صدى الصوت

قطائع «ريم»!

عمرو الديب
عمرو الديب

تهيم الأرواح بعيدًا فى أفلاك الأزمنة المثيرة، وترحل المهج إلى الحقب الساحرة، وتسافر الأخيلة إلى المدائن البعيدة المليئة بالعجائب، والبلاد القصية المفعمة بالغرائب، وتنطوى القرون،أمام الذهن الوقاد الذى عثر على ضالته المنشودة،  وكنزه المفقود،فى ذلك العالم السحرى المنساب بين دفتى كتاب آسر، كذلك الأثر الفريد الذى عبر الأزمنة المتراكمة، ليصل إلينا سالما من رحلته الشاقة، متجاوزا عوادى الدهر،لتتلقفه يد خبيرة تنفض عنه غبار العقود،وتعيد إليه لمعانه وبريقه، وقد امتلكت نسخة ذات طبعة نادرة من ذلك الأثر الذى حمل عنوان «سيرة ابن طولون» للبلوى، صدرت نشرته المحققة فى ثلاثينات القرن الماضى بعناية وجهود علامة الشام محمد كرد على،ولا أخفى عليكم كم استمتعت بقراءة ذلك الأثر الذى كتبه مؤرخ قريب من العصر الذى وقعت فيه الأحداث، وهو عهد  الشخصية التاريخية الفذة أحمد بن طولون صاحب المسجد الشهير الذى خلد اسمه،وقد اختارت الأديبة المتميزة د.ريم بسيونى تلك الحقبة التاريخية، وهذه التجربة الطولونية كمسرح لأحداث روايتها الجديدة «القطائع» الصادرة عن دار نهضة مصر، وعلى الرغم من أن د.ريم بسيونى وعدتنى بإرسال نسخة من هذه الثلاثية الجديدة «ابن طولون» منذ أسابيع إلى لأقرأها،إلا أننى عثرت على نسخة منها لدى صديق أعارنى إياها، ولما تصل بعد نسخة المؤلفة،وقد التهمتها التهامًا، لشغفى بالروايات التاريخية بعامة،وأيضا لاهتمامى بتجربة الأديبة الحائزة على جائزة نجيب محفوظ عن جدارة، تتويجا لثلاثيتها المتفردة «المماليك»، وبعد قراءة نهمة لنص شيق حقًا، أدركت أن سر تميز «ريم» هو إخلاصها فى معايشة العصور التى تكتب عنها بعمق، واستغراقها فى تفاصيل تلك الأزمنة،وغوصها فى نسيج هذه العوالم الغاربة عبر قراءات بالغة الحساسية والتعمق،إنها تتشبع بعبق تلك العصور من قبل أن تقطع خطوة واحدة على طريق الكتابة،وبعد أن تتلبس «ريم» بروح تلك العوالم،تبدأ سردها الخلاب الذى بدا فى «القطائع»،أكثر تكثيفا،وتحليقًا وشاعرية،وقد نجحت فى أن يكون العنوان جاذبًا ودالًا ومعبرًا فى ذات اللحظة،إذ انطوى على بعض الغموض، فالقطائع هى اسم العاصمة التى ابتناها «ابن طولون» فى إطار مشروعه الحضارى الطموح،والاسم غير شائع،ولا يعرفه الكثيرون،ولكنه دال على عهد وتجربة ابن طولون بلا شك،ومن هنا بدا توفيق المبدعة فى اختيار عنوان روايتها التى ترسخ مكانتها المرموقة فى مشهدنا الإبداعى،وتمنحها موقعًا متميزًا على الخريطة الروائية العربية.