دجال السوشيال ميديا لـ« أخبار الحوادث».. جلب الحبيب بـ 2800 جنيه كاش

دجال
دجال

كتبت: أسماء سالم

 يتسيد الجهل ويسيطر الجهلاء على ضعاف العقول حين تهمل أمة من الأمم العلوم الحقيقية التي تنظر في أسباب الحياة وعوائقها لتيسيرها على البشر، فلا تكون تجارة رائجة بين شعب هذه البلد أو تلك سوى الخرافات والدجل والشعوذة.. بكلمات تقارب هذه العبارة حذرنا العلامة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع منذ حوالي سبعة قرون، ولا يزال تحذيره ساريًا حتى الآن رغم التقدم الذي نشهده في جميع مناحي الحياة، ورغم دعوات القادة المستنيرين وبعض رجال الدين وخبراء الاجتماعيين والنفسيين لمحاربة الخرافة واستشراء الدجل، ورغم أننا في القرن الحادي والعشرين إلا أن بعض المشعوذين مازالوا يمارسون هذا الانحراف العقلي والسلوكي كوسيلة للنصب والضحك على الكثيرين من السُّذّج من كل المستويات التعليمية أوالاجتماعية.

ما بين التجارة بالأديان وترويج الأساطير تتهالك الأمم وتضمحل القدرات العقلية للشعوب التي يتسيد فيها الجهل ويغيب العلم، ورغم تخلص الكثير من الشعوب من هذه الآفات، إلا أن بعض بلادنا والكثيرين من ناسنا مازالوا ينشدون حل مشاكلهم وأزماتهم عبر الدجل والشعوذة، وكما تستخدم بعض التنظيمات الدينية المنحرفة والإرهابية- أو تلك المتسترة بالدين- جهالة البعض في السيطرة على قطعانها عبر تغليفها كل باطل بغلاف ديني، كذلك تجد أن أغلب السحرة والمشعوذين ومن يزعمون العلاج الروحاني يستخدمون آيات الدين أيضًا!

ملايين يصرفها بعض المصريين سنويًا على الدجالين والسحرة!  بل فلننزعج جميعًا أفراد ومؤسسات وحكومة وهيئات علمية وندق ناقوس الخطر، والعمل على إطلاق يد القانون لتغليظ العقوبات ضد ممارسي الدجل والشعوذة، وقبل كل ذلك لعل مثل هذا الخطر يدفعنا إلى زيادة الإنفاق على التعليم لتطويره بما يتناسب مع العصر وعلومه، والاهتمام بالمحتوى الإعلامي والارتقاء به عبر قنواتنا ووسائل الإعلام المختلفة ليليق ببلد كانت في يوم ما منذ آلاف السنين رائدة في العلوم المختلفة. وحتى لحظتنا هذه يحار العالم رغم تقدمه في مجالات عديدة أمام ما أنجزه أجدادنا المصريون في العلوم والفلك والطب وغيرها!

الخطير في الأمر هو ما حدث من تطورات للأسوأ بطبيعة الحال، حيث يتجه البعض إلى تعلم الدجل والشعوذة كي لا يلجأ إلى دجال بل يقدِم على تحضير الجن بنفسه ليسخره، وكعادة الشعوب التي يتسيدها الجهل تستخدم منجزات حضارية وتقنية في تعلم مثل هذه الخرافات، وهو ما لا تخطئه عين عبر الكثير من المواقع الإلكترونية والفضائيات صفحات التواصل الاجتماعي، حيث تكثر الإعلانات مدفوعة الأجر أو الممولة عن المعالج أوالساحر الفلاني الذي يساعدك في جلب الحبيب أوطلاقك من زوجك، بل ويتبجح بعضهم في القول أنه قادر على علاج كل الامراض حتى المستعصية منها!

