احم احم !

ميكروباص تايه يا ولاد الحلال!

هشام مبارك
هشام مبارك

فى طفولتى الاولى بداية السبعينيات استيقظت مصر كلها على خبر عروس الإسكندرية, تلك الفتاة التى كانت تسير بجانب خطيبها فى شارع النبى دانيال بالثغر ثم انشقت الأرض وابتلعتها ،ظلت تلك الواقعة حديث الراى العام فترة طويلة واشتهر الشارع وقتها بانه مقبرة للعرايس، كنت أقرا كثيراً وقتها فى الصحف التى تابعت الحادث يومياً عبارة ان الارض انشقت وابتلعت الفتاة وكثيراً ما كنت اشعر بالرعب كلما اضطررت للخروج للشارع معتقداً ان ماحدث بشارع النبى دانيال فى الإسكندرية ممكن بسهولة ان يتكرر فى شارعنا بالصعيد، لذا كنت احرص دايماً على السير على الرصيف معتقداً ان الشارع لن يبتلع الا من يمر فى وسطه وليس على الرصيف، وطبعا ظلت الإسكندرية لوقت طويل مرتبطة فى ذهنى بتلك الحادثة المرعبة ولم اتخلص من فوبيا المشى فى شوارع الاسكندرية الا بعد ان كبرت جداً، لكن ظل تاثير ما كنت اقراه من متابعتى للحادثة فى اعماقى خاصة مع الشايعات التى بدات تنتشر فى ذلك الوقت عن الشارع الذى يبتلع الفتيات الجميلات والتى تبين بعد ذلك انها مجرد خرافات صدقها الناس بعد ان رددوها، وتحمل كل عناصر التشويق والاثارة عن قصة اختفاء العروس التى كانت تسير بجوار خطيبها ثم اختفت فجاة وفشلت كل محاولات البحث عنها بواسطة الضفادع البشرية، ثم اتضح بعد ذلك السبب ان الشارع حدث به انهيار فسقطت الفتاة فى اعماقه وبسبب وجود انفاق الصرف الصحى جرفها التيار الى البحر ولم يعثر لها على اى اثر فى البحر المالح.. فى هذه الايام والتى تشهد طفولتى الثانية حيث الانسان يعود الإنسان فى شيخوخته طفلاً من جديد وهو فى خواتيم عمره تتكرر نفس حكاية عروس الإسكندرية، مع الفارق ان البطل هذه المرة ميكروباص باكمله يحمل اربعة عشر راكبا اختفى فى غمضة عين، كما تقول الروايات او الشايعات التى لم تجد من يوكدها او ينفيها، فى حادثة شوارع الإسكندرية كنت طفلاً وكان علاج المشكلة الا اخرج للشارع والا اسافر للإسكندرية، اما فى هذه الحالة فانا واحد ممن يستخدمون الميكروباص يومياً فى تنقلاتهم، ولحم اكتاف كثير من السايقين على خطوط الميكروباص المختلفة من خيرى وخير من هم على شاكلتى من الاعضاء الموسسين لنادى الميكروباص، وبصراحة لا اقبل ابداً فكرة ان أكون فى ميكروباص ذات يوم فيطير بنا فى النيل دون ان يعثر احد لنا على اثر ولا جتة ليدفنوها فى التراب.. لذا اجد نفسى مثل ملايين المصريين نضرب كل يوم أخماسا فى أسداس ونحن نتابع قصة الميكروباص المختفى ولا ندرى حتى الان ان كانت حقيقة فنكون امام كارثة, او خيالاً وقصة وهمية لم تحدث من الاساس فنكون امام كارثة اكبر تستدعى ان يتكاتف جميع اطباء علم الاجتماع ليفسروا لنا كيف ينجح الخيال الشعبى فى استخدام السوشيال ميديا لينسج تلك القصة  من لا شيء وينشرها على ذلك النطاق الواسع, لدرجة ان البعض بدا يصدق الاساطير التى بدات تنتشرعن عودة النيل ليطلب قرابين من البشر حتى يستمر فى الجريان, عندما كان الفراعنة زمان يقدمون له فى كل عام فتاة جميلة عربون محبة، وقد فوجيت برجل عجوز منذ يومين جلس جوارى فى الميكروباص والذى كانت تدور كل احاديث ركابه عن الميكروباص المختفى بركابه الاربعة عشر ،حيث قال بكل ثقة:هو حتى النيل قرفان من الستات وعلشان كده خطف 14 رجلاً مرة واحدة؟ كان واضح طبعا ان الرجل مش طايق مراته ولا نفسه فاطلق تلك العبارة ،ولان شر البلية ما يضحك دخل راكب اخر فى مشادة مع السايق طالباً منه ان يسرع لانه متاخرعن شغله فقال السايق بثقة: انا معنديش استعداد انزل بيكم فى النيل وعموما مش هارغى معاك كتير وأبقى لما تنزل بص شوف شعارى ايه، طبعا لم اقاوم فضولى وبمجرد نزولى من الميكروباص وجدته قد كتب على خلفيته: «ماشية براحتها علشان خايفة على صحتها»!