دكاكين السلفية.. حيلة جديدة لاختراق المجتمع

دكاكين السلفية
دكاكين السلفية

تقرير يكتبه: عمرو فاروق

على مدار السنوات الماضية والدولة المصرية تعمل على تجفيف منابع التطرف ..على مدار السنوات الماضية والدولة المصرية تعمل على تجفيف منابع التطرف على المستوى الفكري والتنظيمي، ابتداءً بجماعة الإخوان ومصادرة كياناتها ومؤسساتها، مرورًا بالسلفية التقليدية، انتهاءً بتنظيمات السلفية الجهادية المسلحة، التي هددت السلم الاجتماعي، وسعت لاستقطاب العقل الجمعي للدوائر الاجتماعية وتطويعها لما يتفق مع مشروعها الفكري والسياسي.

ورغم ما قدمته الأجهزة التنفيذية المصرية في مكافحة الإرهاب وتفكيك حواضنه الفكرية والشعبية والسياسية، فإن التيار السلفي ما زال يتمدد في عمق الشارع المصري، متخذاً حيلًا جديدة تعزز من تواجده وسطوته في إنتاج قوالب بشرية تحمل جينات التطرف والعنف.

ما نطرحه في السطور التالية ما هو إلا سعي لغلق الباب أمام التنظيمات التكفيرية، في إطار الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، والاهتمام بتقديم خطاب سياسي ديني يدعم مشروع الدولة الوطنية، وأملاً في اتخاذ إجراءات صارمة للحد من تأسيس الدكاكين الفكرية للتيارات السلفية عبر الشبكة العنكبوتية، التي تستهدف صناعة تيارات جماهيرية شبابية داعمة للمنهجية الوهابية فقهيًا وعقائديًا وسياسيًا، مع تجاوز أكذوبة أنها تمثل توازانًا فكريًا في مقابل موجات الإلحاد والعلمانية.

منذ سبعينات القرن الماضي والتيارات السلفية تتغلغل في قاع الشارع المصري من خلال مؤسسات وكيانات داعمة لمنهجيتها الفكرية، تمثلت في «معاهد إعداد الدعاة» والجمعيات السلفية الثقافية، التي بلغت أكثر من 150 معهدًا على مستوى الجمهورية، (بعضها أسس بشكل غير رسمي)، وتركز دورها في إنتاج «دعاة سلفيين»، يتقلدون المنابر ويسيطرون على الزوايا والمساجد، وينافسون المؤسسة الأزهرية، ووزارة الأوقاف في دورهما في الهيمنة على الخطاب الديني.

سيطرت السلفية التقليدية على «دولة الخطابة»، كانت سببًا جوهريًا في غلق دكاكين تأهيل «الدعاة السلفيين»، إذ أصدرت وزارة الأوقاف المصرية، قرارًا في أكتوبر 2015 بإلغاء جميع تراخيص «معاهد إعداد الدعاة» التابعة لـ»الجمعية الشرعية» وجمعية «أنصار السنة المحمدية»، وجمعية»الدعوة السلفية»، وحمعية»دعوة الحق»، في مقابل إشهار «أكاديمية الأزهر الشريف لتدريب الأئمة وباحثي الفتوى» عام 2018، فضلاً عن إشهار «أكاديميّة الأوقاف الدوليّة لتدريب الأئمّة»،عام 2019، من أجل تجديد الخطاب الدينيّ، عبر تنقية التراث ومفاهيم الدين بما يتناسب مع العصر الحالي.

تعليم في الخفاء

في إطار الدور الموازي وغير الرسمي الذي لعبته تيارات السلفية التقليدية في نشر أطروحاتها الفكرية بعيدًا عن سلطة الدولة المصرية، اتخذت مسارًا جديدًا في إطار منافسة المؤسسات النظامية على الخطاب الديني، من خلال تأسيس عشرات «الأكاديميات التعليمية» غير الرسمية، التي يشرف عليها عدد من المرجعيات السلفية التي تشربت الأدبيات الوهابية، وتعمل جاهدة على نشرها بين طبقات المجتمع وشرائحه المتعددة.

