حوار| اللواء طيار د.هشام الحلبي: واجهنا مقاتلات الجيل الثالث الإسرائيلية بأساليب جديدة

 اللواء طيار د. هشام الحلبى
اللواء طيار د. هشام الحلبى

خلال معركة الكرامة 1973 حاولت القوات الجوية الإسرائيلية تدمير قواعدنا الجوية بدلتا النيل فى كل من طنطا والمنصورة والصالحية كى تحصل على السيطرة الجوية وتدمير القوات الأرضية المصرية..

الفانتوم الإسرائيلية كانت محملة بالوقود لتستطيع الطيران لزمن أكبر بكثير من طائرات الميج ٢١ المصرية..  تلك الموقعة حملت اسم «معركة المنصورة» ووقعت أحداثها فى 14 أكتوبر 1973 ..

استمرت حوالى ٥٣ دقيقة بينما تستغرق المعارك الجوية من ٣-٥ دقائق فقط وتنتهى بالقضاء على أحد الخصمين أو انسحابه لإصابته أو نفاد الوقود ..

تم اعتبارها أكبر معركة جوية فى التاريخ ..اشتبكت خلالها ١٨٠ طائرة مقاتلة فى آن واحد معظمها تابع لإسرائيل...

هذه المعركة يتم تدريسها فى المعاهد و الأكاديميات الجوية .. أسئلة عديدة تطرحها أجواء تلك المعركة الخالدة .. كيف استطاعت قواتنا الجوية بناء نفسها وتحقيق النصر عقب 67 وبعد تدمير معظم المطارات و الطائرات المصرية على الأرض؟..

كيف نجحنا فى بناء طيار مصرى قادر على صنع الفارق بقدراته وليس بنوع الطائرة ..كيف كانت صدمة إسرائيل من هذا التفوق المصرى .. أسئلة عديدة طرحناها على اللواء طيار دكتور هشام الحلبى المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية و أحد أهم المحللين الاستراتيجيين والعسكريين فى مصر و الوطن العربى .

 

فى البداية سألته ..بعد نكسة يونيو 67 طورت إسرائيل قواتها الجوية بصورة كبيرة فى حين كانت مصر تعيد بناء قواتها الجوية كيف نجحنا فى ذلك؟
لا يمكن الحديث عن بطولات القوات الجوية بشكل عام بدون معرفة الشكل العام للقوات الجوية بعد يونيو 67 ،حيث إن تجهيز و إعداد قواتنا الجوية بعد 67 كان من أهم عوامل تحقيق النصر فى حرب أكتوبر 73 ..

كان وضع قواتنا الجوية فى منتهى السوء بعد يونيو 67 لأن معظم الطائرات تم تدميرها على الأرض لعدم وجود دشم لحماية الطائرات وكان هناك نقص شديد فى الأطقم الفنية والطيارين ومن الظلم الشديد تقييم الطيار المصرى قبل أن يقلع بطائرته وكانت الطائرات مكشوفة فى العراء بدون دشم حماية ، فكانت فرصة قوية لضربها ومن هنا استغلت إسرائيل هذا النقص فى عدد الطائرات لإثبات قوتها على الأرض وبالتالى القوات الجوية لم تحارب أساسا فى حرب 67 ولم تقلع وبالرغم من ذلك كانت هناك بطولات فردية للقوات الجوية واستطاعوا الاشتباك وتحقيق بطولات على جزء من الممر بعد تدمير جزء كبير منه .


