جحود الأبناءl تركت والدتها في موقف أتوبيس وفرت هاربه

الحاجة بدرية
الحاجة بدرية

حبيبة‭ ‬جمال

‭‬ابنة‭ ‬مات‭ ‬قلبها،‭ ‬أصبحت‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬للرحمة‭ ‬طريقًا،‭ ‬بعد‭ ‬سهر‭ ‬الليالي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تربيتها‭ ‬كانت‭ ‬الضريبة‭ ‬ورد‭ ‬الجميل‭ ‬أن‭ ‬تلقي‭ ‬والدتها‭ ‬بالشارع‭.. ‬إنها‭ ‬مأساة‭ ‬جديدة‭ ‬تضاف‭ ‬لمسلسل‭ ‬عقوق‭ ‬الوالدين،‭ ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية‭ ‬التي‭ ‬اقترب‭ ‬عمرها‭ ‬من‭ ‬الثمانين،‭ ‬مات‭ ‬زوجها‭ ‬منذ‭ ‬‮٠٢‬‭ ‬عامًا‭ ‬ولم‭ ‬يتبق‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬نجلتها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ترحم‭ ‬أمها‭ ‬العجوز‭ ‬وألقت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬واستولت‭ ‬على‭ ‬أموالها،‭ ‬لكن‭ ‬القدر‭ ‬كان‭ ‬رحيمًا‭ ‬بتلك‭ ‬العجوز‭ ‬وأرسل‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬يرعاها‭ ‬وينقذها‭ ‬من‭ ‬الضياع‭ ‬والنوم‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭.. ‬في‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭ ‬نسرد‭ ‬لكم‭ ‬تفاصيل‭ ‬مأساة‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية‭ ‬ضحية‭ ‬ابنتها‭ ‬العاق‭. ‬

 

القصة‭ ‬بدأت‭ ‬بمنشور‭ ‬تداوله‭ ‬مستخدمو‭ ‬الفيس‭ ‬بوك،‭ ‬حول‭ ‬سيدة‭ ‬مسنة‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الحركة،‭ ‬تركتها‭ ‬ابنتها‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬الأتوبيس،‭ ‬بمنطقة‭ ‬القللي‭ ‬بوسط‭ ‬القاهرة،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬لبيتها‭ ‬بالمنصورة،‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬والحزن‭ ‬سيطرت‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬خاصة‭ ‬أهالي‭ ‬المنصورة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يريدون‭ ‬معرفة‭ ‬أي‭ ‬تفاصيل‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬لإنقاذها،‭ ‬حتى‭ ‬تدخل‭ ‬فريق‭ ‬الإنقاذ‭ ‬السريع‭ ‬ونقلت‭ ‬السيدة‭ ‬العجوز،‭ ‬العاجزة‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬لدار‭ ‬قنطار‭ ‬الخير‭ ‬لإيواء‭ ‬الكبار،‭ ‬لتبدأ‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬داخل‭ ‬تلك‭ ‬الدار‭ ‬لعلها‭ ‬تنسى‭ ‬جحود‭ ‬ابنتها‭ ‬وما‭ ‬فعلته‭. ‬

‮«‬أخبار‭ ‬الحوادث‮»‬‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬انتقلت‭ ‬لدار‭ ‬إيواء‭ ‬الكبار،‭ ‬لمعرفة‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬مع‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية؟‭!‬،‭ ‬ولماذا‭ ‬فعلت‭ ‬ابنتها‭ ‬هذا؟‭!‬،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬مبررات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشفع‭ ‬لهذه‭ ‬الابنة‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬هذا‭ ‬بأمها؛‭ ‬أن‭ ‬تلقي‭ ‬بها‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬بلا‭ ‬مأوى‭.  ‬