تعتمد «الأكاديميات السلفية» على «التعليم عن بعد»، عبر منصات الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي؛ فوضعت مقرارات ومناهج ثقافية فكرية يتم دراستها في مراحل زمنية فصلية، تنتهي باختبارات وتقييمات يمنح بناء عليها المتقدمين شهادات تثبت حصولهم على برامج ودورات دينية شرعية، ممهورة بتوقيعات المرجعيات السلفية المسؤولة والمشرفة على الأكاديمية.

البرامج الدينية الشرعية لـ»الأكاديميات التعليمية»، تتسق مع المناهج الفكرية الوهابية التي تبنتها المدارس السلفية على مدار تاريخها، فيما يخص رؤيتهم في شروح العقيدة وأصول الفقه والحديث ومنطلقات التفسير وعلوم القرآن، فضلاً عن الكثير من المشارب السلفية المتعلقة بالقضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية.

تاريخيًا لعبت السلفية التقليدية أو الحركية دورًا محوريًا في دعم تيارات الإسلام السياسي والحركي وزيادة تأثيرها في الشارع المصري، وشكلت بيئة حاضنة للفكر المتطرف،إذ أن غالبية النماذج التي شاركت في معسكرات القتال في سوريا والعراق وليبيا، عقب ما عرف بـ»ثورات الربيع العربي»، خرج جميعها من عباءة السلفية التقليدية، ولم تكن صمام آمان ضد الانخراط في تلك الكيانات المتشددة والمنحرفة فقهيًا وعقائديًا، مثلما يدعي أنصارهم وأتباعهم.  

بالأسماء

يأتي على رأس الدكاكين السلفية النشطة على الشبكة العنكبوتية وتحولت لدوائر استقطاب وتجنيد فكري بين الأوساط الشبابية، «أكاديمية تبصرة للعلوم الإسلامية»، التي يديرها السلفي محمد عبد المنعم، و»معهد الجهني للعلوم الشرعية»، و»معهد بناء للدراسات الشرعية» و»أكاديمية بيان للتأسيس الشرعي»، و»المعهد الفقهي» و»أكاديمية بداية للعلوم الشرعية»، ويشرف عليهم القيادي السلفي خالد الجهني، ابن محافظة سوهاج (جنوب مصر).

ويدير الشيخ أبو اسحاق الحويني،»معهد شيخ الإسلام العلمي»، الذي تم تأسيسه عام 2016، داخل أحد المساجد وتم إغلاقه من قبل وزارة الأوقاف المصرية، والآن يمارس دوره عبر الشبكة العنكبوتية، وتشمل مدة الدراسة به سنة تمهيدية و4 سنوات دراسية منتظمة، كما يقدم دبلومات وبرامج خاصة بالدراسات العليا، ويمنح المتقدمين شهادات إجازات شرعية وهمية، فضلاً عن «أكاديمية رحلة طلب العلم الشرعي»، و»أكاديمية المعالي للعلوم الشرعية» التي يديرها أحمد عبد العزيز جوهر، القيادي السلفي بمحافظة الدقهلية (شمال مصر).  

ومن المؤسسات الفكرية التي تعلب دورًا بارزًا في نشر الخطاب السلفي، «أكاديمية الفرقان للثقافة الإسلامية»،ويشرف عليها علاء حامد، وباسم عبد الرسول، وهشام عزمي، ومحمد الجهمي، وعمرو الجزار، وإيهاب الشريف، وزين العابدين كامل، يضاف إلى ذلك «الأكاديمية الإسلامية العلمية» ويشرف عليها أسامة زيدان، وشوقي عبد الصادق، ومحمد جودة، ومحمد فرحات، وكذلك «أكاديمية برنامج التأسيس العلمي»، ويشرف عليها محمد صلاح الإتربي، وماجد شاهين، ومحمد رياض، ومحمد شاكر، وأحمد زايد الأزهري، وأحمد يحيى شريف، و»أكاديمية الأرقم التخصصية»، التي يشرف عليها الشيخ مصطفى سعد مصطفى، ومدة الدراسة بها 5 سنوات متصلة، وتمنح المتقدمين إجازات في العلوم الشرعية التي يتلقونها عبر البرامج الفكرية والثقافية المقررة.

