الأكل المصري

الأكل المصري: الطـبيعة تطبخ الأكل النوبـي

الأكل النوبـى
الأكل النوبـى

منى سراج

هناك وجبات مصرية تميزت عالمياً، واشتهرت بين السائحين الأجانب، وانتشرت على معظم وسائل التواصل الاجتماعي، ولأن الوصول إلى العالمية يتطلب التميز والإبداع والإتقان، فكان هذا هو سر تميز المطبخ النوبي، والذى صُنعت جميع أكلاته من مكونات الطبيعة ومن أوراق الشجر، ودون إضافات صناعية وبسعرات حرارية أقل.. فى السطور التالية نستعرض أشهر أطباق الطعام النوبى المفضل عالمياً.. تمتاز السُفرة النوبية بتنوع أطباقها الفريدة، وبينما يعشق الأجانب الأكلات الغريبة على ثقافتهم، يميل المصريون الذين يزورون بلاد الذهب إلى تناول طواجن اللحم والدجاج، أما سر الصنعة فنتعرف إليه من أصحابه المتخصصين فى طهو أشهى وألذ الأطباق النوبية.

فى واحدة من أشهر القرى النوبية بمدينة أسوان، التقينا الطبّاخة المصرية مروة مصري، صاحبة بيت فندقى على الطراز النوبى القديم لكن بلمسات عصرية.. تؤجره للسائحين الأجانب والمصريين.. وقد اشتهرت بطبق "الملوخية بالسناسل"، الذى يطلبه منها السائح الفرنسى والألمانى على وجه التحديد، بل ويحجزون موعداً معها قبل مجيئهم من بلادهم ليضمنوا دورهم فى تناول هذه الأكلة المميزة فور وصولهم.

السائحون والسناسل

تقول مروة لـ"آخرساعة": تتميز "السناسل بالملوخية" بأنها وجبة صحية تُصنّع من مكونات طبيعية، وليس بها مواد حافظة، ولا تتسبب فى زيادة الوزن، لذا يفضلها السائح الأجنبي، لافتة إلى أن "السناسل" نوع من الخبز يستخدم مع "الملوخية والويكة أو البامية الناشفة" فقط، يشبه خبز "الكريب السوري"، لكنه يؤكل مع الخضار وليس مع اللحوم والدجاج، وطريقة صنعه تتم بتخمير العجينة بخميرة طبيعية بدون إضافات صناعية ومكونة من الدقيق والماء فقط، وتترك إلى اليوم التالى أو لمدة ساعتين تحت أشعة الشمس غير المباشرة من بعد توقيت أذان العصر حتى أذان المغرب، ثم تعجن بعد ذلك مع الدقيق الشامي، وتفرد فى صاج ثم توضع على نار متوسطة وتقلب على الجانبين، لتقدم مع وجبات الفتة أو تغمس مع كل ما هو مكوَّن من خضراوات، وتأتى الملوخية على رأس الخضراوات المفضلة مع السناسل سواء "مغمسة أو مفتوتة".

تضيف: يأتى إليَّ الفرنسيون كل فترة ليأكلوها فقط ثم يذهبوا، وسر إعجابهم بها أنها طبيعية وليس بها إضافات صناعية، كما تعد وجبه صحية بالنسبة إليهم، فلا تزيد الوزن لأنها بلا سعرات حرارية عالية، لذلك يحبونها.

الارتواء السريع

يقول زيزى صيام، مدرس لغة نوبية بمشروع "بين الصفوف" التابع لمؤسسة "مصر الخير": قدمت فيلماً قصيراً عن المطبخ النوبى لاقى رواجاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعى بين السائحين والمصريين، تحدثت فيه عن مشروب "الأبريق" الشهير، الذى يكثُر تناوله فى شهر رمضان لتميزه بقدرته الفائقة على مقاومة العطش لساكنى المناطق الحارة، وذلك بسبب سرعة امتصاص الجسم له، وإعطاء الشخص الشعور بالارتواء دون شعور الضيق بامتلاء المعدة، خصوصاً أثناء الصيام.

تفضيلات الأطفال

مروة عبدالرازق، ربة منزل، تتحدث عن أهم ما يفضله الزائرون فى وجبة الإفطار، وهو "الكريب أو الفتيي" المعجون بالماء والملح فقط دون البيض واللبن مع طبق العسل أو المِش أو اللبن الرائب أو البيض المسلوق ثم البطاطس والباذنجان والطعمية، أما الأطفال فيطلبونه دائماً محشواً بالجبنة، وأحياناً قد يطلب بعض الزبائن معه فى وجبة الإفطار طواجن الخضراوات مثل "الباكورا" المكوَّنة من البصل والدقيق أو طواجن البيض المحمر مع الملوخية.

