ليغفر لى أبى

ليغفر لى أبى
ليغفر لى أبى

أعيش معزولة فى حجرتى، ابكى ليل نهار، اتحدث مع نفسى كالمجنونة، بعد أن اعتزلنى الجميع ،لا أحد يقترب منى، أنا بالنسبة لهم عار وعليهم الابتعاد عنه حتى لا يطالهم دخانه ..

 اعترف اننى مخطئة ،تناسيت عمرى، وعائلتى، هرعت وراء عواطفى، ولم أدرك جرم ما اخطأت، لكن املى ان يغفر لى ربى، وان يسامحنى ذلك الرجل الذى يقبع فى الحجرة المجاورة لى، أريد منه ان يفتح بابه ليرانى، فمنذ خطيئتى، ولم نلتق رغم انه لا يفصلنا عن بعض سوى جدار من الحجارة بنيناه معا فى سعادة، واليوم اصبح حاجزا بيننا.

انا لا أخشى الموت، رغم اننى اسمعه ليل نهار من شقيقى الوحيد الذى كلما طرق باب حجرتى المغلقة القى على بكلمات التهديد والوعيد، بل ورغم كل ذلك فانا اشفق على صرخات امى وبكائها المستمر، ولطمها الخدود كلما ورد اسمى على لسانها .


ما يهمنى فى هذا العالم، هو ذلك الأب الملاك، الذى اعتزل الحياة منذ ان ارتكبت خطيئتى، أعلم أنه حائر بين قلبه وعاداته ونظرة الناس إليه.


هو الآن يصارع الطرفين معا، فهم يريدونه سفاحا، وقلبه يريده حنونا، لكنه عندما يعجز عن المقاومة، يبكى كالطفل، ثم يعتزل الجميع فى حجرته.


أخشى على أبى من الحزن، فقلبه ضعيف وعينيه أصابها الوهن، والموت قد يطرق باب حجرته فى أى وقت، وقتها سأطعن نفسى بكل ما أوتيت من قوة، لاننى السبب فيما يعيشه من معاناة الان .


انا ابنة الريف، فتاة من احدى قرى محافظة البحيرة، من عائلة لها اصول بدوية، تتمسك بالعادات والتقاليد، فالمراة عندهم كائن لا يراه غريب، ولا يصدر صوتا مرتفعا، ولا يتحدث فى امور العامة، فسمعا وطاعة كلمات لا تفارق لسانهن، والتمرد لا يعرف لحياتهن طريقا .


رغم ان والدى ووالدتى «ـميين»، الا اننى وشقيقى نلنا قسطا من التعليم ،حتى دخلت أنا وشقيقتى الجامعة وتخرجت شقيقتى الكبرى من كلية الاداب، وانا مازلت فى السنة الثالثة من كلية التربية، فى حين اكتفى شقيقى بشهادة الدبلوم .


حرص والدى ذلك التاجر البسيط على ان يعزلنا عن عادات وتقاليد عائلتنا، منحنا حرية الاختيار والاعتراض، أعطانا هامشا كبيرا فى إبداء الراى، وأزال كل القيود حولنا، تحدى بنا الجميع، وراهن على أخلاقنا، فكلمته الشهيرة «لن يخذلنى الله فى بناتى» كانت الستر الذى يحمينا من جشع وطمع من حولنا، حتى جاء اليوم الذى كسرت فيه هذا الستار، وخذلت ذلك الجسد الذى يقبع حزينا بجوارى .


منحنى الله وشقيقتى جمالا أوروبيا، عينان خضراوان وجسد ممشوق ولباقة فى الحديث، كانت شقيقتى أكثر منى تعقلا فى نظرتها للأمور المستقبلية، اما انا فكنت متمردة على كل شىء، احلم ليل نهاربفارس يأخذنى على جواده ويطوف بى العالم، تمردت على الوضع الذى اعيشه، تحررت بشكل كبير، فى ملابسى، وحديثى، خروجاتى، لم أعد ابنة الريف، فقد أجبرت الجميع على ان يعاملونى، اننى صاحبة السعادة التى تزور الريف للنزهة فى مزارعه فقط كل شم نسيم، كما كان يحدث فى قريتى .


رغم كل ذلك كان أبى يدافع عنى، وسط ثورة والدتى وشقيقى الأكبر وأعمامى، هم يحاولون تقييدى، إخضاعى لعاداتهم وتقاليدهم، يضغطون على أبى، فى أن اتزوج، وأكمل دراستى فى منزل زوجى، لكنه كان وحده يدافع عنى وسط كل هذه الامواج، حتى جاءت اللحظة التى قرر فيها ان ينصاع للجميع، تحدثت القرية عن علاقتى بابن الطبيب، اختلقوا قصصا وروايات، كان جزءا كبيرا منها صحيحا، والجزء الآخرمختلق، لم أنتبه الى حديث الناس، تناسيت عائلتى واستمررت فى علاقة الحب مع هذا الشاب، حتى علم ابى، خشى على من حديث الناس، قرر ان ينصاع لضغوطات الجميع، طلب منى ان اتوقف، بدأ لاول مرة فى تقييد حريتى، جعل من اخى حارسا ملاصقا لى فى خطواتى وتحركاتى .


