تطور دولة وقرار أمة

 بقلم: إيهاب فتحى
بقلم: إيهاب فتحى

‭ ‬بقلم: إيهاب‭ ‬فتحى

‭‬ قبل‭ ‬أيام‭ ‬شاركت‭ ‬فى‭ ‬جولة‭ ‬تفقدية‭ ‬لمركزالإصلاح‭ ‬والتأهيل‭ ‬بوادى‭ ‬النطرون‭ ‬التابع‭ ‬لقطاع‭ ‬الحماية‭ ‬المجتمعية‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬وشارك‭ ‬فى‭ ‬الجولة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬ممثلى‭ ‬البعثات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والمجالس‭ ‬الحقوقية‭ ‬ولجان‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بمجلسى‭ ‬النواب‭ ‬والشيوخ‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬ومراسلى‭ ‬الوكالات‭ ‬الأجنبية‭.‬

 

تم‭ ‬تشييد‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬فى‭ ‬مدة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬10‭ ‬أشهر‭ ‬وبتكلفة‭ ‬مالية‭ ‬لن‭ ‬تتحملها‭ ‬موازنة‭ ‬الدولة‭ ‬بواقع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬وما‭ ‬سينشأ‭ ‬مثله‭ ‬مستقبلا‭ ‬ستتم‭ ‬تغطية‭ ‬عملية‭ ‬الإنشاء‭ ‬من‭ ‬القيمة‭ ‬الاستثمارية‭ ‬لأراضى‭ ‬السجون‭ ‬العمومية‭ ‬التى‭ ‬ستغلق‭ ‬عقب‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭.‬

عندما‭ ‬تبدأ‭ ‬عملية‭ ‬التشغيل‭ ‬الكاملة‭ ‬لمركز‭ ‬وادى‭ ‬النطرون‭ ‬سيتم‭ ‬إغلاق‭ ‬12‭ ‬سجنًا‭ ‬مما‭ ‬يمثل‭ ‬نسبة‭ ‬25‭% ‬من‭ ‬السجون‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬فى‭ ‬مركز‭ ‬وادى‭ ‬النطرون‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬منظومة‭ ‬وفلسفة‭ ‬عقابية‭ ‬مختلفة‭ ‬لم‭ ‬تشهدها‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭  ‬طوال‭ ‬تاريخها‭ ‬الحديث‭. ‬

داخل‭ ‬المركز‭ ‬6‭ ‬مناطق‭ ‬للاحتجاز‭ ‬مصممة‭ ‬وفق‭ ‬المعايير‭ ‬الإنسانية‭ ‬التى‭ ‬تعطى‭ ‬مفهومًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬لفلسفة‭ ‬العقاب‭ ‬فتوفر‭ ‬أجواءً‭ ‬مناسبة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬درجات‭ ‬التهوية‭ ‬والإنارة‭ ‬وأماكن‭ ‬لممارسة‭ ‬الشعائر‭ ‬الدينية‭ ‬وفصول‭ ‬للعملية‭ ‬التعليمية‭ ‬والقيام‭ ‬بالهوايات‭ ‬وملاعب‭ ‬وساحات‭ ‬رياضية‭ ‬ومراكز‭ ‬للتدريب‭ ‬المهنى‭ ‬والفنى‭ ‬التى‭ ‬تضم‭ ‬مجموعات‭ ‬من‭ ‬الورش‭ ‬المختلفة‭.‬

بالانتقال‭ ‬لمنطقة‭ ‬التأهيل‭ ‬والإنتاج‭ ‬فيها‭ ‬مناطق‭ ‬الصوب‭ ‬الزراعية،‭ ‬وزراعات‭ ‬مفتوحة‭ ‬وإنتاج‭ ‬الثروة‭ ‬الحيوانية،‭ ‬غير‭ ‬جزء‭ ‬صناعى‭ ‬به‭ ‬ورش‭ ‬إنتاجية‭ ‬وتتولى‭ ‬منافذ‭ ‬بيع‭ ‬ملحقة‭ ‬بالمركز‭ ‬بيع‭ ‬المنتجات‭ ‬أو‭ ‬بيعها‭ ‬فى‭ ‬المعارض‭ ‬التى‭ ‬يتولى‭ ‬تنظيمها‭ ‬قطاع‭ ‬الحماية‭ ‬المجتمعية‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬ويكون‭ ‬عائد‭ ‬هذا‭ ‬البيع‭ ‬لصالح‭ ‬النزيل‭ ‬فى‭ ‬المركز‭ ‬إما‭ ‬يوجهه‭ ‬لأسرته‭ ‬التى‭ ‬يعولها‭ ‬أو‭ ‬يحتفظ‭ ‬به‭ ‬لحين‭ ‬انتهاء‭ ‬فترة‭ ‬العقوبة‭ ‬ليكون‭ ‬مدخرًا‭ ‬ماليًا‭ ‬يعينه‭ ‬بعد‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المركز‭.‬

بالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬يغفل‭ ‬مركز‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬وهذه‭ ‬الفلسفة‭ ‬العقابية‭ ‬المتطورة‭ ‬وجود‭ ‬مستشفى‭ ‬مركزى‭ ‬مزود‭ ‬بأحدث‭ ‬الأجهزة‭ ‬الطبية‭ ‬وكافة‭ ‬الأقسام‭ ‬العلاجية‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬إلى‭ ‬عيادات‭ ‬الطب‭ ‬النفسى‭ ‬وعلاج‭ ‬الإدمان‭.‬

أما‭ ‬مجمع‭ ‬المحاكم‭ ‬المنفصل‭ ‬إداريًا‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬فبه‭ ‬8‭ ‬قاعات‭ ‬حتى‭ ‬تتم‭ ‬إجراءات‭ ‬المحاكمات‭ ‬دون‭ ‬عناء‭ ‬الانتقال‭ ‬مع‭ ‬توفير‭ ‬الأجواء‭ ‬العادلة‭ ‬والأمنية‭ ‬أثناء‭ ‬إجراء‭ ‬المحاكمات،‭ ‬وتم‭ ‬تخصيص‭ ‬مناطق‭ ‬كاملة‭ ‬لزيارات‭ ‬أهالى‭ ‬النزيل‭ ‬ويتم‭ ‬اصطحابهم‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬بالحافلات‭ ‬مع‭ ‬توافر‭ ‬كافة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬الصحية‭ ‬وأيضًا‭ ‬الإجراءات‭ ‬التأمينية‭.‬

أعطت‭ ‬الجولة‭ ‬صورة‭ ‬كاملة‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬العقابية‭ ‬المتطورة‭ ‬وكيف‭ ‬ستدار‭ ‬والأهداف‭ ‬الهامة‭ ‬التى‭ ‬ستحققها‭ ‬للمجتمع،‭ ‬لكن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬العقل‭ ‬بعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬لماذا‭ ‬انتقلت‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬عقابى‭ ‬سائد‭ ‬ومازال‭ ‬مطبقًا‭ ‬فى‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ومنها‭ ‬دول‭ ‬تحسب‭ ‬فى‭ ‬عداد‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬المتطور؟‭ ‬وكيف‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬التطور؟‭ ‬وهل‭ ‬حضر‭ ‬فجأة‭ ‬فى‭ ‬فكر‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬؟‭ ‬والسؤال‭ ‬الأهم‭ ‬كيف‭ ‬طورت‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬وظيفتها‭ ‬كسلطة‭ ‬سياسية‭ ‬مطالبة‭ ‬بإقرار‭ ‬مبادئ‭ ‬القانون‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وسائل‭ ‬العقاب‭ ‬القانونى‭ ‬لحماية‭ ‬المواطن‭ ‬إلى‭ ‬سلطة‭ ‬طورت‭ ‬من‭ ‬نفسها‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بجزء‭ ‬من‭ ‬مواطنيها‭ ‬خرجوا‭ ‬عن‭ ‬القواعد‭ ‬القانونية؟‭ ‬

للإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬دراسة‭ ‬مراحل‭ ‬تطور‭ ‬فكر‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬وفلسفة‭ ‬إدارتها‭ ‬لمفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بمواطنيها‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضى،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬ترتبط‭ ‬الإجابة‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحراك‭ ‬التى‭ ‬شهدته‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬لأن‭ ‬مركز‭ ‬وادى‭ ‬النطرون‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬نتاجات‭ ‬تطور‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬فى‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬والحراك‭ ‬الذى‭ ‬شهدته‭ ‬الأمة‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬على‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬تأسيس‭ ‬فكرالدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬أنها‭ ‬مرحلة‭ ‬الترقب‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬وكانت‭ ‬بدايتها‭ ‬مع‭ ‬اندلاع‭ ‬أحداث‭ ‬يناير‭ ‬ففى‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬بدأت‭ ‬الأمة‭ ‬تترقب‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬مختلف‭ ‬للدولة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬ثباته‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬الذى‭ ‬انفجر‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬وظهور‭ ‬القوى‭ ‬الظلامية‭ ‬ممثلة‭ ‬فى‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬تريد‭ ‬فرض‭ ‬سلطتها‭ ‬الشريرة‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬بأكملها‭. ‬