داخل‭ ‬الدار

هنا‭ ‬داخل‭ ‬الدار،‭ ‬كانت‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية‭ ‬تجلس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬متحرك،‭ ‬اقتربنا‭ ‬منها،‭ ‬سيدة‭ ‬عجوز‭ ‬ذات‭ ‬وجه‭ ‬بشوش،‭ ‬لكن‭ ‬بداخلها‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬وحسرة‭ ‬بدت‭ ‬في‭ ‬عينيها‭ ‬ونبرة‭ ‬صوتها،‭ ‬بدأت‭ ‬تحكي‭ ‬لنا‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬وعيها‭ ‬تفاصيل‭ ‬سنوات‭ ‬عاشتها‭ ‬في‭ ‬بيتها‭ ‬بالمنصورة،‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬تزوجت‭ ‬من‭ ‬تاجر‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬صغيرة،‭ ‬عشت‭ ‬معه‭ ‬أجمل‭ ‬أيام‭ ‬حياتي،‭ ‬حتى‭ ‬رزقني‭ ‬الله‭ ‬بسحر،‭ ‬هي‭ ‬ابنتي‭ ‬الوحيدة،‭ ‬توسمت‭ ‬فيها‭ ‬الخير،‭ ‬أحسنت‭ ‬تربيتها،‭ ‬تمنيت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عوضًا‭ ‬لي‭ ‬وسندًا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬عند‭ ‬الكبر‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬صغرها‭ ‬متمردة‭ ‬علينا‭ ‬وعلى‭ ‬حياتها،‭ ‬وكبرت‭ ‬البنت‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬يوما‭ ‬صغيرة‭ ‬وظننا‭ ‬أنه‭ ‬طيش‭ ‬شباب،‭ ‬حتى‭ ‬تزوجت‭ ‬وأنجبت‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الأبناء،‭ ‬وتوفى‭ ‬زوجي‭ ‬وقتها‭ ‬كان‭ ‬عمري‭ ‬‮٤٧‬‭ ‬عامًا،‭ ‬ظللت‭ ‬جالسة‭ ‬وحدي‭ ‬داخل‭ ‬شقتي،‭ ‬حتى‭ ‬شعرت‭ ‬يومًا‭ ‬بالمرض‭ ‬وتم‭ ‬احتجازي‭ ‬داخل‭ ‬الرعاية‭ ‬المركزة‭ ‬بإحدى‭ ‬المستشفيات،‭ ‬وبعدما‭ ‬كتب‭ ‬الله‭ ‬لي‭ ‬الشفاء‭ ‬عدت‭ ‬لبيتي‭ ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتحملها‭ ‬قلبي‭ ‬عندما‭ ‬وجدت‭ ‬بيتي‭ ‬بلا‭ ‬أثاث‭ ‬وكأن‭ ‬لصًا‭ ‬زارني‭ ‬وانا‭ ‬في‭ ‬المستشفى؛‭ ‬لكن‭ ‬علمت‭ ‬بعدها‭ ‬أن‭ ‬ابنتي‭ ‬فلذة‭ ‬كبدي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬باعت‭ ‬عفشي‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬أملك،‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬امامي‭ ‬إلا‭ ‬الشوارع‭ ‬اتجول‭ ‬فيها،‭ ‬تارة‭ ‬انام‭ ‬على‭ ‬سلالم‭ ‬العمارات‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الحدائق‮»‬‭.‬

صمتت‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية‭ ‬قليلا‭ ‬وكأن‭ ‬شريط‭ ‬ذكرياتها‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬يمر‭ ‬أمام‭ ‬عينيها،‭ ‬ثم‭ ‬انهمرت‭ ‬الدموع‭ ‬من‭ ‬عينيها،‭ ‬وقالت‭: ‬‮«‬لو‭ ‬كان‭ ‬زوجي‭ ‬إبراهيم‭ ‬عايش‭ ‬ماكنتش‭ ‬اتبهدلت‭ ‬كده،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬عشت‭ ‬أجمل‭ ‬أيام‭ ‬حياتي‭ ‬في‭ ‬كنفه‭ ‬يكون‭ ‬الشارع‭ ‬مصيري،‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬التي‭ ‬جلست‭ ‬فيها‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬وعيني‭ ‬لم‭ ‬تذق‭ ‬طعمًا‭ ‬للنوم،‭ ‬اتذكر‭ ‬أيضا‭ ‬كيف‭ ‬كنت‭ ‬أجلس‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬البرد‭ ‬واطلب‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تعطيني‭ ‬غطاء‭ ‬أو‭ ‬طعاما‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬ترفض،‭ ‬اتذكر‭ ‬جيدًا‭ ‬كيف‭ ‬اصطحبتني‭ ‬من‭ ‬بيتنا‭ ‬وجاءت‭ ‬لتلقي‭ ‬بي‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬كي‭ ‬اتسول‮»‬‭. ‬