بطولات  حقيقية 


كيف تمت إعادة بناء القوات الجوية المصرية بصورة علمية فى زمن قياسى؟


البطولات الحقيقية بدأت بعد حرب 67 وتتمثل فى إعادة بناء القوات الجوية المصرية بصورة علمية فى وقت قياسى وفى ظروف سياسية واقتصادية وعسكرية صعبة بعد حرب الاستنزاف، والظروف السياسية كانت صعبة، وكان شكل الهزيمة أمام العالم قاسيا، واقتصاديا كانت هناك تكاليف عالية ومرتفعة لشراء الطائرات والمعدات والتجهيزات المختلفة المتعلقة بها وكذلك كانت هناك تكلفة مرتفعة لبناء المطارات والقواعد الجوية، كل هذه العوامل كانت فى ظل ظروف اقتصادية صعبة، خاصة مع فقد دخل قناة السويس كأحد روافد الاقتصاد المصرى المهمة لأنها كانت مغلقة نتيجة احتلال إسرائيل لسيناء وبالتالى فقدنا دخلاً كبيراً بالعملة الصعبة، والظروف العسكرية كانت صعبة ايضا بسبب حرب الاستنزاف وقدرة العدو للوصول إلى العمق المصرى وإعاقة بناء القوات المسلحة وأيضا تشكلت الصعوبة فى إعاقة بناء المطارات والدشم والممرات فى الوقت الذى كان يمتلك فيه العدو طائرات من الجيل الثالث ذات المدى الكبير التى تستطيع الضرب فى العمق المصري.

ما محاور خطة إعادة بناء قواتنا الجوية بعد 67 ؟


الإعداد لبناء قواتنا الجوية شمل عدة محاور ، أولاً إعداد الطيارين وإعداد الأطقم الفنية وإعداد وإنشاء القواعد الجوية والمطارات وإعداد خطة حرب 73 والتدريب عليها، وذلك فى ظل شكل عام للقوات الجوية يضم طائرات مدمرة ومطارات مدمرة، ونقص شديد فى عدد الطيارين والملاحين والمراقبين الجويين والموجهين والمهندسين والأطقم الفنية على اختلاف تخصصاتهم، الصعوبة كانت فى ضرورة تنفيذ محاور الإعداد على التوازى، وليست على التوالى بمعنى أنها لابد أن تتم فى الوقت نفسه أى تنفيذ 4 محاور رئيسية بالتوازى، فى ظل ضغط سياسى واقتصادى وعسكرى صعب للغاية، وهذه بطولة أيضا للقوات المسلحة والقوات الجوية المصرية.


مواجهة نقص الطيارين و الطائرات .. كيف تغلبت مصرعلى الأمر؟


مصر كانت تمتلك طائرات، من الجيل الأول مثل الميج 17 والميج 21 و من الجيل الثانى السوخوى -7 أما اسرائيل فكانت متقدمة عن مصر وتملك طائرات من الجيل الثالث مثل طائرات الفانتوم، وبالطبع كان هناك فارق كبير فى الإمكانيات والقدرات التكنولوجية بمقارنة الطائرات، وبالتالى تم إعداد الطيارين المصريين لمواجهة الجيل الثالث من الطائرات بطائرات جيل سابق، فتم استنباط أساليب جديدة خاصة فى القتال الجوى فى ظل وجود إشكالية مهمة وهى الفارق الكبير فى مدى الطائرات ومدة بقائها فى الجو، والرادارات ذات المدى الكبير التى تمتلكها إسرائيل، كما أن الطائرات المصرية مقيدة بتسليح ذى مدى محدود مقارنة بالطائرات الإسرائيلية، فكان لابد من استنباط أساليب جديدة فى القتال للتغلب على الإمكانيات العالية لطائرات العدو، وكذلك التدريب على ارتفاعات منخفضة لتجنب رادارات العدو وأيضا ضرورة التدريب على الطيران بأعداد كبيرة من الطائرات بهدف عمل ضربة جوية شاملة فى بداية الحرب لتدمير الأهداف المعادية التى ستؤثر على عملية اقتحام القوات المصرية للقناة وتعطيل تدخله فى عملية العبور وكل هذا نتاج جهد كبير من المخططين والمنفذين فى هذا الوقت.