فى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬كان‭ ‬الفعل‭ ‬بالكامل‭ ‬للأمة‭ ‬المصرية‭ ‬وطليعة‭ ‬شعبها‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬عندما‭ ‬تحركت‭ ‬جماهير‭ ‬الـ‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬وقامت‭ ‬بثورتها‭ ‬المجيدة‭ ‬لتستعيد‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬قوى‭ ‬الظلام‭ ‬والفاشية،‭ ‬وتبدأ‭ ‬جماهير‭ ‬يونيو‭ ‬مع‭ ‬الطليعة‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬والقيادة‭ ‬السياسية‭ ‬التى‭ ‬اختارتها‭ ‬بإرادتها‭ ‬الحرة‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬2014‭ ‬فى‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬لمفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬التى‭ ‬طالبت‭ ‬بها‭ ‬جماهير‭ ‬يونيو‭ ‬بعد‭ ‬خوف‭ ‬العنف‭ ‬وضبابية‭ ‬المستقبل‭ ‬الذى‭ ‬خيم‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬خلال‭ ‬عامين‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬يناير‭ ‬ويعتبرا‭ ‬الأخطر‭ ‬والأشد‭ ‬مصيرية‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬المصرى‭ ‬الحديث‭ ‬حتى‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬يونيو‭ ‬المجيدة‭. ‬

لايمكن‭ ‬تصور‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬الطريق‭ ‬للدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬والأهم‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬الخارطة‭ ‬كان‭ ‬سهلا‭ ‬أوهينًا‭ ‬والأحداث‭ ‬التى‭ ‬تثبث‭ ‬حجم‭ ‬التحديات‭ ‬والمصاعب‭ ‬التى‭ ‬واجهتها‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬والقيادة‭ ‬السياسية‭ ‬التى‭ ‬تولت‭ ‬إدارة‭ ‬دفة‭ ‬التطبيق‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الذاكرة‭ ‬المصرية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬والمصاعب‭ ‬مواجهة‭ ‬إرهاب‭ ‬الفاشية‭ ‬الإخوانية‭ ‬المدعوم‭ ‬بقوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬وتصدى‭ ‬لهذا‭ ‬الخطر‭ ‬الفاشى‭ ‬الأسود‭ ‬طليعة‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬والشرطة‭. ‬

رغم‭ ‬هذا‭ ‬التصدى‭ ‬وأرواح‭ ‬الشهداء‭ ‬التى‭ ‬ارتقت‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرجال‭ ‬الأبطال‭ ‬والدماء‭ ‬التى‭ ‬بذلت‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬والقيادة‭ ‬السياسية‭ ‬التى‭ ‬تولت‭ ‬إدارة‭ ‬دفة‭ ‬التطبيق‭ ‬لم‭ ‬تتخل‭ ‬عن‭ ‬مطالب‭ ‬الأمة‭ ‬وجماهير‭ ‬يونيو‭ ‬فى‭ ‬إنشاء‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬فكانت‭ ‬معركة‭ ‬دحر‭ ‬الإرهاب‭ ‬تدور‭ ‬بكل‭ ‬شراسة‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الجبهات‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تتم‭ ‬عملية‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬استلزم‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬استثنائية‭ ‬وانتباه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواجهة‭ ‬دناءة‭ ‬الإرهاب‭ ‬و‭ ‬حماية‭ ‬عملية‭ ‬البناء‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬ولن‭ ‬تتوقف‭. ‬

استطاع‭ ‬الرجال‭ ‬الأبطال‭ ‬من‭ ‬طليعة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬قواته‭ ‬المسلحة‭ ‬وشرطته‭ ‬إخماد‭ ‬أصوات‭ ‬التفجيرات‭ ‬والتصدى‭ ‬لرصاصات‭ ‬الغدر‭ ‬بصدورهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن،‭ ‬استطاعوا‭ ‬فى‭ ‬سنوات‭ ‬المصير‭ ‬تحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬الفاشى‭ ‬وعلى‭ ‬الفاشيست‭ ‬ويعطون‭ ‬للدولة‭ ‬المصرية‭ ‬مفتاح‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الاستثناء‭ ‬إلى‭ ‬رحابة‭ ‬مستقبل‭ ‬آمن‭ ‬مطمئن‭ ..‬لكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬الانتباه‭. ‬

لم‭ ‬يستشعر‭ ‬الكثيرون‭ ‬وسط‭ ‬انشغالات‭ ‬اليوم‭ ‬العادى‭ ‬الآمن‭ ‬الذى‭ ‬صنعته‭ ‬أرواح‭ ‬شهداء‭ ‬ارتقت‭ ‬ودماء‭ ‬بذلت‭ ‬أن‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬فى‭ ‬تطور‭ ‬مفهوم‭  ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬وهى‭ ‬مرحلة‭ ‬التطبيق‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الخارطة‭ ‬مجرد‭ ‬خطوط‭ ‬وإحداثيات‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬تطبيق‭ ‬حى‭ ‬لقرار‭ ‬هذه‭ ‬الأمة،‭ ‬ويعمل‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬بكامل‭ ‬طاقته‭ ‬ويعطى‭ ‬منجزه‭ ‬وثماره‭ ‬فى‭ ‬صباح‭ ‬كل‭   ‬يوم‭ ‬متحررًا‭ ‬من‭ ‬خوف‭ ‬إرهاب‭ ‬دنيئ‭ ‬أو‭ ‬مستقبل‭ ‬مهتز‭ ‬فى‭ ‬صورته‭ .‬