انهارت‭ ‬الأم‭ ‬العجوز‭ ‬ودخلت‭ ‬في‭ ‬نوبة‭ ‬من‭ ‬البكاء‭ ‬حاولنا‭ ‬معها‭ ‬تهدئتها،‭ ‬وسألناها‭ ‬إذا‭ ‬عادت‭ ‬إليكِ‭ ‬ابنتك‭ ‬نادمة‭ ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬تأخذك‭ ‬للعيش‭ ‬معها،‭ ‬هل‭ ‬ستذهبين‭ ‬معها‭ ‬أم؟‭!‬،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬نكمل‭ ‬السؤال،‭ ‬قالت‭ ‬منفعلة‭: ‬‮«‬لا‭.. ‬لن‭ ‬أذهب‭ ‬معها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬اترك‭ ‬هذه‭ ‬الدار،‭ ‬لقد‭ ‬أنقذوا‭ ‬حياتي‭ ‬ويتعاملون‭ ‬معي‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬ورحمة،‭ ‬فهنا‭ ‬لا‭ ‬ينقصني‭ ‬شيئا،‭ ‬هنا‭ ‬وجدت‭ ‬الراحة‭ ‬والطمأنينة‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬شعرت‭ ‬به‭ ‬ووجدته‭ ‬في‭ ‬ابنتي‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أحن‭ ‬الناس‭ ‬عليّ‮»‬‭. ‬

طلبنا‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬رسالة‭ ‬لابنتها،‭ ‬فقالت‭: ‬‮«‬منك‭ ‬لله‭ ‬على‭ ‬كم‭ ‬الضرب‭ ‬والإهانات‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬يدك،‭ ‬تركتيني‭ ‬شهرا‭ ‬كاملا‭ ‬انام‭ ‬على‭ ‬بلاط‭ ‬البيت،‭ ‬أتوسل‭ ‬إليكِ‭ ‬أن‭ ‬تجعليني‭ ‬أنام‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬ولكن‭ ‬كنتِ‭ ‬ترفضين،‭ ‬ماكنتش‭ ‬اتوقع‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬رد‭ ‬الجميل‭ ‬وتعبي‭ ‬على‭ ‬تربيتك‮»‬‭. ‬

‮«‬أي‭ ‬بنت‭ ‬تفكر‭ ‬تعمل‭ ‬كده‭ ‬في‭ ‬امها‭ ‬أفضل‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬تموت‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الذل»؛‭ ‬رسالة‭ ‬وجهتها‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية‭ ‬لكل‭ ‬البنات‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتألم‭ ‬أي‭ ‬أم‭ ‬وتتذوق‭ ‬مرارة‭ ‬ما‭ ‬عاشته‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الجحود‭ ‬وقسوة‭ ‬قلب‭ ‬ابنتها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية‭ ‬قلبها‭ ‬يفيض‭ ‬حنانا‭ ‬وبالها‭ ‬مشغول‭ ‬بحفيدها‭ ‬الذي‭ ‬تدعو‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬فيه‭ ‬الحنان‭ ‬الذي‭ ‬افتقدته‭ ‬في‭ ‬أمه‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الشباب‭.‬