زمن  قياسى 

الأطقم الفنية المعاونة لقواتنا الجوية كان لها دور مهم فى المعركة ..كيف تم إعدادهم للحرب؟


كان المطلوب إعداد أطقم فنية قادرة على تسليح الطائرات فى وقت قياسى للتغلب على نقص عدد الطائرات وتجهيزها بسرعة جدا وكانت مهارة وتفانى الأطقم الفنية للطائرات غير عادى وظهر ذلك فى قدرتهم على تقليل زمن تجهيز الطائرات بين الطلعات للتغلب على النقص فى عدد المقاتلات ، رغم أن تجهيزها كان يتطلب تفتيشا على الطائرة بالكامل وتموينها بالوقود والأكسجين والمواد الأخرى اللازمة طبقا لكل طراز، بالإضافة إلى تسليحها بالذخائر المختلفة وكان لابد أن يتم ذلك فى وقت قصير جدا وذلك للتغلب على مشكلة النقص فى الطائرات، وكان مطلوبا من الطيارين استيعاب وتفهم المهام الجديدة فى وقت قصير جدا بين الطلعات أثناء تجهيز الطائرة- للتغلب أيضا على مشكلة النقص فى أعدادهم، وظهر جليا فى معركة المنصورة فكانت طائرات ميج 21 تشارك فى بداية المعركة وتعود لتهبط فى المطار ويتم تجهيزها فى وقت قياسى لتقلع بسرعة وتشترك فى المعركة، فالعدو فوجئ بطائرات أكثر من عدد الطائرات المتوقعة وهذه نقطة تحسب للطيارين والمهندسين والفنيين وأطقم الطائرات المصرية.

وماذا عن تجهيز القواعد الجوية والمطارات؟


تم إنشاء وتجهيز عدد كبير من القواعد والمطارات فى ظل وجود قصف جوى معاد من العدو، وكذلك تم إنشاء عدد كبير من الدشم لحماية الطائرات من الاستهداف وكان هذا بالتعاون مع شركات مصرية مدنية فتم تجسيد ملحمة بين الشعب والقوات المسلحة صارت نهجاً متعارفاً عليه فى التلاحم فى معاونة القوات المسلحة، وتم التوسع فى إنشاء مطارات جديدة وأيضا ممرات جديدة فى المطارات القديمة، لتيسير إقلاع عدد كبير من الطائرات فى وقت واحد، وبالتالى تم إقلاع عدد كبير من الطائرات فى وقت قصير وكان هذا من أهم عوامل نجاح الضربة الجوية لتحقيق عنصر المفاجأة وضرب كل الأهداف فى وقت واحد لتحقيق ضربة جوية ناجحة.


ما خطة القوات الجوية التى تم التدريب والإعداد لها فى معركة الكرامة ؟


تم التخطيط لتنفيذ ضربة جوية شاملة بعدد 227 طائرة لتدمير كل الأهداف التى تؤثر على عملية العبور فى بداية الحرب على أن يتم ضرب الأهداف بدقة وفى وقت واحد وبالتالى تم اختيار الأهداف وتحليلها وكانت هناك عبقرية فى التخطيط لضرب الأهداف ،ومن هنا كان دورالاستطلاع الجوى بالغ الأهمية أثناء حرب الاستنزاف وحرب 73 وقام بدور كبير وبالغ الخطورة على حياة طيارى الاستطلاع لتصوير أهداف داخل سيناء.


الجيل الثالث 

عوامل التفوق الجوى كانت جميعها تصب لصالح إسرائيل..كيف تغلبنا على ذلك؟


رغم كل هذا الجهد المبذول من جانب القوات المسلحة فى بناء القوات الجوية والمطارات والقواعد والتدريب قبل حرب 73 فإن عوامل التفوق كانت بالفعل لصالح إسرائيل من بينها أن القوات الجوية الإسرائيلية تستطيع الوصول إلى عمق مصر، مع عدم إمكانية ذلك بالنسبة لمصر، بسبب إمكانيات الطائرات الإسرائيلية فكانت المقارنة النوعية لصالح إسرائيل وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمصر كانت تمتلك طائرات ميج 17 والميج 21 وسوخوى 7 وهذه طائرات من الجيل الأول والثانى، وقد اشتركت كل طائرات القوات الجوية بما فيها طائرات التدريب بالكلية الجوية طراز (ل-29) والتى كانت مفاجأة للعدو، أما إسرائيل فقد امتلكت الفانتوم والاسكاى هوك والميراج 3 وهذه طائرات من الجيل الثالث.

