حمد الترهوني
لا للخرافة .. لا للجهل .. لا للغيبيات، نعم للعلم، والبحث المنطقى وراء كل حادث مجهول.
هذا مانود الإشارة إليه، فحكايات الجن والعفاريت تقيم فى العقل المصري ، التراث ملئ بحكايات "الجنية" التي تخطف الأطفال والرجال ، والعفاريت تسكن بيوت القتلى وتروع حياة من يفكر في السكن فيها ، و"النداهة" توقظ الناس وتذهب معهم إلى الأسواق وتدفعهم للغربة والهجرة.
والجن الذي يلبس أجساد النساء والرجال ويحرق البيوت ويحرس كنوز الأجداد القدماء، لكن لم نر شيئا رؤيا العين من كل هذه الحكايات .. فقط هي سماعية.. لهذا لابد أن نرفع فى هذا الموضوع شعار"لا للخرافة"، لأسباب كثيرة، لأنه من أدوات حروب الجيل الرابع للسيطرة على مجتمعنا وعقول شعوبنا، لهذا نحن حققنا فى هذه الواقعة المثيرة والغريبة، والتي يجب فتح التحقيق فيها ومعرفة أسباب هذا الحريق، الذي يندلع فى نفس التوقيت من كل عام فى إحدى الفيللات بمركز بني مزار بمحافظة المنيا.
نحن لا نؤمن بالخرافات ولاندعمها بل نطرح الواقعة فقط لمعرفة السبب الحقيقي، والتفسير المنطقي لما يحدث.
مقدمة أخرى لابد منها فى هذا الموضوع، مع التطور العلمي والتكنولوجي الكبير، ونحن فى بدايات القرن الواحد والعشرين، ومفهوم "الثورة العلمية والتكنولوجية"، والتحول الجذري والنوعي فى المجتمع على أساس العلم وكشف العلم عن غوامض طالما اعتقدنا بتأثيرها السحري، وتطور حياتنا بشكل ملحوظ، لكن لايزال هناك حكايات الجن والعفاريت الغامضة التي تسكن العقل المصري، وكانت آخر تلك الحكايات ماطالعتنا به إحدى القنوات والمواقع الإخبارية الأجنبية، تحت عنوان "غموض يلف فيللا المنيا.. نيران كنز مدفون، وبدأت القناة تقريرها ببث فيديو لنيران مشتعلة من بناية تشبه الفيلا، وسطور التقرير المخطوطة عبر الفيديو، تشرح:"نيران تشتعل كل سنة دون سبب واضح، حادث غريب يتكرر كل عام فى إحدى الفيلات بمركز بني مزار، فى محافظة المنيا شمال صعيد مصر، حيث تشتعل النيران فى أحد الطوابق بالفيلا، فى آخر شهر يوليو أو مطلع شهر أغسطس من كل عام، دون سبب واضح، هذه النيران لا تؤدي إلى خسائر بشرية أو مادية، وإنما تستمر فى الاشتعال فقط، أما رواية الأهالى لا تقل غرابة، فيزعم بعضهم أن صاحب الفيلا اختلف مع شركاء له حول كنز استخرجوه ما أدى إلى قيامهم بسحر يتسبب فى إشعال النيران كل عام فى التوقيت نفسه تقريبا، وفى الطابق نفسه الذي شهد بحسب زعمهم قراءة الطلاسم بهدف استخراج الكنز، كما يدعون أن صاحب الفيلا تركها واتجه للعيش مع أسرته فى إحدى القرى بعيدا عن منزله فى المدينة خوفا من هذه النيران، وأنهى تقرير قناة الموقع الإخباري الأجنبي، تقريره بسؤال:" فهل تصدق حدوث هذه الراوية؟".
فور علمنا بهذه الواقعة الغريبة، والمثيرة، والمحيرة للعقل، والتي تضع علامات استفهام، يجب على مباحث المنيا فك طلاسمها، حتى لا تدع مجالا للغيبيات تتحكم فى العقول، وانتشار الخرافات ومفاهيم الدجل والشعوذة التي يلهث خلفها الأغنياء قبل الفقراء، والمثقفين قبل الجهلاء .. لهذا انتقلنا إلى مكان الفيلا التي تشتعل بها النيران، فى أوقات بعينها كل عام، بمدينة بني مزار بمحافظة المنيا، كانت الفيلا على بعد عدة أمتار من مدخل المدينة ، ما إن تقترب قدماك من المنزل فتجد رعباً ومأساة يعيشها أهل المنطقة من حرائق غامضة تلتهم طابقين بالفيلا ، بشكل مفاجئ كان آخرها منذ15 يوما.