كان معظم تفكيرى فى كيفية التخلص من رقابة اخى، حتى هديت الى خطة شيطانية، اتفقت انا و زميلتى فى الكلية على الايقاع بأخى، طلبت منها أن توهمه بالحب، وتخرج معه، حتى يتاح لى مقابلة ابن الطبيب، لكن أخى اكتشف الحيلة، أخبر أسرتى أننى مازلت أقابل ابن طبيب القرية، فقرر والدى فتح باب الخطوبة فى العائلة .


أيام وتقدم إلى ابن عمى لخطبتى، أخبرنى أنه يحبنى منذ الصغر، وأنه يكتم هذا الحب، خشية من أن أصده، حقيقة لم أنجذب إليه، فهو ابن عمى الذى يسكن معى فى نفس المنزل، هو فى مكانة أخى، ولم أعامله إلا هكذا طوال حياتى.


أبى كان له رأى آخر، لقد أخبرنى أنه وافق على الخطوبة من ابن عمى، طلب منى ان اتعرف عليه على انه خطيبى وليس قريبى، اخبرنى انه سيكون سندا لى فى الدنيا، فهو احن واطيب شاب فى العائلة .


قابلت نصائح ابى بابتسامة، قررت ان اجرب هذا الامر، فتاة طائشة مثلى لاتعرف حقيقة ما يحدث .


مرت الأيام وتمت الخطبة، حاولت التقرب منه، لكننى لم استطع، مازال فى نظرى هو اخى الذى لم تلده امى، ولا استطيع ان اعامله اكثرمن ذلك .


وسط كل ذلك، كنت أخدع الجميع اننى احببت ابن عمى، وانه ملاك من السماء، كل ذلك من اجل ان يمنحنى الحرية فى الذهاب الى الجامعة والعودة فى وقت متاخر .


رغم ذلك هناك حقيقة لا أنكرها، كان يشجعنى خطيبى على المذاكرة، ويحزن اذا تاخرت يوما عن الذهاب الى الكلية.


لم استطع ان انسى ذلك الشاب الذى اعشقه، تقابلنا فى الكلية، عادت بيننا قصص الحب، لكننى كنت حريصة على أن أعيش بشخصيتين، واحدة تخدع حبيها واسرتها، والاخرى لاترى فى قلبها الا ابن الطبيب .


مرت الشهور وقرر ابى استعجال موعد الزفاف، اعترضت على هذه الخطوة وطلبت تأجيلها لحين الانتهاء من الجامعة ،رفض ابى، لكن خطيبى تدخل واقترح ان يتم كتابة الكتاب «عقد الزواج» على ان يؤجل الزفاف الى ما بعد انتهاء الجامعة.حقيقة لم أمانع، مرت الايام، وكنت التقى بذلك الشاب فى أماكن عدة بمدينة دمنهور، نخرج ونلهو، ونجلس فى الكافيهات بالساعات نتحدث، حتى جاءت اللحظة الفاصلة، توطدت علاقتى بالشاب، أزلنا كافة القيود، تحسس جسدى اكثرمن مرة وبدافع الحب لم اعترض .


وفى إحدى الخروجات، ونحن فى سيارته، قام بتقبيلي، ثم ركن بسيارته فى مكان مظلم، واخذ يتحسس جسدى، تركت له نفسى، حتى رمقنا شاب صغير، ظل ينادى على أصحاب المحلات والمارة، ويشيرالى سيارتنا، وكان من ضمن المارة زوجى الذى اقترب من السيارة، وعندما شاهدنى لم يفكر فى شىء واحد سوى إخراجى من أيدى وألسن الناس التى كانت تحاول الاعتداء على وسبابى .


وجدته يتخطى بجسده القوى الجميع، انا ابنة عمه قبل ان اكون زوجته، سحبنى من يدى، واخبر الناس انه شقيقى، وان هذا الشاب خطيبها، وابى لايريد استكمال الخطبة بينهما .


طوال الطريق لم يتحدث معى، رغم اننى حاولت ان أبرر له اسباب الجرم الذى ارتكبته، كل ما كنت أردده : والله ماحصل حاجة انا محافظة على شرفى»، لكنه لم يكن يستمع الى، وعندما اقتربنا من المنزل، اعلمنى انه سيخبر اسرتى بما حدث، وان علاقتنا انتهت من اليوم، ثم ألقى على يمين الطلاق».


