بين انقسام داخلى وتخبط خارجى l زعامة واشنطن فى مهب الريح

هانتر وبايدن وأوباما
هانتر وبايدن وأوباما

دينا توفيق

ظلت الولايات المتحدة لعقود أقوى دولة فى العالم، وتزعمت قيادته عقب نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى وباتت القوة العظمى الوحيدة، لكنها اليوم تتعثر مع ازدياد المخاوف والانتقادات منذ انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.. حالة من الاستقطاب السياسى والانقسام المجتمعى.. وانحراف اقتصادها نحو النخبة من الأثرياء.. أزمات عدة بداية من إلزامية اللقاح وفرضه على الأمريكيين رغم رفضهم، ومرورًا بتسريب وثائق حول تورط نجل الرئيس الأمريكى اجو بايدنب وتقاضى راتب سنوى مقابل رفع القيود عن أصول ليبية جمدتها واشنطن، وصولًا إلى محاولات مواجهة تنامى قوة الصين وتغلغلها فى مناطق النفوذ الأمريكية.. السمة السائدة الآن هى الصراع وبدأ الكثيرون يتساءلون: هل الولايات المتحدة فى حالة انحدار وتراجع؟

حالة من الانقسام والاحتجاجات ناتجة عن تمكن الأوليجاركية ــ التى تمثّل الرأسمالية المعولمة ــ من السيطرة شبه الكاملة، بعد توغلها فى كل أركان دوائر صنع القرار الأمريكي، بما فى ذلك المكتب البيضاوى، وإخفائها تعاملات نجل الرئيس بايدن اهانترب مع الصين وأطاحتها بالرئيس الأمريكى السابق ادونالد ترامبب، الذى أراد عودة الصناعة والاستغناء عن العملاق الآسيوى، والآن يسارعون فى تنفيذ مخططهم، الذى نتج عنه محو للديمقراطية وإرهاب بيولوجى بات يهدد البشرية وإخضاعها لسياسات لا تخدم سوى النخبة من الأثرياء. وفى المقابل إمبراطورية ومؤسسة رجال الأعمال الأمريكيين اديفيد وتشارلز كوخب، اللذين يمثلان الرأسمالية الكلاسيكية التى تبذل قصارى جهدها للتصدى لأجندة بايدن ورئاسته التى تتحكم بها الأوليجاركية، ما يعنى بوادر لتمرد على ما تقوم به هذه النخبة نحو استعباد الشعب الأمريكي، مع استيقاظ الأخير وإدراك لما يحدث حوله؛ ومن هنا يستمر الصراع دائر داخل الولايات المتحدة، بحسب ما نشره موقع مجلة ارولينج ستونب الأمريكية.