مسئولة‭ ‬الدار

فاطمة‭ ‬جمعة،‭ ‬هي‭ ‬مسئولة‭ ‬تلك‭ ‬الدار،‭ ‬والتي‭ ‬أسستها‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي،‭ ‬حرمها‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬والدتها،‭ ‬فأصبحت‭ ‬ابنة‭ ‬بارة‭ ‬لكل‭ ‬أم‭ ‬مسنة‭ ‬دفعتها‭ ‬الظروف‭ ‬للعيش‭ ‬داخل‭ ‬دار‭ ‬رعاية،‭ ‬بدأت‭ ‬تحكي‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬استقبلت‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية،‭ ‬فقالت‭: ‬‮«‬تلقيت‭ ‬اتصالا‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭ ‬فجرًا‭ ‬من‭ ‬فتاة‭ ‬تدعى‭ ‬سمر‭ ‬نديم،‭ ‬وهي‭ ‬فتاة‭ ‬لديها‭ ‬صفحة‭ ‬لعمل‭ ‬الخير‭ ‬على‭ ‬الفيس‭ ‬بوك،‭ ‬تخبرني‭ ‬بوجود‭ ‬سيدة‭ ‬مسنة‭ ‬تركتها‭ ‬ابنتها‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬الأتوبيس‭ ‬بعدما‭ ‬أخذت‭ ‬أموالها‭ ‬والفيزا‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬فطلبت‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تأخذها‭ ‬الى‭ ‬أقرب‭ ‬مستشفى‭ ‬لإجراء‭ ‬الكشف‭ ‬الطبي‭ ‬عليها،‭ ‬ثم‭ ‬ذهبت‭ ‬لقسم‭ ‬شرطة‭ ‬الأزبكية‭ ‬لعمل‭ ‬محضر‭ ‬وإثبات‭ ‬حالة،‭ ‬بعدها‭ ‬استخرجنا‭ ‬لها‭ ‬شهادة‭ ‬ميلاد،‭ ‬وبعدما‭ ‬أنهينا‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭ ‬اصطحبتها‭ ‬معي‭ ‬الى‭ ‬الدار،‭ ‬حاولت‭ ‬التحدث‭ ‬معها‭ ‬لمعرفة‭ ‬التفاصيل،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬لأشقائها‭ ‬الذين‭ ‬أكدوا‭ ‬لي‭ ‬سوء‭ ‬معاملة‭ ‬ابنتها‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة؛‭ ‬كانت‭ ‬تمنع‭ ‬عنها‭ ‬الطعام،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬تركتها‭ ‬بالشارع‭ ‬تتسول‭ ‬طعامها‭ ‬ابسط‭ ‬الأشياء،‭ ‬وبعدما‭ ‬دخلت‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية‭ ‬الدار‭ ‬عرضناها‭ ‬على‭ ‬أخصائي‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للتخفيف‭ ‬عنها‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تبكي‭ ‬دائما‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬النوم‮»‬‭. ‬

سألناها‭ ‬ماذا‭ ‬تعلمت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬مع‭ ‬المسنين‭ ‬والمشردين،‭ ‬فقالت‭: ‬‮«‬تعلمت‭ ‬الصبر،‭ ‬أشعر‭ ‬براحة‭ ‬بال‭ ‬وطمأنينة،‭ ‬فأنا‭ ‬حرمني‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬امي‭ ‬مبكرا،‭ ‬لكن‭ ‬رزقني‭ ‬بكل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المسنات‮»‬‭.‬

ووجهت‭ ‬فاطمة‭ ‬رسالة‭ ‬لكل‭ ‬فتاة‭ ‬عاقة‭: ‬‮«‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تلقي‭ ‬والدتك‭ ‬بالشارع‭ ‬تذكري‭ ‬تعبها‭ ‬وسهرها‭ ‬على‭ ‬تربيتك‭ ‬ورعايتك،‭ ‬تذكري‭ ‬كم‭ ‬ابنة‭ ‬حرمها‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬والدتها‮»‬‭. ‬

أخذنا‭ ‬جولة‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬وكيف‭ ‬هي‭ ‬مجهزة‭ ‬بكل‭ ‬وسائل‭ ‬الراحة‭ ‬لاستقبال‭ ‬المسنات،‭ ‬رأينا‭ ‬كيف‭ ‬يتعامل‭ ‬القائمون‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬من‭ ‬السيدات،‭ ‬تأكدنا‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدار‭ ‬ستبدأ‭ ‬الحاجة‭ ‬بدرية‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الجحود‭ ‬والعقوق،‭ ‬ستعيش‭ ‬وسط‭ ‬أناس‭ ‬أحاطوها‭ ‬بالحب‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تره‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭. ‬