التربي هدم مقابر صدقة «بلودر» في طنطا

التربي هدم مقابر صدقة
التربي هدم مقابر صدقة

محمد عوف

جرائم كثيرة يرتكبها من ماتت ضمائرهم يوميًا من قتل واغتصاب وسرقة، ولكن في هذه الجريمة مات ضمير مرتكبها من أجل المال للدرجة التي يهدم فيها مقابر صدقة وبيعها لمقاول؛ هذا ما حدث فعلا في مقابر عوارة وهي أكبر مقابر صدقة في طنطا، حين ألقى التربي بالجثث ورفات الموتى في صناديق القمامة والشارع، التفاصيل في السطور التالية.

بينما كان الهدوء يسود منطقة مقابر عوارة بطنطا، يتردد العشرات من المواطنين عليها كالمعتاد لزيارة موتاهم المقبورين تحت الأرض وقراءة الفاتحة على أرواحهم والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، كان تُربي المنطقة «م أ» المسؤول عن فتح المقابر ودفن الموتى يشرع في هدم حوش يضم 8 عيون، اثنتان منها ملك عبد المحسن بدر وزوجته فاطمة السيد صبرة والثالثة باسم عبد الفتاح بدر و5 عيون صدقة جارية تابعة لوقف سيدي عبد الرحيم؛ يلفت ذلك نظر الأهالي، يتجمع بعضهم حوله للاستفسار عن الأمر، وبثقة ظنها سوف يصدقونها، أخبرهم أن أحد فاعلي الخير تبرع لترميم الحوش بعد أن تهالكت جدرانه، وصار مهددًا بالانهيار في أي لحظة، فانصرف الأهالي وهم في حيرة، وانتظر التُربي حتى خفت أقدام زوار المقابر واطمأن لعدم تواجد أحد بعد منتصف الليل وبدأ في تنفيذ مخططه لهدم الحوش بغرض استثمار قطعة الأرض وبيعها لأحد الأشخاص، وبصوت خافت اتصل بسائق لودر واستدعاه لكي يهدم الحوش سريعًا قبل أن يحين وقت الفجر، ورَفعَ أنقاضه وألقاها في أحد مقالب القمامة القريبة من المقابر، كان العائق أمامه الجثث والهياكل العظمية المختلطة بالأنقاض ماذا يفعل فيها؟، الحل السريع لديه حتى لا يضيع الوقت نقل الجثث الملفوفة بالأكفان كما هي وتركها بالمقابر المجاورة أما بقايا العظام والرفات فقام بتشوينها فوق سيارة نقل مختلطة بالرمال والأتربة والطوب الناجم عن مخلفات الهدم والحفر وألقاها في مقلب القمامة، وأصبح كل شيء على ما يرام كما ظن، لكن بعض الأهالي علموا بما حدث وآثار ذلك حفيظتهم؛ فأبلغوا النجدة، انتقل الرائد محمود عبد الجواد رئيس مباحث قسم ثان طنطا ومعاونوه لمكان الواقعة للمعاينة.

فين جثة بابا؟

تبين هدم الحوش وإلقاء الجثث بشكل متناثر في أماكن مختلفة، وفي لحظات يتجمع عدد كبير من أقارب الموتى المدفونين في تلك المقابر بحثًا عن موتاهم بعد أن اختلطت الجثث ببعضها، صراخ وعويل، شخص يتساءل أين جثة والدي؟ وسيدة تصرخ أين جثة زوجي، ده لسه مدفون من 3 أيام هنا، وأخرى تبكي، فين جثة أمي؟ الكل يجرى للبحث وسط الجثث الملقاة على قارعة الطريق عن جثة قريبه، الصدمة تنتاب الجميع، منهم من استطاع التعرف على الجثة المفقودة والبعض لم يتمكن نظرًا لمرور مدة طويلة على الوفاة وتحولها إلى رفات وعظام، قام الأهالي بتجميع عظام الموتى وبعض بقايا جثث المتوفين حديثا والجماجم لإعادة دفنها من جديد وأدلى عدد منهم بأقواله أمام النيابة حول ملابسات الواقعة.

«أخبار الحوادث» انتقلت لمقابر عوارة بطنطا لرصد الواقعة على الطبيعة، والتقينا بعدد من الأهالي حيث أكدت فهيمة عبد المحسن الدسوقي؛ أن والديها وعددا من أقاربها مدفونين في مقبرة العائلة منذ فترة طويلة وكانت تداوم على زيارتهم، من حين لآخر وعلمت من الأهالي بقيام الدفان بهدم التُرب، وتم الاتصال بالنجدة وأخذ أقوالنا في النيابة.

ويضيف رضا محمد أحد شهود العيان؛ أنه يقيم بالقرب من المقابر و فوجئ بسائق لودر يلقي ردم ومخلفات بمقلب القمامة وبها هياكل عظمية مما آثار فزعه وخوفه.

