بعد أربعة عقود على «حادث المنصة» هل اغتالت إيران أنور السادات؟

السادات ومبارك خــــــــــــلال العرض العسكرى
السادات ومبارك خــــــــــــلال العرض العسكرى

بعد 40 عامًا على «حادث المنصَّة»، الذى أودى بحياة الرئيس الراحل أنور السادات، لم تبرح علامات الاستفهام مكانها، وأبت العقود الأربعة حل شفرات اللغز، ما فتح الباب أمام تأويلات، ذهب بعضها إلى وقوف «دوائر أجنبية» وراء اغتيال صاحب قرار الحرب والسلام.


ولمَّا كان لمصطلح «دوائر أجنبية» حضور فى الحادث، انتفى ـ حتى عند جمع المعلومات - استثناء أى منها، خاصة عند طرح سؤال حول تحريض إحدى دول المنطقة على عملية الاغتيال، وتجنيد عناصر راديكالية مصرية فى عملية التنفيذ.


ربما يفتقر السؤال إلى البراءة الكافية، خاصة إذا كان محسوبًا على إسرائيل، وجاء فى إطار ورقة بحثية، أعدها ضابط استخبارات متقاعد، يُدعى «بيسَح ملوبانى»، الذى سبق وخدم فى وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، وتخصَّص وهو فى رتبة عقيد احتياط فى صياغة دراسات لصالح الاستخبارات الإسرائيلية حول أداء وقوة الجيوش العربية؛ فضلًا عن تأليف أكثر من كتاب فى هذا الخصوص.

الريبة فى الورقة البحثية ومعدَّها، فضلًا عن «الشهادة المجروحة» عند النظر إلى علاقات إسرائيل بالدولة المقصودة، لا تحول دون التعاطى معها، وإنما تفرض بالضرورة حذرًا عند الارتكان إلى مصداقية معلوماتها، خاصة إذا كان عنوانها «هل وقف الإيرانيون وراء اغتيال السادات من أجل فرض السيطرة على مصر؟».

فى مقدمة الدراسة المنشورة بموقع «يسرائيل دفينس» المتخصص فى الشئون العسكرية، يدعى معدها العقيد الإسرائيلى المتقاعد، ودون وضع علامات استفهام، أن طهران ومن خلال الحرس الثورى الإيراني، رعت وأعدت عن بُعد عملية اغتيال السادات،  مشيرًا إلى أن هدفها حينئذ، كان السيطرة على مصر، وإلغاء اتفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب. أما الوسيلة التى استخدمتها إيران فى تنفيذ العملية، فهى ذات الكوادر الراديكالية، التى تصر حتى الآن على تهديد استقرار المصريين، قاصدًا بذلك التنظيمات الإرهابية، وفى طليعتها جماعة الإخوان الإرهابية، وتنظيم «الجماعة الإسلامية».

ضلوع محتمل

الورقة البحثية المثيرة للجدل، ركزت فى تناولها على الفترة ما بين بداية نظام الخوميني حتى عملية اغتيال الرئيس السادات، والضلوع الإيرانى فى الحادث، فضلًا عن التخطيط لحدث يضاهى الثورة الإيرانية، التى اندلعت فى فبراير 1979.


وتشير الدراسة إلى تردى العلاقات المصرية – الإيرانية حينئذ، وبشكل غير مسبوق خلال حُكم السادات، ووصولها إلى صِدام مباشر بين الرئيس الراحل والخوميني واعتبار الإيرانيين مصر دولة معادية على خلفية موافقة السادات على منح اللجوء السياسى للشاه المخلوع رضا بهلوى، الذى طالب الخومينى وحاشيته بمحاكمته فى إيران.

من جانبها، رأت مصر ممثلة فى السادات، أن إيران وأفكارها الثورية الراديكالية تشكل تهديدًا على استقرارها، ما حدا بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1980 ولم تُستأنف إلا عام 2011، وتحديدًا بعد تولى عضو جماعة الإخوان محمد مرسى رئاسة البلاد 
خلال توليه الرئاسة، دأب السادات على انتقاد الخومينى والنظام الإيرانى الجديد، وقال على سبيل المثال، ووفقًا للباحث الإسرائيلى إن «سياسة الخومينى عار على الإسلام»، وأن ممارساته تؤكد أنه وحاشيته خرجوا فعليًا على صحيح ومنهج الإسلام.
 