تلك الحرائق ملأت حياتهم بالحيرة والرعب ، حيث تعيش أسرة صغيرة داخل فيلا مكونة من خمسة طوابق بطريق القاهرة أسوان الزراعي منذ سنوات ماضية داخلها، العجيب لا أحد يستطيع تفسير ما يحدث حتى الآن ، الجميع يوجه الاتهامات إلي "الجن" بسبب شئ غامض لايعرفه إلا قليل وفقا لمزاعم بعض الأهالي ، أن السبب الرئيسي في اشتعال النيران داخل المنزل خاصة أنها تشتعل في بداية شهريوليوحتى اغسطس من كل عام وفى هذا العام وقعت فى شهر سبتمبر، الأمر الذي زاد الأهالى حيرة وقلق حتي وقف الجميع مندهشين أمام هذه الحرائق الغريبة من نوعها و خاصة بعد تكررها ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات ماضية.
"أخبار الحوادث" رصدت حالة الفزع والرعب والخوف التي يعيشها أهالى مدينة بني مزار بعدما شهدت المدينة الواقعة التي كانت حديث الرأي العام بمحافظة المنيا بعد اشتعال النيران بأحد المنازل وادعاء الكثير حول أن الجن والعفاريت خلف تلك الحرائق، التقينا بعدد من الأهالي، الذين تحدثوا معنا فى البداية رافضين ذكر أسمائهم.
في البداية قال أحد أهالي المنطقة ويدعى "ح.م" ، أن واقعة حريق الفيلا المشارإليها بدأت منذ ثلاث سنوات ماضية والغريب أن في كل سنة في نفس الموعد من شهرأغسطس تشتعل النيران فجأة، وتسأل كيف للجن والعفاريت أن تشعل النار أريد أن أعلم؟، وما سبب أنها تقوم بإشعالها؟ ، الأمر الذي بات صعباً علي عقول الأهالي وأصابهم بحالة من الدهشة من شدة قسوة المشهد ، فعندما تشتعل النيران داخل المنزل، يكون الأمر صعبا!.
وأضاف، إن أحد الشيوخ ، قال لي في هذا التوقيت كل عام يحتفل أحد كبارالجن بعيد ميلاده فيتم إشعال النار علي إثر هذا الحفل عندما سمعت هذه الكلمات شعرت بظهور العفاريت تتحرك حولى في كل مكان وفقا لمزاعمه، و لا استطيع حتي المرور من أمام الفيلا من بعد سماع هذا الحديث.
التقينا لمالك الفيلا للحديث معه حول لغز الحريق ورفض الكلام.
الدكتورة آمنة نصير:خرافة وبدعة .. والدين لا يعترف بهذا العبث
وحتى لا نكون سببا فى الترويج لمثل هذه الخرافات والبدع، كان لابد من معرفة رأي علماء الدين .. فى البداية قالت الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بفرع جامعة الأزهر بالإسكندرية، أن مثل هذه الحرائق التي ينسبها البعض إلى أن سببها الجن والعفاريت وماغير ذلك من خرافات، تعد نوعا من أنواع الجهالة الموروثة فى المجتمع المصري، لا يستحق أبدا التعليق عليها، ولكن بعض الجهلاء هم من يروجون لذلك، لهذا ما كان لمثل هذه الأمور أن يتم الترويج لها، وتفسير مثل هذه الأمور يعد من الغيبيات.
وأضافت الدكتورة أمنة نصير، قائلة: لدينا عقل ونظرة للأمور يجب التفحص والتأمل وتشغيل العقل والتفكير ولا يجب التسليم بغيبيات ليس لها على أرض الواقع من وجود، ولكن يجب تفحيص وتمحيص الأسباب الأسباب التي تؤدي إلى هذه الحقائق أم هو إهمال، فلابد من إيجاد تفسير عقلي لمثل هذه الأمور، كما لابد من البحث والرد على سؤال ما هي أسباب اشتعال النيران والبحث العقلي وليس بالموروث.