وتعد مؤسسة كوخ واحدة من أكثر الجماعات السياسية انتشارًا وتمويلًا فى الولايات المتحدة، حيث أنفقت أكثر من مليار دولار فى الدورات الانتخابية الأربع الماضية. أوضح الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية، وهو منظمة غير ربحية تمولها مؤسسة كوخ، بأن اخطة إدارة بايدنب غير المدروسة للخروج من الوباء تجاوزت الصلاحيات التى يخصصها دستور الولايات المتحدة للسلطة التنفيذية. وتعهد الجمهوريون والليبراليون بمحاربة تفويض اللقاح الجديد للرئيس بايدن الذى يغطى الشركات الكبرى والعاملين فى مجال الرعاية الصحية والموظفين الفيدراليين، والذى تم الإعلان عنه مع الانتشار السريع لسلالة دلتا من فيروس كوفيد 19 فى جميع أنحاء البلاد. وقالت زعيمة الحزب الجمهورى ارونا مكدانيلب: اعندما يدخل هذا المرسوم حيز التنفيذ، ستقاضى اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، إدارة بايدن لحماية الأمريكيين وحرياتهم. ومنذ أيام أعلنت إدارة موقع ايوتيوبب، التابع للأوليجاركية، عن إزالة الفيديوهات المتعلقة باللقاحات، بحجة احتوائها على معلومات خاطئة ومضللة بشكل عام. يعيد هذا الوضع إشعال معركة أمريكية طويلة الأمد حول الحقوق الفردية، والصلاحيات الدستورية للإدارة الأمريكية لمراقبة المواطنين وتنظيم الرفاهية العامة، والسلطة التنفيذية. هناك قضية فصل السلطات من حيث إن هذا التفويض الجديد يتم فرضه بواسطة الإملاءات الرئاسية، ومدى الصلاحيات والسلطة القانونية لإدارة السلامة المهنية والصحة فى وزارة العمل OSHA، وما إذا كان بإمكان الكونجرس حتى تفويض مثل هذه السلطة للتنفيذ، وفقًا لوكالة ارويترزب. وكما اتهم العديد من المشرعين الجمهوريين، الذين تلقوا اللقاحات، إدارة بايدن بالمبالغة. وقال السناتور الجمهورى اتيد كروزب: ابينما أؤيد اللقاح وتلقيته، يحق للأمريكيين الاختيار عندما يتعلق الأمر بصحتهم. الحصول على اللقاح هو قرار يتم اتخاذه بالتشاور مع طبيب واحد، وليس إجبارًا على الأمريكيين من قبل الحكومة. ووجد استطلاع حديث أجرته شركة Morning Consult، وهى شركة متخصصة فى أبحاث المسح عبر الإنترنت، أن 17% من البالغين فى الولايات المتحدة لا يعتزمون الحصول على اللقاح، و10% غير متأكدين مما إذا كانوا سيحصلون عليه أم لا؛ ما يعنى تردد أكثر من ربع الأمريكيين فى تلقى اللقاح. وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية، بعد روسيا، فى التردد بشأن اللقاحات من بين 15 دولة ذات دخل مرتفع.

ومع محاولات عمالقة التكنولوجيا، الذين حصلوا على مكتب فى الجناح الغربى بجوار المكتب البيضاوي، العمل مع بايدن جنبًا إلى جنب لدفع الأمريكيين للحصول على لقاح كوفيد-19، سعوا أيضًا إلى إخفاء تعاملات نجله اهانتر بايدنب مع الصين والتى كان من شأنها أن تلحق الضرر بترشيحه للرئاسة، إلا أن موقع ابيزنس إنسايدرب الأمريكي، كشف عن أدلة جديدة تفيد بتورط نجل الرئيس بايدن بمحاولات لرفع القيود عن أصول ليبية تقدر بنحو 15 مليار دولار جمدتها واشنطن من نظام القذافى عام 2013 فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق اباراك أوباماب، مقابل مليونى دولار سنويًا، وفقًا لمجلة انيويوركرب الأمريكية. وبينما يبدو من رسائل البريد الإلكترونى الجديدة أن صفقة ليبيا لم يتم إتمامها، فإنها تفتح الباب على الآليات والمخزون الذى تم وضعه فى علاقات هانتر السياسية لاسيما علاقته بوالده الذى كان نائبًا للرئيس فى ذلك الوقت.

ومثلما عارضت بشدة الجماعات المدعومة من مؤسسة كوخ قانون اأوباماب للرعاية الصحية ومشروع قانون المناخ، ومن ثم بايدن، كان فى بعض الأحيان، لديهم اتفاق فى قضايا مشتركة مثل الضغط لإنهاء الحروب فى العراق وأفغانستان. لا تزال توابع انسحاب القوات الأمريكية من الأراضى الأفغانية وترك السلطة لحركة طالبان تثير المخاوف والتساؤلات حول الدور الأمريكى وما يحدث داخليًا خاصة أن القرار جاء منفردًا بعيدًا عن الحلفاء. الوقت وحده سيحدد ما إذا كانت حقًا كما يقال إن اأفغانستان مقبرة الإمبراطورياتب وتتراجع الولايات المتحدة كما حدث مع ااتحاد السوفيتى أم لا.. أدت هجمات الحادى عشر من سبتمبر والخوف من الإرهاب إلى تدخلات عسكرية أمريكية فى الخارج. الحرب فى أفغانستان كلفت البلاد أكثر من 2 تريليون دولار بالإضافة إلى أرواح الآلاف من جنودها، وانتهت بالهزيمة. لقد مات زعيم القاعدة اأسامة بن لادنب، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، ولكن الإسلاموية الجهادية العنيفة لم تُهزم، بل انتشرت. وتراجعت الحرب على الإرهاب إلى هوامش السياسة الأمريكية مع بروز مخاوف من انهيار النظام العالمى الليبرالى.