لقاء هيكل

ردًا على ذلك، وفى سياق لقاء مع مايك والاس، الـمـــــذيــــع آنـــــذاك فـــــــى شـــــــبكة NEWS CBS الأمريكية عام 1979، ادعى الخومينى أن «الشعب المصرى يرغب فى الإطاحة بالسادات». وفى رده على سؤال حول ما إذا كان يطالب المصريون بالانقلاب على السادات مثل انقلاب الإيرانيين على نظام الشاه، رد مترجم الخومينى بالإيجاب.
 
كرر الخومينى تصريحات بذات الروح عام 1980، خلال لقاء مع الكاتب الصحفى الراحل، محمد حسنين هيكل. ودون أن يوضح السبب، أشار الباحث الإسرائيلى إلى أن لقاء الخومينى مع مايك والاس، انتهى بطرد الأخير من إيران، وحظر عودته إليها مجددًا 
وفى حين لم يتطرق الباحث ذاته إلى أجواء التعامل مع المُحاور المصرى هيكل، قفز إلى تأكيد اعتياد الإيرانيين على اتهام أعدائهم بالكُفر (التكفير)، وتشجيع الشعوب العربية على الانتفاض ضد أنظمتها، اعتمادًا على هذا الاتهام، كما قدموا المساعدات والعطايا لعدد هائل من الميليشيات ومختلف العناصر، الساعية إلى الانقلاب على الأنظمة القائمة فى بلادها، بداعى عزوف هؤلاء الحُكَّام عن الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية.

وتشير الدراسة العبرية إلى أن كافة ممارسات نظام الخومينى فى حينه، هدفت إلى السيطرة، وتوسيع نطاق نفوذها فى المنطقة، فضلًا عن أن الشاه بغيض الخومينى وحاشيته، نجح فى الحصول على اللجوء السياسى لدى السادات، بالإضافة إلى بالغ انزعاج الخومينى من علاقة السادات مع الولايات المتحدة، التى يعتبرها «الشيطان الأكبر»، وإبرامه اتفاق سلام مع إسرائيل، التى ينعتها الخومينى بـ«الشيطان الأصغر».

مصدر إلهام

وإلى جانب حملات التصعيد الإعلامي، التى شنَّها الخومينى حينذاك ضد السادات، أصبحت الثورة الإيرانية - مصدر إلهام لدى كافة الجماعات والعناصر الراديكالية فى العالم العربي، الأكثر تطرفًا أكثر تأثرًا بالثورة الإيرانية مثل جماعة «الإخوان»، و«الجماعة الإسلامية» فى مصر، ونظيرتها فى فلسطين.

ومن أبرز الشخصيات التى تأثرت وقتها بالثورة الإيرانية، كان مؤسس حركة «الجماعة الإسلامية» الفلسطينى فتحى الشقاقي، الذى ألف كتابًا بعنوان «الخومينى الحل الإسلامى والبديل»، الذى صدر فى نفس عام اندلاع الثورة الإيرانية.

 

أما نشأة علاقات حركة «الجماعة الإسلامية» المصرية، و«الإخوان» بمعارضة نظام الشاه، فبدأت فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، قبل سنوات من استيلاء الخومينى على السلطة؛ لكنها اكتسبت الزخم المرجو من الطرفين خلال زيارة الخومينى لمصر عام 1938، ولقائه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان فى مكتب الإرشاد بالقاهرة.

دولة إسلامية

وتشير الدراسة إلى ترحيب جماعة «الإخوان» حينئذ بالثورة الإيرانية، نظرًا لأنها تحقق أفكارهم فى هذا الصدد، وتعزز تصورهم بضرورة إعلان ما يُعرف بـ«دولة إسلامية» فى مصر.

وقام وفد من جماعة الإخوان بزيارة إيران، بعد وقت قصير من استيلاء الخومينى على السلطة وقدم الوفد تهانيه بنجاح الخطوة، والتقى أعضاؤه رؤساء القيادة الإيرانية الجديدة وبحثوا سويًا سبل تطوير العلاقات المتبادلة.. إن علاقة إيران المعقدة، وعداءها لنظام السادات من جهة، وعلاقاتها الإيجابية مع جماعة «الإخوان» من جهة أخرى، دعمت طهران فى خطها الدعائى ضد السادات، وحرضت على الإطاحة بنظامه، فضلًا عن الدعوة إلى اغتياله.

