آباء آخر زمن .. تخلصا من ثمرة الزواج العرفي أمام باب المسجد

تخلصا من ثمرة الزواج العرفي
تخلصا من ثمرة الزواج العرفي

إسلام عبدالخالق

على بُعد خطوات من باب مسجد الحاجة زبيدة سالم، المعروف وسط بندر مركز ومدينة أبو كبير بمحافظة الشرقية، وبينما يُسدل الليل أستاره على المنطقة ويُغط أهلها في نومٍ عميق، شق سكون المنطقة صوت صريخ وبكاء طفل رضيع على مقربة من باب المسجد، قبل سويعات من رفع آذان الفجر ، ليجذب الصوت قلب كل من يسمعه، لكن أول الحاضرين كان أحد أهالي المنطقة المعروف بين الجميع بحبه للأطفال وحنانه عليهم.

اقترب الرجل من الرضيع يتفحصه، وما أن تبين ملامحه وهيئته حتى أخذ يضرب كفًا بأخرى وهوّ يتأسى على حال الدنيا وما وصلت إليه نفوس البشر؛ إذ عثر على الطفل في حالة يُرثى لها والدموع تغطي وجهه، لكن تبين فيما بعد أن الصغير بالكاد أتم شهره السادس بعد عامه الأول ، فيما لم يُعثر رفقته سوى على شنطة ملابس أُلقيت إلى جواره، وبفتحها وُجدت عدة غيارات للصغير وكأن أهله قد تنصلوا منه وتركوه يواجه الخطر والدنيا وحده.

رق قلب الرجل للطفل الرضيع فالتقط له عدة صور ولحقيبته، وأذاع تلك الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ عسى أن يرق قلب أهل الطفل ويندمون على ما فعلوا ويبحثون من جديد عنه، لكن هيهات؛ فالصغير ظل إلى جوار الرجل لثلاثة ايام كاملة بعدما ذهب الرجل به إلى مركز الشرطة وحرر بلاغًا حملَّ رقم 6185 إداري مركز شرطة أبو كبير لسنة 2021، قبل أن تتكشف أستار ما حدث.

فور تلقي البلاغ أمر اللواء عمرو رؤوف، مدير المباحث الجنائية بمديرية أمن الشرقية، بتشكيل فريق بحث جنائي قاده بالتنسيق مع قطاع الأمن العام، ليتمكن فريق المباحث الجنائية من كشف غموض واقعة العثور على الطفل الرضيع مُلقى أمام مسجد الحاجة زبيدة سالم ببندر مركز أبو كبير؛ إذ تبين أن وراء ارتكاب الواقعة والدي الطفل، لكن المفاجأة كانت في طريقة ارتباطهما وتوقيت التخلص من الرضيع وسبب تركه في الشارع بعدما أتم عامًا ونصف العام.

ألقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الشرقية القبض على والدي الطفل، اللذين تبين ارتباطهما بعقد زواج عرفي منذ ثلاث سنوات، وأن علاقتهما تلك أسفرت عن حمل الأم وإنجابها الطفل قبل عام ونصف العام، وأنهما كانا يعيشان كما لو كانت زيجتهما شرعية، إلا أن الزوج، وقبل عدة أيام من الواقعة، أخبر زوجته بضيق حالهما وعدم قدرته على تحمل نفقات الصغير، ليُقرر في النهاية أن يتخلص منه ويتركه إلى جوار أحد المساجد المعروفة، عسى أن تتلقفه يد إنسان يحنو عليه ويربيه ويُنبته إنسانًا سويًا بعيدًا عنهما وعن ضيق معيشتهما.

وسوس الرجل إلى امرأته حتى اقتنعت بما ينتويه، وما أن هبط الليل على المنطقة التي يسكنانها حتى أخذ الرجل طفلهما وحمل الحقيبة التي تضم حاجياته وغياراته وذهب يتخفى بين الطرقات ليترك الصغير أمام باب المسجد ويلوذ بالفرار كمن يرتكب جريمةً كبرى.

جرى ضبط الزوجين، وبمواجهتهما أقرا بما أسفرت عنه التحريات، وأنهما قد تخلصا من طفلهما (رضيع ذكر عمره عام ونصف العام) وتركه الزوج أمام مسجد الحاجة زبيدة سالم ببندر مركز ومدينة أبو كبير، وترك الأب حقيبة بداخلها ملابس للطفل الرضيع إلى جواره ولاذ بالفرار.

الزوجان أقرا بأنهما قد تخلصا من الطفل لعدم قدرتهما على الإنفاق عليه، فيما جرى التحفظ عليهما تحت تصرف جهات التحقيق، بعدما أكدت الزوجة على أنها لم تكُن تريد أن تتخلص من طفلها لكن زوجها تودد إليها تارة وأقنعها تارةً اخرى بضيق الحال وأنه لا يقوى على تحمل نفقات الصغير، واستعان في سبيل ذلك بالمقارنة بين حالهما بعد الزواج بعقدٍ عرفي قبل مجيء الطفل إلى الدنيا بعام ونصف العام، وبين نفس المدة منذ مجيء الطفل، في مقارنةً شيطانية وسوس بها إلى عقلها حتى رضخت له وأعطته الطفل، بل وجهزت له كذلك الحقيبة التي تضم قطع الملابس والغيارات التي يرتديها الصغير، لكن قلبه لم يرق لحالها أو حال طفلهما وهوّ يحمله ويذهب بهِ دون رجعة.

انتهت الزوجة من حديثها وأوضحت كل ما فعله وارتكبه زوجها، فيما لم يُنكر الزوج أيٍ من العبارات التي تفوهت بها زوجته، لتُقرر جهات التحقيق في نهاية الأمر حبس الأب المتهم بتهمة ترك ابنه الرضيع وتعريض حياته للخطر وهوّ في هذه السن الصغيرة بزعم عدم قدرته وزوجته على الإنفاق عليه أو تحمل نفقاته، فيما قررت جهات التحقيق إخلاء سبيل الأم بضمان محل إقامتها ما لم تكُن مطلوبة على ذمة قضايا أخرى، وإيداع الطفل الصغير بإحدى دور الرعاية التابعة لمديرية التضامن الاجتماعي بمركز ومدينة كفر صقر؛ بعدما تبين عدم قدرة والديه على تحمل مسؤوليته.