بعدها امسك بيدى، ثم أدخلنى حجرتى وطلب منى ان أغلق الباب ولا افتح لاى شخص مهما كان، فقد يتهور شقيقى او والدى ويهدر دمى .


دقائق وسمعت صراخ امى، كلمات الحسبنة والعار كانت تلاحقنى فى حجرتى، اما شقيقى فقد هجم بشراسة وكأنه ذئب يبحث عن فريسته، وكاد يحطم الباب ليقتلنى، وسط كل هذا لم اسمع صوت ابى، كل ما كان يعنينى هو فقط، لا اعرف كيف أنظر فى عينيه؟ لقد خنت الأمانة التى ائتمننى عليها .


دقائق وصمت الجميع، وتحول صراخ عائلتى الى قصة تتحاكى بها نساء ورجال القرية، اصبحت منبوذة من الجميع، تحضرالى شقيقتى الاكل وكأننى سجينه، ثم تخرج مسرعة، ايام وانا على هذا الوضع انتظارا لقرار العائلة والحكم فى مصيرى هل ينصاعوا للعادات والتقاليد ويهدرون دمى، اما يحدث امر ما .


لكن كل يوم يمر يهدأ الجميع، حتى شقيقى، اصبح هادئا لم يعد يطرق بقوة على باب حجرتى، الامر اثار استغرابى هناك امر ما شغلهم، ماذا حدث ؟،

انتهزت احضار شقيقتى الاكل، وسألتها ماسبب هذا الهدوء ؟، اخبرتنى ان الجميع انتقل الى الحجرة المجاورة لى، هم يجلسون مع والدى الان، انه مريض، بمجرد ان سمع الخبر وهو منعزل فى حجرته، لا يتحدث مع احد، صامت فقط يعتمد على العصائر فى إطعام نفسه والأدوية حتى يستطيع ان يقاوم .


همست شقيقتى فى اذنى، وقالت، انت علاج والدك، هويحبك اكثرمن اى شىء، تأثربما فعلتيه، لا ياكل ولا يشرب، فقط جسد صامت، يحاول ان يهرب بعينيه عن كل سؤال يوجه اليه عن مصيرك .


أضافت «والدك اصبح مريضا، لا يستطيع أن يخرج ليواجه الناس، بارت تجارته، واعمامك وشقيقك يريدون الانقضاض عليك واهداردمك، لكن الأمر الوحيد الذى يمنعهم هو والدك، مازال يدافع عنك، يتحدث خلسة عن مرحك وحبك، لكنه لا يريد ان يراكى، قلبه يضعف، والطبيب حذره من الحزن»..

سقط كلام شقيقتى على كالدهر، انا لا أستطيع ان اخرج من حجرتى، حتى يأذن لى والدى، هكذا تربينا، لكننى لا أستطيع ان اصبر، اخشى عليه من المرض، أعلم ان قلبه كبير، واننى اشغل الجزء الأكبر فيه، املى ان يسامحنى، ان يغفر لى خطيئتى، ادعو ربى ليل نهار ان يتقبل دعواتى، وان اعود وارتمى فى حضنه مرة اخرى، الهو معه كالطفله، فبعده عنى يقتلنى، وحزنه منى لا أتحمله ..

رجاء أبى اقبل توبتى.

 

الطريق الصحيح

 

كنت صبورا معك، وانت تقصين لى مأساتك، ثلاثة أيام كاملة، وانت تتحدثين خلسة معى بصوت اكاد اسمعه .


أدركت من حديثك انك تتمنين قبول توبتك، وانك اصبحت قريبة من ربك، ولايهمك سوى رضاء ابيك .


لست هنا ناصحا، لكن عليكى ان تحاولى بكل الطرق إيصال رسالتك الى ابيك، عبر شقيقتك، اطلبى منه ان يسامحك، واعلنى للجميع توبتك وتوسلى المغفرة من الله والسماح من أسرتك .


أرى أنك تسيرين فى الطريق الصحيح، قربك من الله، ومحاولة توصيل ندمك الى ابيك وأسرتك، سيضعون نهاية لمأساتك ،شرط ان تخلعى شخصية الفتاة المتهورة والمتمردة التى بداخلك، وان تعودى الى جناح عاداتك وتقاليدك وحضن ابيك وأسرتك، وقتها ستكسبين احترام الجميع .

 

إقرأ أيضاً

بعد 3 سنوات.. اعتراف الخالة وزوجها في «سهرة أنس» بقتل طفلة شقيقتها الراقصة

محاكمة عصابة سيدات تسرق الرجال بصفحة زواج مزيفة