فرح ديبا

واستنادًا إلى ما وصفته الدراسة بـ«مصادر مصرية»، ربما قصد بها الباحث مؤلفات الكوادر المنشقة عن تنظيمات راديكالية، نشأت بداية العلاقة بين تنظيم «الجماعة الإسلامية» ونظام طهران الجديد، بمبادرة إيرانية؛ وجاء ذلك خلال لقاء جرى أوائل ثمانينيات القرن الماضى بين ممثلين عن التنظيم، وسفير إيران السابق لدى الفاتيكان، هادى خوسارو شاهي، وهو أحد تلاميذ الخومينى المقربين.

خلال اللقاء الذى جرت فعالياته فى الجزائر، ودار حول ما يوصف بـ«الفكر الإسلامي» عرض السفير الإيرانى على أعضاء التنظيم تنفيذ عملية لاغتيال فرح ديبا، زوجة الشاه المعزولالتى كانت تقيم حينئذ مع زوجها وأسرتها فى القاهرة، لكن العملية لم تخرج إلى حيز التنفيذ فى نهاية المطاف، نظرًا لتدخل الخومينى فى الموضوع، ورفضه المصادقة عليها.

ووفقًا للمصادر التى تعتمد عليها الدراسة فى هذه النقطة، أوفد قادة «الجماعة الإسلامية» ممثلين عن التنظيم إلى مدينة قُم الإيرانية عام 1981، والتقى الوفد عددًا من الشخصيات الإيرانية البارزة، وفى طليعتها آية الله حسين على منتظري وكان من أقطاب النظام الجديد. استعرض الوفد خطة للقيام بثورة إسلامية فى مصر، تهدف إلى إسقاط النظام. وتضمنت الخطة اغتيال الرئيس السادات، وخروج جماعات مسلحة فى شوارع مدينة أسيوط، إذ كانت تعتبر حينئذ معقلًا لعناصرها، ثم انطلاق مجموعات مماثلة فى مختلف المدن المصرية، للسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة.

تمويل العملية

لاقت الخطة استحسان وقبول منتظري، وسأل أعضاء الوفد عن الدور الذى يجب على إيران القيام به لنجاح الخطة، وجاءه الرد، بحسب الدراسة الإسرائيلية: «نحتاج من إيران نصف مليون دولار لتمويل عملية الاغتيال، وتسليح العناصر المكلفة بها، وتشجيع كوادر الانتشار فى الشوارع، وتمويل عمليات شن هجمات عنيفة على مؤسسات النظام، فور اغتيال السادات.


وتشير معلومات الدراسة إلى موافقة منتظرى على التمويل واغتيال السادات، وأصدر تعليماته خلال الاجتماع لأحد الحضور الإيرانيين، وهو السيد مهدى الهاشمى، الذى كان مسئولًا عن قيادة الحرس الثورى، بتوفير كافة المخصصات المالية اللازمة، لما وصفه بـ«دعم عمليات حركات التحرر الإسلامية والدولية».

خلال الاجتماع أيضًا، وبعد صدور التعليمات الواضحة والمباشرة، اتفق وفد «الجماعة الإسلامية» مع الإيرانيين على آليات تحويل المبلغ المطلوب إلى مصر، لا سيما أن أعضاء «الجماعة» 
طلبوا تحويل المبلغ عبر وسيط فى إحدى الدول العربية ورغم نجاح عملية اغتيال السادات، فإن الإيرانيين لم يلتزموا بتحويل المبلغ وعاد الوفد إلى إيران لاحقًا، للوقوف على أسباب عزوف طهران عن الوفاء بوعودها، بحسب الدراسة.

هيكل خلال لقاء الخوميني فى طهران

الإعداد للثورة

فى مصر، شرعت عناصر «الجماعة الإسلامية» فى الإعداد لـ«ثورة إسلامية» على الطراز الإيراني، بعد أن جرت مباركة الخطة فى مدينة قُم. لكن الخطة لم تقتصر على اغتيال السادات فقط وإنما شملت التحرك للإطاحة بالنظام، عبر تسيير مظاهرات جماهيرية حاشدة فى شوارع المدن وإقامة «دولة إسلامية» فى مصر من خلال ما وُصف بـ«الثورة الشعبية»، إلا أنه جرى إحباط النصف الثانى من الخطة، وتمكنت الأجهزة المعنية من إلقاء القبض على القائمين عليه.


وتحدثت الدراسة عن إشارة عضو بارز فى تنظيم الجماعة الإسلامية إلى أنه بعد عام 1981 تطورت علاقات واسعة بين «الجماعة» والاستخبارات الإيرانية، وتلقت الأولى بموجب تلك العلاقات مساعدات مالية ولوجستية هائلة.