 يقع البعض ضحايا لمثل هذه الدعايات، خاصة وأن معظمها يؤكد على أن المعالج او الشيخ الروحاني- أو هكذا يزعم- يمتلك القدرة على تسخير الجن بحيث يجعله يقول لك «شبيك لبيك.. تطلب ايه» عشرات الجروبات والصفحات على السوشيال ميديا لتعليم السحر، ويصل عدد المتابعين في بعضها إلى عشرات الآلاف من مختلف الجنسيات والتوجهات والمستويات التعليمية، جذبني أحد هذه الجروبات، وبدأت أدخل إلى الصفحات الشخصية لبعض الأعضاء، ووجدت ان معظمهم من النساء لكل منهن مطلبها المختلف من هذا الدجال أوالمعالج، غير أن ما يدهشك أكثر أنك تجد عبر هذه المواقع والصفحات «كتب تعليم السحر مثل كتاب « شمس المعارف الكبرى» إضافة إلى إرشادات بعضها يثير الضحك رغم مايثيره من رعب، وعلى طريقة طبق اليوم وكيف تصنعين صينية الكنافة بالمانجو وغيرها، مثل «كيف تُحضّر الجن في منزلك»؟! وذلك كما يدون صاحب الصفحة في أيام محددة مثل اكتمال القمر، مع تعلم قراءة الطلاسم الغامضة المكتوبة بخطوط ملونة وملتوية، وكل ما عليك أن تحضر القليل من الأعشاب التي يحددها الساحر وتشعل فيها النار فيها ثم تلقي قليلا من البخور فوقها، قراءة بعض الكلمات التي سيمدك بها الساحر طبعا شرط أن تدفع له عبر الفيزا كارت أو تطبيقات الدفع الكاش عبر التليفونات المحمولة، غير أن أبشع ما تراه في هذه الإعلانات عن تعلم السحر هو الرسم على الجسم بالدم، والتمتمة ببعض الكلمات حتى تزلزل الارض وتنشق ويخرج الجن المراد! ولا يحذرك مثل هذا الدجال من كارثة إصابتك بلوثة عقلية وانت تمارس مثل هذه الطقوس الغريبة.

 ومتابعة لمطالب البعض التي تكشفها أسئلتهم عبر التعليقات التي يتركونها على هذه الصفحة أو تلك، تكشف الكثير من أصحاب الرغبات المريضة، مثال أحد الأعضاء يطلب من الدجال الوقيعة بين أعدائه لينتقم منهم، وأيضًا بعض السيدات، كل منهن تطلب محاصرة الزوج فلا يعشق سواها، وآخرون يريدون عملاً سفليًا للسيطرة على رؤسائهم بالعمل.

  طرأت في بالي مغامرة الدخول لاستكشاف ماذا يفعل الدجالون والسحرة أو هؤلاء الذين يديرون صفحاتهم على السوشيال ميديا، وبالفعل كتبت لأحدهم رسالة على الخاص أطلب فيها تعلم السحر، لأفاجأ به يريد مِني الانتظار لكثرة طلبات من يريدون تعلم السحر، لذلك قد يكون الرد متأخرًا، ولكن السعر لن يكون كثيرًا.  

 وبعد عدة أيام راسلته على الخاص مرة أخرى، فقال لي: والله انت بنت حلال، طلباتك مقضية اليوم، أنت برجك في أعلى حالاته، هكذا كما توقعت أنه سوف يتفنن في حيله المخادعة، وبدأ يقلب ويغير في نبرات صوته وطريقته بالكلام على حسب مرادي، هو ان كنت أريد حلا لمشكلة ما مثل تأخر الزواج، فتنقلب نبرة الى وجع وكأنه يشعر ما بداخلي ويتشقق قلبه من التعاطف معي، وإن كنت أريد الأذى لشحص ما للانتقام، تتحول كلمات الدجال إلى لهجة الحارس والمنقذ الوحيد لي. وحسب ما أخبرتني إحدى المتابعات لهذه الصفحات أن جميعهم يساومونك على مبالغ كبيرة باستدراجك مبدئيًا بمبلغ زهيد، وهناك ما هو أبشع إذ يساومون سيدات كثيرات على رغبات جسدية يطلبها الأسياد!

