خواطر الإمام الشعراوي .. منهج حق ومنهج باطل

 الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

يقول الحق فى الآية 49 من سورة القصص: «قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» معنى «قُلْ...» أى: فى الردّ عليهم « فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَآ...» أى: أهدى من التوراة التى جاء بها موسى، وأهدى من القرآن الذى جاء به محمد مادام أنهما لم يُعجباكم «أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» يعنى: لو جئتمُ به لاتبعته.

 هذا يعنى منهجين: منهج حقٍّ جاء به محمد، ومنهج باطل يُصرون هم عليه، وهذا التحدى من سيدنا رسول الله للكفار يعنى أنه لا يوجد كتاب أهدى مما جاء به، لا عند القوم، ولا عند مَنْ سيأتى من بعدهم، وحين يُقر لهم رسول الله بإمكانية وجود كتاب أَهْدى من كتابه يطمعهم فى طلبه، فإذا طلبوه لم يجدوا كتاباً أهدى منه، فيعرفوا هم الحقيقة التى لم ينطق بها رسول الله، وهل يستطيع بشر أن يضع للناس منهجاً أهدى من منهج الله؟


 إذن: يقول لهم: «إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» وهو يعلم أنهم غير صادقين، لأن الله تعالى جعل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتَم الرسل، فلن يأتى رُسُل بعده، بحيث يأتى الرسول فتستدركون عليه فيأتى آخر بكتاب جديد، وأنتم لن تستطيعوا أنْ تأتوا بكتاب من عند أنفسكم؛ لأن كل مُقنّن سيأتى الذى يخدم مذهبه، ويُرضى هواه. لذلك نقول: ينبغى فى المقنِّن ويُشترط فيه:


 أولاً: أن يكون على علم واسع، بحيث لا يُسْتدرك عليه فيما بعد، وهذه لا تتوفر فى أحد من البشر، بدليل أن القوانين التى وُضِعت فى الماضى لم تَعُدْ صالحة الآن ينادى الناس كثيراً بتعديلها، حيث طرأتْ عليهم مسائل جديدة غابتْ عن ذِهْن المشرِّع الأول، فلما جدَّتْ هذه المسائل أتعبت البشر بالتجربة، فَطالبوا بتعديلها.


 ثانياً: يشترط فى المشرِّع ألاَّ يكون له هوى فيما يُشرِّع للناس، ونحن نرى الرأسماليين والشيوعيين، وغيرهم كُلٌّ يشرع بما يخدم مذهبه وطريقته فى الحياة؛ لذلك يجب ألاّ يُسند التشريع للناس لأحد منهم؛ لأنه لا يخلو من هوى.


 ثالثاً: يُشتَرط فيه ألاَّ يكون منتفعاً بشيء مما يشرع.


 وإذا اقتضت مسائل الحياة وتنظيماتها أنْ نُقنّن لها، فلا يُقنِّن لنا من البشر إلا أصحاب العقل الناضج والفكر المستقيم، بحيث يتوفر لهم نُضْج التقنين، لكن إلى أنْ يوجد عندهم نضج التقنين أيّ منهج يسيرون عليه؟،

فإنْ حدثتْ فجوة فى التشريع عاش الناس بلا قانون، وإلاَّ فما الذى قنَّنَ لأول مُقنِّن؟ الذى قنّن لأول مُقنِّن هو الذى خلق أول مَن خُلق.


 ثم يقول الحق فى الآية 50 من سورة القصص: «فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ».


 وهذا يعنى أن الله تعالى لم يطاوعهم إلى ما أرادوا، فلم يَأْتِهم بكتاب آخر، لكن كيف كان سيأتيهم هذا الكتاب؟ يجيب الحق تبارك وتعالى على هذا السؤال بقوله تعالى:»لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ» «الزخرف: 31».

إذن: الكلام عندهم ليس فى الكتاب، إنما فيمن أُنزِل عليه الكتاب، وهذا معنى: «فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ...».


ثم يقول سبحانه:»وَمَنْ أَضَلُّ...» يعنى لا أضل «مِمَّنِ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ الله...» أى: أتبع هوى نفسه، أما إنْ وافق هواه هوى المشرِّع، فهذا أمر محمود أوضحه رسول الله فى الحديث الشريف: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).


 فنحن فى هذه الحالة لا نتبع الهوى إنما نتبع الشرع؛ لذلك يقول أحد الصالحين الذين أفنوا عمرهم فى الطاعة والعبادة: اللهم إنِّى أخشى ألاَّ تثيبنى على طاعتى؛ لأنك أمرتنا أنْ نحارب شهوات أنفسنا، وقد أصبحت أحب الطاعة حتى صارت شهوة عندى.


 وأضلُّ الضلال أن يتبع الإنسان هواه؛ لأن الأهواء متضاربة فى الخَلْق تضارب الغايات، لذلك المتقابلات فى الأحداث موجودة فى الكون.

 

إقرأ أيضاً

خواطر الإمام الشعراوي .. جنود الله

خواطر الإمام الشعراوي| اللين فى النصح و«إن قابلوك بالقسوة»