت بالسينما المصرية خطوات واسعة وفرت سنوات طويلة على العاملين فى المجال برغم أن معظمهن فشلن وربما أفلسن فى نهاية المطاف.

عزيزة أمير

ولدت مفيدة محمد غانم، الشهيرة بـ"عزيزة أمير" فى 17 ديسمبر 1901 بطنطا وتوفى والدها بعد ولادتها بـ15 يوماً فعادت أسرتها إلى الإسكندرية لتقضى طفولتها بها، ثم انتقلت إلى القاهرة وتحديداً بالقرب من حى السيدة زينب والتحقت بالمدرسة لكنها لم تكمل تعليمها واتجهت إلى تعلم مبادئ الموسيقى.

نشأت عزيزة فى بيئة نمّت فيها حب الاطلاع والثقافة وتزوجت من شخصية سياسية معروفة آنذاك لكن سرعان ما تم الطلاق بسبب فارق السن، إلا أن هذه الفترة كانت سبباً فى اتساع مداركها وأفق تفكيرها فأحبت الأدب والفن وترددت على المسارح واستوديوهات السينما.

دخلت عزيزة أمير الى السينما من باب المسرح، عن طريق فرقة رمسيس المسرحية برئاسة يوسف وهبى والتى انضمت إليها فى صيف عام 1925. ظلت عزيزة أمير مع يوسف وهبى موسماً واحداً فقط، ثم تنقلت بين فرقتى "شركة ترقية التمثيل العربي" ونجيب الريحانى، ثم عادت الى فرقة رمسيس وقامت ببطولة مسرحية "أولاد الذوات" والتى تحولت إلى فيلم سينمائي، كانت مرشحة لتمثيل دورها فيه، إلا أن الدور ذهب إلى الفنانة أمينة رزق. ثم تتنقل عزيزة أمير بين المسارح، حتى تكوّن بنفسها شركة "إيزيس" للإنتاج السينمائى وتنتج أول فيلم لها بعنوان "نداء الله" إخراج المخرج التركى وداد عرفى.

قدمت عزيزة أمير ما يقرب من 20 فيلماً منها "بسلامته عايز يتجوز" عام 1936 مع نجيب الريحاني، "بياعة التفاح" مع زوجها المخرج محمود ذوالفقار عام 1939، "حبابة" مع يحيى شاهين عام 1944، "نادية" مع سليمان نجيب عام 1949، وآخر أفلامها "آمنت بالله" عام 1952 مع مديحة يسري، أما عن التأليف فقد خاضته من خلال 16 عملاً كان أشهرها "ابنتي" مع زكى طليمات عام 1944، "عودة طاقية الإخفاء" مع هاجر حمدى عام 1946، "قسمة ونصيب" مع تحية كاريوكا عام 1950، واستمرت فى الإنتاج باسم شركتها "إيزيس فيلم"، فأنتجت خمسة وعشرين فيلماً، كان آخرها فيلم "آمنت بالله" الذى عرض بدار سينما الكوزمو فى الثالث من نوفمبر عام 1952.

فاطمة رشدي

ولدت فاطمة رشدى بالإسكندرية فى عائلة فنية، حيث كانت شقيقتاها رتيبة وإنصاف رشدى من أشهر فنانات المسرح فى الإسكندرية، بدأت فاطمة رشدى حياتها الفنية مبكرًا جدًا، عندما كانت فى التاسعة أو العاشرة من عمرها وذلك بالصدفة عندما اصطحبتها أختها إلى المسرح الذى تقدم عليه فرقة أمين عطاالله عروضها وكانت أختها تغنى هناك، فرآها أمين عطا الله وأسند إليها دورًا فى إحدى مسرحياته، كما كانت تؤدى أدواراً غنائية ثانوية فى بدايتها، وظهرت على المسرح مع فرقة عبد الرحمن رشدي، ثم انضمت بعد ذلك إلى فرقة الجزايرلي. وانتقلت بين مسارح روض الفرج، حيث كانت تشهد تلك المنطقة الشعبية نهضة فنية واسعة وأخرجت الكثير من رواد الفن التمثيلى فى مصر.

وعندما شاهدها المطرب سيد درويش عام 1921 دعاها للعمل بفرقته التى كونها بالقاهرة، فبدأت حياتها الفنية فى فريق الكورس والإنشاد مع سيد درويش ونجيب الريحاني.