ماكنت‭ ‬أراه‭ ‬فى‭ ‬وادى‭ ‬النطرون‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬منتجات‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬الذى‭ ‬تصنعه‭ ‬ماكينات‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ويعطى‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الأسئلة‭ ‬التى‭ ‬طرحها‭ ‬العقل‭ ‬حول‭ ‬الانتقال‭ ‬والتحول‭ ‬فى‭ ‬مفهوم‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بمواطنيها‭ ‬لكن‭ ‬مركز‭ ‬وادى‭ ‬النطرون‭ ‬كان‭ ‬يجيب‭ ‬‭  ‬على‭ ‬جزء‭ ‬خاص‭ ‬مرتبط‭ ‬بتطور‭ ‬مفهوم‭ ‬استخدام‭ ‬السلطة‭ ‬العقابية‭ ‬التى‭ ‬تمتلكها‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الخارجين‭ ‬عن‭ ‬القانون‭. ‬

تعطى‭ ‬منجزات‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬أو‭ ‬مرحلة‭ ‬التطبيق‭ ‬صورة‭ ‬أكثر‭ ‬شمولا‭ ‬لمفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬الذى‭ ‬يعمل‭ ‬الآن‭ ‬باستقرار‭ ‬وثبات‭ ‬فقبل‭ ‬وقت‭ ‬قليل‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬إلغاء‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬وقبلها‭ ‬أطلق‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وقبل‭ ‬هذا‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬أكبر‭ ‬عملية‭ ‬تحول‭ ‬مجتمعى‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬الحديث‭ ‬حيث‭ ‬اتجهت‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬إلى‭ ‬الطبقات‭ ‬المحرومة‭ ‬والهشة‭ ‬لتعطيها‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الرعاية‭ ‬لتتم‭ ‬عملية‭ ‬هى‭ ‬الأضخم‭ ‬فى‭ ‬تطوير‭ ‬العشوائيات‭ ‬وتطبيق‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬الرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ونظام‭ ‬شامل‭ ‬صحى‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬نتائجه‭ ‬إنهاء‭ ‬آفة‭ ‬فيروس‭ ‬الالتهاب‭ ‬الكبدى‭ ‬الوبائى‭ ‬الذى‭ ‬نهش‭ ‬أجساد‭ ‬المصريين‭ ‬على‭ ‬طوال‭ ‬تاريخهم‭. ‬

لم‭ ‬تكتف‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬بتطوير‭ ‬ورعاية‭ ‬هذه‭ ‬الطبقات‭ ‬التى‭ ‬تشكل‭ ‬كتلة‭ ‬كبيرة‭ ‬داخل‭ ‬حزام‭ ‬المدن،‭ ‬ولكنها‭ ‬قررت‭ ‬خوض‭ ‬التحدى‭ ‬الأكبر‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬وهو‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬مصر‭ ‬ومخزونها‭ ‬الحضارى‭ ‬إلى‭ ‬الريف‭ ‬المصرى‭ ‬لتطبق‭ ‬بكل‭ ‬جدية‭ ‬وتعطى‭ ‬رعاية‭ ‬وخدمات‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬للريف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروع‭ ‬تنمية‭ ‬الريف‭ ‬المصرى‭. ‬

نحن‭ ‬نجنى‭ ‬الآن‭ ‬ثمار‭ ‬كفاح‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬وثورتها‭ ‬فى‭ ‬الـ‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬الثمار‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬الحديثة‭ ‬وتطورها‭ ‬المستمر‭ ‬ونرى‭ ‬منجز‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬وهو‭ ‬تطور‭ ‬جذره‭ ‬الحضارى‭ ‬يمتد‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬هذا‭ ‬الوطن،‭ ‬لأنه‭ ‬قرار‭ ‬مصرى‭ ‬خالص‭ ‬ومشروع‭ ‬وطنى‭ ‬مستقل‭ ‬وأصدرت‭ ‬القرار‭ ‬ورعت‭ ‬المشروع‭ ‬الأمة‭ ‬المصرية‭ ‬دون‭ ‬وصاية‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬وبإرادة‭ ‬حرة‭. ‬