لايخطئ اى متابع البهجة والسعادة البادية على هذه الوجوه.. أتوا من كل مكان آملين فى المتعة البريئة وقضاء أوقات هانئة.. إنهم زوار الاماكن السياحية التى أعدت لاستقبالهم سواء فى ربوع مصرنا الحبيبة او فى اصقاع المعمورة.. جهزت بكل ما لذ وطاب لتفى بالمتطلبات مهما تغيرت المشارب او الأذواق.
الملاحظ ان الفئة العمرية التى تخطت سن الفتوة والشباب تسيطر عليهم.. نسبة كبيرة منهم ممن تخطو فترة العمل والاداء الوظيفى او المكتبى.. انهم فى اعمار تتجاوز الستين.. لكنهم اقبلوا على البرنامج السياحى المشاركين فيه بكل النشاط والحيوية.. ما يشغل بالهم ويسيطر عليهم كيفية الاستمتاع وتحقيق اكبر قدر من الاشباع النفسى.. أثارت الملاحظة حب المعرفة لدىّ.. حاولت الاقتراب منهم لسؤالهم عن هذه الظاهرة.. الفراغ يدفعهم إلى الترحال.. فوائض الاموال تسيطر على شغفهم بالاطلاع وعلى الجديد بزيارة العالم والتمتع بكنوزه.. ام انها أشياء اخرى لا اعرفها وغمضت علىّ!
فى ابتسامة ودودة حانية لم اصدق انها تخطت السبعين.. أقسم انى تصورت انها اصغرهن عمرا.. قالت انها عملت مديرة تنفيذية باحدى الشركات الفرنسية فى جنوب فرنسا.. تخطت سن العطاء والعمل فأقامت لها الشركة حفل تكريم ووداع.. فيها تسلمت وثيقة التكريم.. تحدد فيها انه تم اشتراكها طوال فترة عملها فى شركة تأمين.. تتيح لها فور الاحالة إلى التعاقد تقاضى آخر مرتب حصلت عليه فى آخر شهر فى عملها.. لا ينقص مليما.. كما تحدد فيه المستشفيات التى تداويها دون ان تتكبد اى اعباء مهما كانت الحالة المرضية.. الذى أدهشنى ان الوثيقة ضمنت لها رحلتين.. الاولى فى الشتاء والاخرى فى الصيف وهما خارج البلاد.. اما داخل بلادها فرحلة كل شهر ونصف.. ضمنت لها الوثيقة أيضا ناديا اجتماعيا تمارس فيه انشطتها الرياضية والاجتماعية والفكرية.. لذا كانت اجابتها بان فوج الزائرين الاجانب وغيرهم الذى تراه دوما هو تنظيم شركة التأمين الذى تنفذ تعهداتها بكل حرفية وإلا تخسر سمعتها وزبونها.
تذكرت هذه الاقوال والمشاهد عندما رأيت الاعلامى الكبير الذى تصدى دوما للمواقف الوطنية الكبيرة وأبلى فيها حسنا.. رأيته يتوارى.. يحاول الاختباء اثناء انتظاره فى طابور الخبز المدعم.. انه احيل للى التقاعد مؤخرا.. كما يقول لم يعد المعاش يكفى اى شيء.. لذا تزاحم على الخبز المدعم.. اما العلاج فقد تناساه.. باقى بنود الحياة فانه يدبرها بالتبادل.. بالتوافيق والتباديل.. يقدم بندا ويؤخر آخر حتى يوفيه ما يكفى من النفقات.. يقول فى مرارة «نسيتنى مصر التى اعطيتها عصارة دمى وعمرى».. هل نتنبه قبل فوات الأوان ونرد الجميل لجموع المصريين الذين عملوا وأعطوا وبذلوا الجهد فى كل مجال.. لكن عندما حان الوقت لجنى ثمرة عرقهم لم يجدوا التقدير اللازم من دولهم.. حتى باتوا يكرهون اليوم الذى احيلوا فيه إلى المعاش.