وفى عام 1923 التقى بها رائد فن المسرح عزيز عيد الذى توسم فيها الموهبة والقدرات الفنية الكامنة، فضمها إلى فرقة يوسف وهبى بمسرح رمسيس، وتعهدها بالمران والتدريب وعلمها التمثيل، كما أوكل مهمة تلقينها قواعد اللغة العربية إلى مدرس لغة عربية. ثم تزوجها بعد ذلك لتصبح نجمة فرقة رمسيس المسرحية.

ذاع صيت فاطمة رشدى كممثل مسرحية لا يشق لها غبار مما دعا بدر لاما إلى أن يستعين بها  فى فيلم افاجعة فوق الهرمب (1928) والذى قوبل بهجوم كبير نالته من الصحافة لضعف مستواه من وجهة نظر النقاد فى ذلك الوقت، ولولاها لمنى الفيلم بخسارة فادحة. ثم أقنعها المخرج وداد عرفى بأن يخرج لها فيلم "تحت سماء مصر" لكنها أحرقته لأنه كان أقل مستوى من الفيلم السابق.

انصرفت بعدها إلى المسرح ولعدة مواسم ثم زاوجت بينه وبين السينما. وكانت عودتها إلى الشاشة بفيلم "الزواج" والذى عرض (1933)، كمؤلفة ومخرجة وممثلة، ومثل أمامها فيه محمود المليجى فى أول أدواره السينمائية. ثم فيلم "الهارب" مع بدر لاما، و"ثمن السعادة"، ثم فيلمها الهام مع كمال سليم رائد الواقعية المصرية "العزيمة". حاز الفيلم على نجاح كبير، فيما فشل فيلمه "إلى الأبد"، بعد ذلك شاركت فى فيلم "العامل" و"الطريق المستقيم" مع يوسف وهبى بك.

آسيا داغر

لم يقدم أحد تضحيات فى سبيل إحياء الفن السابع والنهوض به مثلما قدمته هذه السيدة، التى ضحت بالغالى والنفيس فى سبيل السينما حتى وصل بها الحال إلى بيع كل ما تملك لإنتاج فيلم الناصر صلاح الدين والذى بسببه منيت بخسائر فادحة، إنها المنتجة آسيا داغر، صاحبة شركة لوتس للإنتاج والتى كان لها السبق واليد الطولى فى الإنتاج السينمائي.

ولدت آسيا داغر فى قرية تنورين فى لبنان وبدأت حياتها كممثلة عندما قدمت فيلمها القصير "تحت ظلال الأرز" عام 1922 وفى عام 1923 شدت رحالها من لبنان وسافرت إلى مصر بصحبة شقيقتها مارى وابنتها الصغيرة مارى كويني، حـيث ظهرت كممثلة فى أول فيلم مصرى صـامت وهـو ليلى عام 1927 الذى أنتجته عزيزة أمير.

فى عام 1927 أسست آسيا شركة لوتس فيلم لإنتاج وتوزيع الأفلام، واستمرت فى الإنتاج بينما توقفت شركات إبراهيم لاما وبدر لاما وعزيزة أمير وبهيجة حافظ، ولذلك استحقت لقب عميدة المنتجين وأصبحت شركتها لوتس فيلم أقدم وأطول شركات الإنتاج السينمائى المصرى عمراً.

لم تكتف آسيا بدورها كمنتجة فقط ولكن قادها جمالها الأخاذ فى أن تقف أمام الكاميرا لتقدم فيلم "غادة الصحراء" عام 1929 حيث كان أول بطولة لها وباكورة إنتاجها، استعانت فيه بالمخرج التركى وداد عرفى لإخراجه، ثم قدمت فيلم "وخز الضمير" عام 1931 وأسندت مهمة إخراجه إلى إبراهيم لاما، وبعدها تعرفت على السينمائى والروائى والصحفى أحمد جلال، فأخرج لها كل ما أنتجته من أفلام فى الفترة ما بين عامى 1933 و1942 والتى قاربت العشرة أفلام، أهمها: "عيون ساحرة" عام 1934، "شجرة الدر" عام 1935، "فتاة متمردة" عام 1940، وبعد أن تزوج أحمد جلال من ابنة أختها الفنانة مارى كوينى وأسسا معاً استوديو جلال وتفرغ لإخراج أفلام شركته الخاصة مع زوجته، كان لابد لها أن تبحث عن مخرج آخر، فاتجهت إلى مساعد مخرج شاب فى الثامنة والعشرين من عمره ليقوم بإخراج فيلم "الشريد" عام 1942 وكان هذا المخرج هو هنرى بركات.