السؤال الذي يتبادر لأذهاننا: لمن أتي يسوع بالخلاص؟ وما الخلاص المقصود هنا؟
كانت جماعة اليهود في القرن الاول ترزح تحت الاحتلال الروماني وقبل الرومان حكم اليونانيون البلاد، وقبلهم كان الفرس، وفي زمن السيد المسيح سيطر الاجانب علي معظم الاراضي، حيث امتلكوا مساحات شاسعة منها. فاضطر الفلاحون إلي استئجار الارض منهم، وكانوا يعانون في اغلب الاحيان من الظلم والاستبداد، والفقر والمهانة، من الطبيعي ان يتعطش المستضعفون والمظلومون سياسيا واقتصاديا إلي الخلاص، ولكن من ماذا؟ هل الخلاص المنشود هنا هو التحرر من جبروت الظالمين؟
صدق البعض هذا، وسار اتباع يسوع خلفه لانهم توقعوا منه ان يكون مخلصا سياسيا ربما رأوا ان عليه ان يكون جيشا ويطرد المستعمر بالقوة، الا ان المخلص الذي ولد كان يدعو لخلاص اسمي من ذلك بكثير، انه الخلاص من الخطية، الشر الساكن في قلب كل منا، البغض والحقد والطمع.
لقد كانت رسالة المسيح رسالة حب تخالف العرف السائد انذاك، لذا علم السيد في موعظته علي الجبل فقال: «سمعتم انه قيل: عين بعين وسن بسن. واما انا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر... سمعتم انه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فأقول لكم: احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا إلي مبغضيكم، وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطرودنكم» «متي 5: 38-39، 43-44».
ان النظرة الكتابية للمصالحة مع الاخر تمثل توجها رئيسيا في الكتاب المقدس بعهديه، فالنبوات المختلفة، وكذلك الوصايا العشر، ومفاهيم المساواة وقبول الآخر، كلها في مضمونها تسعي إلي بناء الجسور، كما ان النظرة التأملية لموقف السيد المسيح من الاخر تمثل بعدا جديدا في المفاهيم الدينية، فلقد قبل الخطاة والعشارين المنبوذين من المجتمع وتحاور مع قادة المؤسسة الدينية الكارهين له، وكان له موقف واضح من السلطة السياسية، واعلن تدريجيا رسالته للجميع، فبالنظر إلي حياة السيد المسيح، نجد فيها بوضوح ان العلاقة بين الانسان واخيه الانسان مهمة وجوهرية.
ان مفهوم المصالحة في الكتاب المقدس لا يقف عن حدود العلاقة بين الانسان والله، والانسان واخيه الانسان فقط، لكنه يمتد إلي الخليقة ككل. ولعل كلمات الرسول بولس: «ان كل الخليقة تئن وتتمخض معا إلي الان» «الرسالة إلي اهل رومية 8: 22» هو تأكيد لمفهوم عميق حول المصالحة بين الانسان والخليقة ايضا.
ان الخراب الذي اوجدته الخطية علي مستوي العلاقة بين الله والانسان والخليقة كان مدمرا، هذا الانفصال ساهم في حروب بشرية ودمار وسفك دماء وتخريب وتدمير للطبيعة وانتهاك للبيئة، فالتعامل الهدام ضد البشر، وكذلك سلب الثروات الطبيعية وافسادها والسعي إلي الهيمنة علي مستقبل البشرية، هو الذي خلق العالم المشوه الذي نعيش فيه اليوم.