 تحدثت مع أحد الدجالين  الذي يزعم المقدرة على»جلب الحبيب»، بعد أن رويت له قصة خيالية، أنني فتاة في العشرينات وأحب رجلاً، لكنه يتجاهلني، وأريده أن يتزوجني بأي وسيلة ممكنة.

_مساء الخير .. انا عايزة اتجوز شخص ممكن تساعدني

الدجال : ابعتي الاسم وصورة ليكي

_هو انت مكانك فين عشان اجيلك

الدجال : من سوهاج بس مش محتاجة تيجي التعامل عن طريق التليفون

_ والفلوس قد ايه؟

الدجال :  2800 جنيه

_ طيب هتاخد الفلوس ازاي؟

الدجال : عن طريق حساب كاش.. واسبوع بالظبط وهيجي زوج المستقبل تحت رجلك لا تقلقي

لم يسألني حتى عن اسم او شخصية ذلك الحبيب المزعوم الذي سوف يأتي تحت قدمي كما قال، كل ما يريده أن أسرع بتحويل المال إليه أولاً، وبالطبع حين ميسرة سوف ينفذ كلامه!

حملة تطهير

  وبطبيعة الحال ليس كل ما في السوشيال ميديا شر مطلق، إذ أنني وجدت مثالًا جيدًا يجسده أحد الشباب من مدينة المنصورة، اسمه عمر السيد، دشن صفحة على موقع فيسبوك، يطلب فيها المعاونة على تطهير المقابر من خرافات السحر والشعوذة، فتواصلت «اخبار الحوادث» معه، والذي أكد انه أول من اقترح فكرة التطهير منذ سنتين، بعد أن وجد طلاسم على منزله، اقامها احدهم ليؤذيه، فقرر اقامة صفحة على الفيس بوك، ووجد اقبال شباب كثيرين تأييدًا للفكرة والاستعداد للمشاركة في إزالة هذا الأذى .

وفي اتصالنا به، يؤكد عمر أنه وجد غرائب الشعوذة وأشياء مرعبة على جماجم وأعضاء لمتوفين، وكان يبحث تحت مظلة الأمن وإشراف أحد مشايخ الازهر، لكي لا يخالف القانون، وأشار عمر إلى أنه لم يفتح المقابر، ولم ينبش قبرًا، لأنه يدرك ويحترم حرمة الموتى، ولكنه كان يبحث حولها، ومنذ ذلك الحين ظهرت الكثير من الحملات على مستوى المحافظات تتبنى الفكرة ذاتها، لمحاولة للتصدي للمجرمين من السحرة والدجالين، ومنع الأذى عن الناس.

قتل واغتصاب

 سمعت سيدة متزوجة اسمها»مريم» من محافظة قنا عن دجال مسن تأتيه السيدات من كل المراكز والقرى وبالتحديد ممن يعانين تأخر الإنجاب، وأقنعتها صديقة زوجة الدجال أنه يمكنه أن يفك عقدة عدم الانجاب عند زوجته التي تعانى منه منذ 8 سنوات، الغريب في الأمر أن الدجال أوهم أسرتها أن عملية علاجها تتطلب أن يكون معها وحده حتى يستطيع إحضار الجن الذى يساعده فى فك العمل لتستطيع الإنجاب، لكن الأعجب أيضًا أن الزوج استجاب لطلب «الدجال»، الذى دخل مع الزوجة، فى غرفة النوم داخل منزل الزوجية، وأعطاها مشروبًا ممزوجة به جرعات منومة، وحاول التعدى عليها جنسيًا، لكن مفعول المخدر لم يكن كافيًا لتخديرها واستطاعت مقاومته بسبب نحافة جسده، وكبر سنه ومع تعالى صرخاتها قرر الدجال الخروج وادعى أنه سيأتى فى وقت لاحق وقرر الهروب قبل أن تفضحه السيدة وتخبر زوجها بما حدث. لذلك ذهب شقيقها إلى الدجال المسن، وحدثت مشادات كلامية بينهما وانفعل عليه المسن وقال أنه سيسلط الجن على نساء العائلة، وسيتم معاشرتهن جنسيًا عقابًا على تعديهم عليه فاستدرجه أقارب الزوجة إلى الصحراء، وضربوه لتأديبه، غير قاصدين قتله، كما قالوا في تحقيقات النيابة، ثم ألقوه فى بئر عمقه 15 مترًا، حتى فارق الحياة، وبعد ذلك استطاعت المباحث العثور على جثة المجني عليه واعترف الجناه بالجريمة امام النيابة العامة .

