محادثات موسكو حول أفغانستان.. نقطة انطلاق للعلاقات الدولية لطالبان

وفد حركة طالبان خلال مشاركته فى المحادثات الدولية بشأن أفغانستان التى استضافتها موسكو
وفد حركة طالبان خلال مشاركته فى المحادثات الدولية بشأن أفغانستان التى استضافتها موسكو

كتب - مروى حسن حسين

في محاولة لنيل اعتراف دولى بشرعية سلطتها، والحصول على مساعدات لتجنيب البلاد كارثة إنسانية ولتخفيف الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها، فى وقت تواجه تحديا أمنيا متمثلا فى «داعش - خراسان» ولضمان عدم تحولها ملاذًا آمنا للإرهاب، غيرت حركة طالبان المسيطرة على أفغانستان من استراتيجيتها ونفذت سلسلة من التحركات الدبلوماسية فى أكثر من وجهة دولية.


شاركت طالبان فى مؤتمر«صيغة موسكو»، الأسبوع الماضى وهو يعتبر مسارا روسيا جديدا ومنفتحا على الحركة، بعد سلسلة من المخاوف الأمنية والعسكرية التى عبرت روسيا عنها منذ سيطرة الحركة على أفغانستان، التى وصلت لدرجة إجراء مناورات عسكرية إقليمية مشتركة على حدود أفغانستان.


جاء الاجتماع فى وقت تتفاقم فيه مخاوف روسيا بشأن إمكانية توسع الفوضى والصراع المسلح بين حركة طالبان والتنظيمات المتطرفة داخل أفغانستان. وتثير هذه التطورات مخاوف روسيا من إمكانية تحويل المتطرفين فى أفغانستان إلى قاعدة تمركز بالنسبة لهم، والتسرب منها إلى روسيا والجمهوريات الحليفة لها على حدود أفغانستان.


دعا البيان الختامى للمحادثات التى شارك فيها مسئولون من 10 دول بينها الصين وباكستان، إلى العمل مع حركة طالبان، من أجل «الاستقرار الإقليمي»، كما طالب الحركة باتخاذ تدابير إضافية لتحسين نظام الإدارة العامة، وتشكيل حكومة شاملة تعكس بشكل مناسب مصالح جميع القوى العرقية السياسية الرئيسية فى البلاد، مع انتهاج سياسة داخلية وخارجية معتدلة وحكيمة.. وأعربت الأطراف المشاركة فى الاجتماع عن احترامها لسيادة أفغانستان واستقلالها وسلامة أراضيها، وأعادت التأكيد على التزامها بإقامة أفغانستان كدولة سلمية وغير قابلة للتجزئة ومستقلة ونامية اقتصادياً، وخالية من الإرهاب والجرائم المتعلقة بالمخدرات، واحترام معايير حقوق الإنسان الأساسية.. وحثت على ضرورة بناء مزيد من التفاعل العملى مع أفغانستان مع مراعاة الواقع الجديد، بما فى ذلك وصول حركة طالبان إلى السلطة، بغض النظر عن الاعتراف الرسمى بالحكومة الأفغانية الجديدة من قبل المجتمع الدولي.
وفى أعقاب انتهاء محادثات موسكو، دعا وزير الخارجية الروسي، سيرجى لافروف، الذى أبدى أسفه لعدم انضمام الولايات المتحدة للاجتماع، الأممَ المتحدة لعقد مؤتمر دولى للمانحين.

من جانبه أكد نائب رئيس وزراء حكومة حركة طالبان، عبد السلام حنفي، أن الحركة لا تحتاج إلى مساعدة عسكرية من الخارج، ولكن «مساعدة لإعادة إعمار البلاد». مشيرا إلى أن الحركة ملتزمة بتعهدها بعدم القيام بأى إجراء عدائى ضد أى دولة أخرى منذ قمة الدوحة.

وكان وفد من طالبان قد عقد اجتماعا فى الدوحة مع مسئولين أوروبيين وأمريكيين، هو الأول بين الأطراف الثلاثة منذ سيطرة الحركة على أفغانستان، وذلك فى لقاء تزامن مع تعهد مجموعة العشرين التعاون لتجنيب البلاد كارثة إنسانية.

ويبدو أن الحكومة الجديدة للبلاد أدركت عددا من أوراق الضغط فى التعامل مع المجتمع الدولى خاصة ورقة المهاجرين التى تسبب ذعرا لدول أوروبا. فبعد تعهد دولى بتقديم مساعدات بقيمة 1.4 مليار دولار لتجنيب البلاد كارثة إنسانية، حذرت حكومة طالبان ممثلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من أى محاولات لإضعاف حكومتها فى أفغانستان من خلال فرض عقوبات يمكن أن تؤثر على الأمن العالمى وقد تؤدى لموجة جديدة من الهجرة. وحثّ وزير خارجية طالبان، أمير خان متقي، الدول المانحة على رفع العقوبات لتمكين البنوك الأفغانية من العمل ودفع رواتب الموظفين.
وتتخوف الدول الأوروبية من أنه فى حال انهيار الاقتصاد الأفغانى فإن العديد من الأفغان سيغادرون الى أوروبا. فأبدت واشنطن والاتحاد الأوروبى استعدادا لدعم المبادرات الانسانية فى أفغانستان لكنها تتردد فى تقديم دعم مباشر الى طالبان بدون ضمانات، لكنهما رفضا خلال المناقشات بحث مسألة الاعتراف ومنح الشرعية لحكومة طالبان.

وخلال القمة الافتراضية لمجموعة العشرين التى عقدت فى روما، تعهد الاتحاد الأوروبى توفير مساعدة إنسانية بقيمة مليار يورو لأفغانستان.. سيخصص قسم منها للاحتياجات الإنسانية الطارئة وللدول المجاورة لأفغانستان التى استقبلت الأفغان الهاربين من طالبان مثل باكستان، وجزء للتلقيح والإيواء وحماية المدنيين وحقوق الإنسان، لتجنب انهيار انسانى واجتماعي-اقتصادى كبير. وهذه أول مساعدة مالية دولية لأفغانستان منذ سيطرة الحركة عليها. كذلك أكدت إدارة بايدن دعمها لـ «استخدام الوسائل الدبلوماسية والإنسانية والاقتصادية لمساعدة الشعب الأفغاني، وهو يعتبر موقفا سياسياً متقدما للولايات المتحدة تجاه أفغانستان بعد سيطرة طالبان عليها. وبذلك تكون حركة طالبان قد حققت إنجازين سياسيين دبلوماسيين، بالرغم من الانتقادات التى وجهها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش اليها، فيما يتعلق بعدم الالتزام بتعهداتها تجاه حقوق النساء والتعليم.. ورغم كل تلك التحركات الدبلوماسية، يرى بعض المراقبين أن حركة طالبان لن تتمكن من خلالها من تحقيق مساعيها، دون تحقيق مجموعة من الخطوات والقرارات السياسية داخل أفغانستان. حيث تريد الولايات المتحدة وأوروبا تعهدا والتزاما سياسيا من الحركة تجاه حقوق النساء والحريات العامة وحقوق الإنسان.