الخروج عن الصمت

كيف عرفته (٥)

محمد عبدالواحد
محمد عبدالواحد

محمد عبدالواحد

اختتم حديثى عن وادى الذكريات المسمى «الدسك المركزى» وكيف عرفت من خلاله صديقى المرحوم محمد أبوذكرى وقد ذكرت لكم كيف بدأت رحلته فى بلاط صاحبة الجلالة واليوم اذكر اخر شىء اعتبره هو معاناة له حيث انتقل الى الاسكندرية ليتولى رئاسة مكتبه وفى كل مرة يرى انه اختطف من جدران بيته «الأخبار والتليفزيون».
فلو قالوا انهم كلفونى بإدارة مكتب الاسكندرية لموهبتى وأمانتى وحرفيتى، فقد كان بإمكانهم أن يستعينوا بى فى أقسام الجريدة المختلفة.
وتمرض أمه فتتكالب عليه احزانه وينقلب ليله نهارا ونهاره ليلا لدرجة انه كان يهرب من الحياة الى النوم وتتدهور حالته الصحية ويصبح كالميت الحى وبقى على هذا الحال كثيرا فمن الصعب أن تعاقب فتتمرد عليه بمعاقبة نفسك لذلك أره أكثر الماً ومرارة للنفس.
ثم يعود أبو ذكرى عودته الاخيرة فكان فيها كالصقر المجروح من كثرة ما تحمل من عناء فى بعده عن معشوقته الأخبار وجدرانها التى تحمل أنفاسه واذا حاولت أن تداعب فيه نفسه القديمة تذرف عيناه بالبكاء على حلمها الذى تسرب من بين يديها، وللأسف الشديد نحن بشر لايؤمن بالاوجاع ولا نتحمل آلام الغير فالكل أصبح متكالبا على الحياة مشغولا بأحوال معيشته فلا يعنيه متاعب الأخرين ولا يريد سماع الماضى بأوجاعه وأفراحه.
وإن كنت اعتبر نفسى مؤمنا بموهبة هذا الرجل ونقائه فلم أكن وحدى بل كان معى أخوة أفاضل كأخى عماد المصرى ومحمد سلطان واختنا الفاضلة زينب مصطفى ومحمود كربل وأساتذة كثيرين كالاستاذ أحمد جلال وخالد ميرى وخالد النجار وصالح الصالحى ووليد عبدالعزيز ومحمد عدوى وجمال الشناوى، كل هؤلاء ساهموا فى عودة الرجل الى نفسه وعودة الثقة اليه ليعود قلم أبوذكرى من جديد لذلك كان يدعوا لهم بظهر الغيب لأنهم عرفوا قدره ولم ينقصوه حقه رغم قراره الصارم يوم أن بلغ الستين وانه فضل المعاش وان يظل قلمه متفرغا ليس مرتبطا بأى قيود.
وعندما أراد أن يفتح صفحة جديدة مع الحياة لم يمهله القدر.
ورحل أبو ذكرى فى صومعته وحيدا كما كان يحب أن يخلو بنفسه فسلاما لروحه الطاهرة والى قيثارة قلبه زوجته وابنته اللتين تحملا عناء حياته إلى ان تركنا جميعا نبكى وفاء وصدق هذا الرجل.