 ولم تكن تلك الجريمة الوحيدة، ففي البحيرة، قتل دجال بسبب إقامته علاقة جنسية مع فتاة ومعاشرتها كالأزواج، حيث كان يتردد على منزل لعلاجها من «الاكتئاب»، ووجدت الأم اثار الاغتصاب على جسد نجلتها، فأخبرت أشقائها عن جريمة اغتصاب الدجال لشقيقتهم، فقتلوه وألقوا بجثته في المصرف. 

الدين والقانون

 وبحثًا عن تحصين اخوتنا وأخواتنا ومواطنينا من الوقوع فرائس بين أنياب هؤلاء المشعوذين تواصلت «أخبار الحوادث» مع د. مصطفى سعداوي أستاذ القانون الجنائي، والذي أكد أن الدجل والشعوذه أحد طرق النصب، وعقوباتها في قانون العقوبات تصل الى السجن 3 سنوات، أنه فى حالة ثبوت أن المشعوذ مارس الجنس مع ضحاياها دون رغبتهم وتحت القوة أوباستخدام المخدر فإن القضية تتحول من جنحة نصب إلى جناية هتك العرض، وتعتبر جريمة اغتصاب، وتصل العقوبة فيها إلى السجن المؤبد.

 وتؤكد د. فادية ابو شهبة أستاذ القانون الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية على أن الدجال اوالنصاب هو من أذكى المجرمين، لانه يجلب الضحايا إليه عبر تلاعبه بالكلمات ليسيطر على عقولهم، بعد أن يرسل من يتكلم عنه أمام الضحايا، بأنه ملبي الرغبات، وايضا يعلم حالتهم الاجتماعية وما يريدونه من الدجال، فتجلس الضحية امامه وتذهل من معرفه أشياء عنها، ولكن في الحقيقة هي منّ تكلمت مع شركائه قبل دخولها إليه، تمامًا مثلما حدث مع السيدات في الفيلم الشهير للفنان الكوميدي اسماعيل يس وهو يقوم بدور الشيخ ناصح الدجال! وتشير د. أبو شهبه إلى أن الجهل بالدين والعلم هو السبب لوجود الدجالين النصابين بيننا في المجتمع، وإذا كان فعلاً الدجال قادر على فعل المستحيل، لكان جعل نفسه من أغنياء العالم او مسؤول مهم في مكان ما.

 أما الشيخ حمدي نصر إمام وخطيب بوزارة الاوقاف، فيقول: اتفق العلماء على أن تعلم السحر وتعليمه وممارسته حرام شرعًا، واستدلوا بقول الله تعالى «وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ»، ويضيف؛ السحر هو خداع وتخيل على غير حقيقته فهو ضرر ليس فيه نفع، كما قال تعالى «وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ» اذا فتعلمه وممارسته حرام. ويوضح الشيخ حمدي قائلاً: للأسف كثر في زماننا أهل السحر والدجل والشعوذة، وكثر من يترددون عليه، وهذا مخالف لصحيح العقيدة وثوابت الشريعة، وأكد أهل العلم على أن من يذهب الى ساحر ويسأله غيبًا فقد وقع في الحرمانية، وبناءً على ذلك؛ لا يجوز الذهاب إليهم  أو سؤالهم، وكل من استعان بساحر أو مشعوذ لإيذاء غيره فهو شريك له في الجرم.