وأوضحت نصير، أن تلك الأمور نوع من أنواع الجهل، وأسبابها أن العقل الأمي يرتاح لمثل هذه التفسيرات التي ترجعه إلى أمر عيني وهو العفريت والجن كما يزعمون.
ونوهت، لدينا عقل ودراسة اجتماعية وعلمية، يجب الاستناد إليها، كما أن المسئول عن هذا هو كل بيت يقع فيه مثل هذه الحوادث ويلهث خلف تلك الأسباب والغيبيات ولكنه يجب أن يكون على دراسة بأسباب هذا الأذى.
الدكتور جمال فرويز:السبب الفكر الوهابي الذي تسلل الينا في السبعينات
قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، مايحدث من هذه الأمور فى السنوات الأخيرة كان يحدث فى أوروبا فى العصور الوسطى، عصور الظلام الثقافي مصحوبة للغيبيات للتخلص من كل شيء ولا يبحث عن الأسباب الرئيسية عما نحن عليه.
وأضاف فرويز، أن الشخص المريض دائما يصور نفسه على انه ضحية والغيبيات سبب مشاكله، بينما الشخص السليم بيرجع ما هو فيه إلى نفسه ويعيد تطوير نفسه وبنائها بشكل سليم، وبالعودة إلى الخمسينيات والستينات، كانت مثل هذه الأمور قليلة ونادرة وعندما جاءت السبعينات وصل إلى إلينا ثقافة من الشرق وما أسموه بثقافة الوهابية وتم تعزيزها فى فترة من الفترات حتى انتشرت فى المجتمع، ولم يكن ذلك موجود وإن وجد كان قليل ولكن القنوات الفضائية الصفراء روجت لهذا، ولعدم وعي المواطنين صدقوا مثل هذه الأمور ومشوا خلفها، ولو بحثنا جيدا وراء تلك الحرائق سنجد أن هناك سبب علمي ومنطقي.
وأضاف، أن مثل هذه الخرفات تؤثر على الناس فى علاقاتها الإجتماعية ببعضهم البعض وتفكك الأسر وزيادة الطلاق، والإلحاد الديني، والمثلية الجنسية، وكثرة النصابين والنصب باسم الدين والكسب غير المشروع.
الدكتورة سوسن فايد: التغييب من حروب الجيل الرابع
وعن تأثير ذلك على المجتمع، استطلعنا رأي د. سوسن فايد أستاذة علم الإجتماع، بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية، حيث قالت: قبل أي شيء لابد التنويه على أن مجتمعاتنا مستهدفة، وعملية التغييب وعدم الوعي من حروب الجيل، فطوال الوقت المجتمعات تكون تلك المجتمعات فى حالة من تغييب للوعي للسيطرة عليهم ولخدمة أجندتهم.
وأشارت الدكتورة سوسن، أن هناك حملات على السوشيال ميديا يحاولون هؤلاء الذين يستهدفون مجتمعاتنا ويستغلون تلك الأمور ويسعون لتثبيت تلك المفاهيم التي تحث على السحر والشعوذة والخرافات، ويعتمدوا على مصادر موثوق فيها مثل قناة فضائية أو صحيفة ما تناولوا تلك الموضوعات لنشر ثقافة التجهيل والغيبيات والخرافات.
ونوهت، قائلة، أرى تلك الحرائق ورائها أسباب أخرى غير الجن والعفاريت وما يروج له من خرافات، وغير المعقول أن ورائه جن، بينما التدني فى التعليم لا يجعلهم يفسروا الحريق أو الحادث وأن يكون ورائه مكيدة أو إهمال أو انتقام أو خيانة وأسباب أخرى كثيرة وراء ذلك، ويجب دراسة كل حالة على حده.
وأوضحت، أن التسليم بان وراء ذلك جن أو عفريت فهي خرافة وجهل، ولابد من العمل على منظومة ثقافية عالية ونظام ثقافي لحل مثل المشكلات وتوعية الناس، لأن الرهان دائما على وعي الناس وذلك لن يتأتى إلا بتثقيفهم، وتوعية المجتمع.