ما التوقعات الأجنبية لمصر فى حال نشوب معركة جوية مع المقاتلات الإسرائيلية قبل حرب أكتوبر؟


الحسابات الأجنبية المتوقعة لنتائج الضربة الجوية، أشارت إلى أن مصر ستفقد من 40 إلى 45 %، من قوة الطائرات المصرية نظراً لأن طائرات العدو أحدث فى الكفاءة والإمكانيات ولديهم دفاع جوى قوى، وبالتالى نسبة تدمير الأهداف ستكون من 30 إلى 35 % على الأكثر ،موضحا أن هذه الحسابات كانت مبنية على تقديرات حقيقية فى هذا الوقت، والنتائج على أرض الواقع كانت كالآتي: خسارة 3 إلى 5 % من الطائرات وتم تدمير 95% من الأهداف وهذا يوضح كفاءة التدريب ودور العنصر البشرى فى معادلة القوة العسكرية وبالتالى تغلبنا على مشكلات التكنولوجيا القديمة وطائرات العدو المتقدمة وحققنا نتائج مذهلة على طائرات معادية أكثر تقدماً ودفاعاً جوياً قوياً .


كيف يرصد الخبراء العسكريون معركة المنصورة الجوية ؟


معركة المنصورة الجوية فى 14 أكتوبر حققنا فيها نجاحاً منقطع النظير حيث رأت إسرائيل القيام بضربة جوية لضرب الطائرات المصرية على الأرض وبالتالى تكون القوات الجوية خارج الحرب وتكون القوات البرية مكشوفة دون غطاء جوى وبالتالى يتم تدمير جزء كبير منها، وفى هذا التوقيت اعتمد العدو الإسرائيلى أن لديه طائرات متقدمة ورادارات أكبر ومدى أفضل وأيضا الاعتماد على الجسر الاستراتيجى الذى عوضته به أمريكا وبدأت الضربة الإسرائيلية بموجات متتالية من الطائرات بلغت 120 طائرة، ولكن تصدت القوات الجوية المصرية بـ 60 طائرة ووجدت إسرائيل أن عدد الطائرات المصرية يفوق هذا العدد نتيجة اشتراك عدد من الطائرات مرتين فى المعركة- فكانت الطائرات المصرية تشترك فى الضربة وتقوم بالهبوط والتموين والتسليح ومعاودة الاشتراك، وخسرت إسرائيل 18 طائرة ،أما مصر فخسرت 5 طائرات أسقطت منها 3 طائرات و2 تم نفاد وقودهما، وذلك فى أكبر وأطول معركة جوية فى التاريخ استمرت لمدة 53 دقيقة.

ما رؤيتكم للتحديث والتطوير الذى وصلت إليه قواتنا الجوية اليوم؟


استمرت القوات الجوية فى بطولاتها وتحديث أسطولها الجوى ضمن خطتها التى استهدفت تحديث الطائرات والمطارات ومنظومة التدريب وامتلاك طائرات الجيل الرابع المتقدم مثل الرفال والميج 29 والهليكوبتر المسلح الكاموف والأباتشى وايضا طائرات النقل الاستراتيجى اليوشن 76 ومنظومات متعددة من الطائرات بدون طيار وهذا ما رأيناه فى مناورات عديدة على سبيل المثال قادر 2020وحسم 2020 وقادر 2021 وأخيرا النجم الساطع 2021.