طاولة الإفطار

الشيف شعبان دمرداش، رئيس طهاة وحاصل على جوائز عديدة فى فن الطبخ النوبي، يصف لنا كيف تكون وجبات يوم كامل فى بلاد الذهب، حيث يقول: تبدأ الوجبات بطاولة الإفطار فى الصباح الباكر كما يفضلها الضيوف، حيث يوضع فى منتصف الطاولة "الكرماديد" المعجون مع الحلبة بعد تحميصها ثم تصفيتها وعجنها مع الدقيق ثم تقطيعها إلى كرات معجونة بالماء المثلج، ثم توضع فى الماء المغلى بطريقتين، إما مع الملح والكمون لتؤكل مع فتة الحليب وإما مع السكر لتؤكل مع العسل الأسود والطحينة، وإلى جانب الطاولة يوضع "الأمبنيس" وهو الطماطم المقطعة مع البصل والثوم وتقدم مع "عيش الخماريت"، وعلى الجانب الآخر يقدم "الشلولو" حسبة رغبة الزبون، وبعد ذلك طبق الشعرية باللبن المميز بطعم الشعرية التى تُصنع فى البيوت وتحمر بالسمن البلدى وتسوى بالماء ثم يضاف إليها الحليب، وهى وجبة أساسية وضرورية للضيوف و"العرسان" تحديداً.

طاولة الغداء

يتابع: أما طاولة الغداء فنقدم فيها كل ما لذ وطاب، وفى هذا "البوفيه المفتوح" نجد وجبة "كارى نيبول" المكونة من طاجن السمك مع ورق شجر الليمون أو شجر الموز، وفيها يُرص ورق الشجر بشكل جميل ويوضع فوقه الفحم ثم الأسماك مفتوحة ومرشوش عليها ملح وكمون فقط حتى يحتفظ السمك بلونه وطعمه دون تغيير، وبجانبه يوضع طاجن "ميكسى بط"، حيث يتم وضع البط مفتوحاً من المنتصف ويتم تغليفه جيداً بأوراق شجر الجوافة أو شجر الموز أو المانجو والفحم ثم يُدفن فى التراب الأحمر الذى يميز جبال أسوان.. ويتميز هذا الطاجن بأنه رقم واحد فى العزائم والولائم النوبية.

يضيف: نقدم أيضا "كفتة نفرتاري" المصنعة بالفول السودانى والمرصوص عليها بشكل جمالى كلوحة فنية، و"الأريج كاش بول" المكون من لحم الضأن المقطع قطعاً صغيرة جداً، ويتم إنضاجه على نار هادئة تكاد تشبه ضوء الشمعة، ثم وجبة "كاريم بشيش" وهى طواجن السمك المقدمة مع الصلصة و"الكاريم" وهو عبارة عن قمح يشبه البليلة، أما لحم الاستيك على هذه المائدة فيتم تقديمه بشكل مختلف، فيطحن معه الفول السودانى والبقسماط ويوضع على شواية رفيعة وتُرص بجانبه شرائح الفلفل الحار والليمون والشطة.  

ويؤكد شعبان: جميع اللحوم والطيور التى نستخدمها فى مطبخنا تكون طازجة، وبلدي، وعمرها صغير، ولأنه لم يكن موجودا فى النوبة قديما ما يسمى بورق السلوفان أو ورق الألومينيوم فلذلك الاعتماد على الأشجار التى تحتوى على نكهة، ومن هنا اشتهرت وجبات السمك المدخن بالتفاح أو بنشارة الخشب، واللحوم المطبوخة داخل الحلة القديمة والمقطع بداخلها خشب الفاكهة ليتم فيها عملية إنضاج اللحوم أو الدجاج المخلى من الجلد، أو السمك أو الجمبرى مع البصل والثوم والشطة الكثيرة بالتسوية بلهب الدخان فقط، ويحدد وقت التسوية وفق نوع الدجاج ووفق مهارة الشيف، مؤكداً أن التوابل والبهارات تعد من أعظم أسرار الصنعة، ويمكن لأى شخص اختبار هذا بعد القيام بتجربة بسيطة، على سبيل المثال يمكننا وضع البطاطس المسلوقة فى ثلاثة أطباق نطعم أولها بالكمون والثانى بالفلفل الأسود والثالث بالكسبرة الناشفة، سنجد الأسوأ طعماً هو الطبق الثالث، وهذا يعد دليلا على دور التوابل فى الطعم النهائى للطبخة.

المائدة ونهر النيل

وفى النهاية التقينا مدحت مكي، الشهير بـ"عزام" صاحب "كنداكا نوباين هاوس"، لنعرف منه سر نجاحه وسر إقبال السائحين عليه حتى فى أثناء فترة الصيف والحرارة الشديدة، ليخبرنا بمدى حرصه على اجتذاب الطهاة المميزين ويرى أنهم العامل الأول فى انجذاب الضيوف إليه بجانب الديكورات المميزة التى تلتف حول المائدة المطلة على نهر النيل والتى تميز بيته المسمى بـ"نوبيان هاوس".