ويشير مجدي محمد؛ أنه عندما علم بالواقعة حضر ووجد الجثث متناثرة في الشوارع المحيطة بالمقابر بعد إحضار الدفان لودر وهدم المقابر قام بتكسير ٣ مقابر خاصة بعائلته، وأضاف؛ تعرفت على جثة والدي لأن بها علامات واضحة في وجهه لكونه كان ملتحيًا  وعلامة بارزة بأسنانه ولا أعرف أين سأدفنه هل مع خالي وأمي أم في مكان آخر حيث يوجد نحو ١٨ جثة ما بين قديمة وحديثة متناثرة وبعضها بها دماء لحداثة دفنها وهناك كثير من الأطفال عثروا على عظام في الشوارع.

ويؤكد ناصر الطباخ؛ أن الدفان في البداية ادعى تجديد المقابر وترميمها وطلبنا منه التوقف إلا أنه قام ليلاً بإحضار لودر وبدأ في هدمها وطلبنا شرطة النجدة، وتم فرض حراسة على المقابر والمثير أنه قد حدثت مشاجرات بين بعض المواطنين للخلاف على رفات وعظام الموتى لاعتقادهم أنها تخص موتاهم.

ويسرد صالح زكي تفاصيل أخرى قائلاً؛ أن والدي دُفن منذ عشرة أيام، ولم أعثر على جثته حتى الآن بعد إزالة المقابر وتوجد عشرين جثة تم انتهاك حرماتها متساءلاً من أعطى له الحق في ذلك مطالبًا بتشديد الإجراءات التأمينية داخل المقابر لعدم تكرار ظاهرة السرقة والمخالفات القانونية التي تحدث بداخلها. 

مفاجآت بالتحقيقات

كشفت التحقيقات التي أجريت مع المتهم ومسئولي الجبانات بمركز ومدينة طنطا؛ أن أحد المتبرعين ويدعى «م م ا» قد تقدم بطلب للإدارة العامة للشئون الهندسية «وحدة الجبانات» للحصول على ترخيص هدم وبناء مدفن الصدقة حق انتفاع، وبعد استيفاء الإجراءات صدر الترخيص رقم 237 بتاريخ 4 أكتوبر الجاري «هدم وبناء مدفن»، صدقة جارية (دون الانتفاع) لكونه وقف سيدي عبد الرحيم، إلا أن المتهم هدم المقابر بالكامل دون احترام لحرمة الموتى ودون اتباع الإجراءات اللازمة حيث أحضر لودر ونقل الجثث ورفات الموتى وألقاهم على قارعة الطريق، وخالف المتهم بذلك الأعراف والقوانين، حيث أنه من المتبع في مثل هذه الحالات والمتعارف عليه في عمليات هدم وإعادة بناء المقابر هو إحضار الدفان لإخلاء المدفن وتجميع عظام الموتى وأي جثة ويضعهم في مقبرة ثانية في وجود أقاربهم حتى يتمكن من الهدم وإعادة البناء ثم بعد ذلك يعيد العظام والجثث لمكانها الطبيعي مرة أخرى.

انتقلت لجنة هندسية من الإدارة الهندسية بمجلس مدينة طنطا للمقابر، وعثرت اللجنة على جثث ملقاة بجوار المقابر المجاورة، وعظام ورفات أموات وأوصت اللجنة بدفن الجثث والعظام فورًا كما تم إيقاف الترخيص لحين اتخاذ الإجراءات القانونية الخاصة بالهدم والبناء ونقل الجثث لمدفن آخر، لحين الانتهاء من أعمال الهدم وإعادة البناء.

ومن جانبها أمرت نيابة ثان طنطا بحبس التربي 4 أيام على ذمة التحقيقات، وتم تجديد حبسه 15 يومًا أخرى، بعد توجيه تهمة نبش 8 عيون بمقابر الصدقة وإخراج محتوياتها وهدمها للاستيلاء على مساحة الأرض بدون وجه حق، كما صرحت بإعادة دفن ١٨ جثة وعظام من جديد بحضور أعضاء لجنة الجبانات بمجلس مدينة طنطا وفي حضور أهلية وأسر المتوفين.

ولعل هذه الواقعة المثيرة لم تكن الأولى من حيث الاعتداء على حرمة الموتى، فقد شهدت نفس المنطقة منذ ثلاثة أشهر واقعة سرقة أكثر من 60 بوابة حديدية، وتمكنت الشرطة من القبض على 3 أشخاص متورطين في الواقعة، مما أثار غضب واستياء أصحاب المقابر، مبدين دهشتهم من أن انتهاك حرمة الموتى وصل لهذه الدرجة، رغم أن هذه المقابر تقع بالقرب من المنطقة السكنية، فكيف يجرؤ أحد على سرقة هذا العدد من البوابات في وقت واحد، دون أن يشعر أحد بالمتهمين.

كما شهدت المقابر حادث اغتصاب طفلة صغيرة على يد سائق توك توك منعدم الضمير اختطفها واعتدى عليها وسط الأموات بلا رحمة، ثم أعادها لأسرتها وألقت الشرطة القبض عليه وأحالته للنيابة التي قررت حبسه، ويطالب الأهالي بتركيب كشافات إنارة في المقابر وتعيين حراسة أمنية عليها حتى لا تتكرر مثل هذه الجرائم مرة أخرى.