وأثارت المشاهد المروعة فى مطار كابول عددًا من التصريحات القاتمة حول تراجع القوة الأمريكية. لا تعكس النغمة البائسة لردود الفعل هذه الرعب على الأرض فحسب، بل تعكس أيضًا إحساسًا بالخيانة التى يشعر بها الخبراء والتواجه نحو عصر ما بعد أمريكا. ستحل الصين محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة الصاعدة فى العالم، ومبادرة االحزام والطريقب التى تمتد بالفعل من شنغهاى إلى كراتشى، ستضم أفغانستان أيضًا. ويوضح المؤرخ البريطانى اآدم توزب أنه على الرغم من أن هذا الرأى قد يكون مقنعًا، إلا أنه مضلل وستستمر القوة الأمريكية فى تحديد النظام العالمى من ناحيتين رئيسيتين؛ الأولى من خلال التمويل، لا ينبغى الخلط بينه وبين التجارة أو النمو الاقتصادى، لا يزال الدولار هو السائد. والبعد الثانى للقوة الأمريكية هو العسكرى؛ صحيح هناك خطأ فى الخروج من كابول، لكن هذا لا ينبغى أن يصرف الانتباه عن الثقل التاريخى العالمى للقوة العسكرية الأمريكية. حددت الولايات المتحدة النظام العالمى منذ أربعينيات القرن الماضي، عندما ظهرت لأول مرة كقوة عسكرية مفرطة ذات أسطول بحرى واسع وقوة جوية مسلحة نوويًا لا مثيل لها. وتستمر فى ذلك، الانسحاب من أفغانستان هو جزء من إعادة تنظيم أوسع بدأت فى عهد أوباما. وانتقلت فكرة إعادة توجيه الاستراتيجية إلى عهد ترامب؛ حيث حددت استراتيجية الدفاع الوطنى لعام 2018 التحدى المستقبلى للبلاد على أنه منافسة القوى العظمى مع الخصوم، وليس مكافحة الإرهاب. لم تكن الساحة الرئيسية هى آسيا الوسطى أو الشرق الأوسط، بل كانت منطقة المحيطين الهندى والهادئ. والآن، تضاعف إدارة بايدن من هذه الخطة الاستراتيجية. ويوضح توز قائلًا: إن القيادة العسكرية الأمريكية تستعد لمواجهة التحديات الجديدة، إنها ليست غافلة عن النمو الاقتصادى للصين ولكن نيتها هى قطع الصلة بين الناتج المحلى الإجمالى والقوة العسكرية من خلال حرمان الصين من التقنيات الاستراتيجية. وقد تقدم الصين مساعدات مالية لكل من أفغانستان وباكستان، إذا انتهى الأمر بكليهما فى فلك بكين، فسيكون ذلك من صنع الولايات المتحدة. ولمواجهة العملاق الآسيوي، سيحتاج البنتاجون إلى إعادة تشكيل المجمع الصناعى العسكرى؛ وستأتى التكنولوجيا من اوادى السيليكونب، الذى كان تجمعه الشراكات التكنولوجية مع الصين. 

فيما نشرت صحيفة اذا هيلب الأمريكية، استطلاع حديث أجراه المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية، كشف أن الرأى العام داخل حلف الناتو يؤمن بأغلبية ساحقة بلغت 59% أنه فى غضون عقد من الزمن ستكون الصين أقوى من الولايات المتحدة االمنقسمة سياسيًاب، كما تضمن الاستطلاع أيضًا رسالة مقلقة مفادها أن أغلبية مماثلة تعتقد أن البلدان الأوروبية يجب أن تظل محايدة فى أى نزاع محتمل بين الولايات المتحدة والصين أو روسيا. ربما يؤدى الصراع الداخلى إلى إنقاذ الولايات المتحدة، أو يكون لها بمثابة الضربة التى يمكن أن تقضى عليها بالكامل، ولكن الأمر سيتوقف على التيار الذى من سينتصر فى النهاية.