وكان للشيخ وحيد عبد السلام بالي، نصيبًا في تأسيس والإشراف عدد من الدكاكين السلفية، مثل «معهد الفتح»، ويعرف عبد السلام بالي،  بـ»شيخ العفاريت»، نظرًا لتخصصه في علاج الجن والسحر، كما كان ضمن تشكيل «مجلس شورى العلماء» المظلة التي صنعتها جماعة الإخوان الإرهابية للسيطرة على التيارات السلفية  نهاية عام 2012.

يمارس عبد السلام بالي نشاطًا مكثفًا في العمق الإفريقي عبر مؤسسة «عيد الخيرية» ، المدرجة على قائمة الكيانات الإرهابية والمتهمة بدعم تنظيم «القاعدة» في الداخل الإفريقي، وكذلك رئيسها علي عبد الله السويدي، مدرج على قوائم الإرهاب الصادرة من (مصر والمملكة العربية السعودية، والإمارات، والبحرين).

تمثل الأكاديميات الشرعية الوهمية، امتدادًا لمسارات «معاهد إعداد الدعاة» التي تم إغلاقها بقرار رسمي من الدولة المصرية، وتعتبر بوابة خلفية للراغبين في الحصول على لقب «داعية سلفي»،  في ظل صعوبة حصول الكثير منهم على أي درجة علمية من جامعة الأزهر الشريف، لاسيما أن عددًا كبيرًا من الملتحقين بهذه الدورات من خريجي التعليم المتوسط.

تتعمد الدكاكين الفكرية السلفية على خلق دوائر مجتمعية موازية، مرتبطة فكريًا وعقائديًا بالتيارات الأصولية ومؤمنة بإشكالياتها وقضاياها ومواقفها من النظم السياسية ومؤسسات الدولة التشريعية والسيادية والدينية، فضلاً عن قيامها بدور تعليمي وتأهيلي بديل ومنوط بالمؤسسة الأزهرية، والأوقاف المصرية في تجهيز وتدريب الدعاة بما يتفق مع الإسلام الوسطي والعصري بعيدًا عن الانحراف الفكري والتطرف الديني.

السوشيال ميديا

لم تعد التيارات السلفية في حاجة إلى القنوات الفضائية والجمعيات الأهلية وملاحقاتها من المساجد والمنابر والمعاهد، إذ تمكنت خلال فترة زمنية قصيرة من تحويل منصات السوشيال ميديا المتعددة إلى مرتكزات للاستمالة الفكرية وأبواق لتزييف وعي الكثير من الأجيال الشبابية الجديدة، تهربًا من الرقابة الأمنية، لاسيما أن الجميع يدرك أن السلفية التقليدية بمثابة محطة ترانزيت في تجنيد خلايا «الذئاب المنفردة»، التي يتم توظيفها في عمليات مسلحة ضد مؤسسات الدولة.

الإقبال على الدكاكين الفكرية السلفية ليس بالقليل ولا يمكن الاستهانة به، لاسيما أن أعداد المتقدمين للالتحاق بـ»معاهد إعداد الدعاة» التي أغلقت من قبل الأجهزة التنفيذية المصرية، كان يزيد على الـ30 الف سنويًا، ما يعني أن هذه الأكاديميات لديها وفرة حاليًا في النماذج البشرية، فضلاً عن قبولها في الأوساط القريبة من تيارات الإسلام السياسي، وتتحصن بشكل كبير في عمق الأقاليم المصرية، ما يحقق لها الاستمرارية والتواجد بعيدًا عن أعين الرقابة والمحاسبة.

لن تسقط من ذاكرة ووجدان الشارع المصري مشاهد الزحوف السلفية التي حاصرت مدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية، ودار القضاء العالي، ولا تجمعاتهم المليونية في قلب ميدان التحرير تحت مسمى»جمعة قندهار» في يوليو 2012، وجمعة «تطبيق الشريعة»، في نوفمبر 2012، وتحولهم لأذرع بشرية تابعة وداعمة لحازم صلاح أبو اسماعيل والتي عرفت فيما بعد بــ»حركة حازمون» ومارست العنف المسلح ضد قوات الشرطة، بجانب  دعمهم ومشاركتهم في اعتصامي رابعة والنهضة.