في الجمهورية الجديدة .. حان الوقت لبناء تكامل بين السينما و التلفزيون

خالد‭ ‬محمود‭ ‬
خالد‭ ‬محمود‭ ‬

خالد‭ ‬محمود‭ ‬

توقفت‭ ‬كثيرا‭ ‬أمام‭ ‬كلمة‭ ‬الناقد‭ ‬السينمائى‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬رضا،‭ ‬“عليك‭ ‬أن‭ ‬تغضب‭ ‬لأن‭ ‬محطات‭ ‬التلفزيون‭ ‬لا‭ ‬تشتري‭ ‬الأفلام‭ ‬الجيدة‭ ‬لعرضها‭ ‬ولا‭ ‬خطة‭ ‬لديها‭ ‬لتشجيع‭ ‬السينمائيين‭ ‬المستقلين،‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬معظمها‭ ‬برامج‭ ‬جادة‭ ‬عن‭ ‬السينما”‭. ‬

 

لخصت‭ ‬تلك‭ ‬الشهادة‭ ‬ما‭ ‬ناديت‭ ‬به‭ ‬طوال‭ ‬سنوات،‭ ‬نعم‭.. ‬وضع‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬جرح‭  ‬كبير‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬ينزف،‭ ‬وخلت‭ ‬مكتبة‭ ‬التليفزيون‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬جديدة،‭ ‬بجانب‭ ‬النزيف‭ ‬الأكبر‭ ‬الذى‭ ‬حدث‭ ‬فى‭ ‬غفوة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بتسريب‭ ‬رصيدنا‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬السينمائى‭.‬

باتت‭ ‬شاشتنا‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬حقوق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفلام،‭ ‬ولا‭ ‬تملك‭ ‬حتى‭ ‬شرعية‭ ‬تجديد‭ ‬عقودها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهى‭ ‬حق‭ ‬عرضها‭ ‬المهم‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬قد‭ ‬حدث،‭ ‬ولن‭ ‬نبكى‭ ‬على‭ ‬اللبن‭ ‬المسكوب،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬فى‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل،‭ ‬وأن‭ ‬نفكر‭ ‬فى‭ ‬كيفية‭ ‬شراء‭ ‬الأفلام‭ ‬الجديدة‭ ‬الجيدة‭ ‬للمخرجين‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬باتوا‭ ‬يشكلون‭ ‬وجهة‭ ‬مشرفة‭ ‬لنا‭ ‬فى‭ ‬المهرجانات‭ ‬السينمائية‭ ‬الكبرى‭.‬

وأعتقد‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬مكلفة،‭ ‬لأنها‭ ‬لشباب‭ ‬مستقلين،‭ ‬وبالتالى‭ ‬يشجعهم‭ ‬على‭ ‬الاستمرار،‭ ‬ونملأ‭ ‬مكتبات‭ ‬قنواتنا‭ ‬بأفلام‭ ‬جديدة‭ ‬يراها‭ ‬الجمهور،‭ ‬وتكون‭ ‬أيضا‭ ‬مادة‭ ‬خصبة‭ ‬للحوار‭ ‬والمناقشة‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬سينمائية‭ ‬متخصصة‭. ‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الانتاج‭ ‬يشكل‭ ‬ثروة‭ ‬قومية‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬ملكية‭ ‬الأفلام،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬فى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬ثروة‭ ‬شباب‭ ‬السينمائين‭ ‬المستقلين‭ ‬الذين‭ ‬يملكون‭ ‬مفاتيح‭ ‬السينما‭ ‬المعاصرة،‭ ‬بل‭ ‬وهم‭ ‬واجهة‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬الجديدة،‭ ‬هؤلاء‭ ‬باتوا‭ ‬يتسولون‭ ‬قنوات‭ ‬عرض‭ ‬بالخارج‭ ‬ومنافذ‭ ‬لمشاهدة‭ ‬أعمالهم،‭ ‬بل‭ ‬ويتسولون‭ ‬قنوات‭ ‬فرنسية‭ ‬وألمانية‭ ‬وخليجية‭ ‬لتمويل‭ ‬أفلامهم،‭ ‬وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬وهى‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تساهم‭ ‬قنواتنا‭ ‬فى‭ ‬إنتاج‭ ‬تلك‭ ‬الأفلام‭ ‬المستقلة‭ ‬ويكون‭ ‬لها‭ ‬حق‭ ‬العرض؟،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬يمكنها‭ ‬استثمارها‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬ببيع‭ ‬حقوقها‭ ‬لفترة‭ ‬محددة‭ ‬لمن‭ ‬يطلبها‭ ‬من‭ ‬قنوات‭ ‬تليفزيونية‭ ‬عربية،‭ ‬وذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬بالشراكة‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الجديد‭ ‬الذى‭ ‬تم‭ ‬تدشين‭ ‬مجلس‭ ‬إدارته‭ ‬مؤخرا‭ ‬وهو‭ ‬“الشركة‭ ‬القابضة‭ ‬للاستثمار‭ ‬فى‭ ‬الصناعات‭ ‬السينمائية”‭ ‬لتحقيق‭ ‬الطموحات‭ ‬فى‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬كيان‭ ‬اقتصادي‭ ‬منوط‭ ‬بتطوير‭ ‬ودعم‭ ‬المنتج‭ ‬السينمائى‭ ‬المصرى،‭ ‬وتحقيقا‭ ‬للصالح‭ ‬العام‭ ‬بما‭ ‬يلبى‭ ‬طموحات‭ ‬وطن‭ ‬عرف‭ ‬بريادته‭ ‬الحضارية‭ ‬فى‭ ‬السينما‭. ‬

الشركة‭ ‬تضم‭ ‬مؤسستين‭ ‬تابعتين‭ ‬إحداهما‭ ‬للسينما،‭ ‬فأى‭ ‬هدف‭ ‬سيكون‭ ‬أسمى‭ ‬من‭ ‬الوقوف‭ ‬بجانب‭ ‬شباب‭ ‬السينمائيين‭ ‬ورعايتهم‭ ‬والمساهمة‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬أحلامهم‭ ‬بالانتاج‭ ‬وفتح‭ ‬منافذ‭ ‬للعرض،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة‭ ‬ستكون‭ ‬مفيدة‭ ‬للغاية،‭ ‬ولن‭ ‬تكلف‭ ‬ماسبيرو‭ ‬الكثير‭.‬

أرجو‭ ‬من‭ ‬حسين‭ ‬زين‭ ‬رئيس‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للإعلام‭ ‬والدكتورة‭ ‬إيناس‭ ‬عبدالدايم‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬أن‭ ‬يلتفا‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬الذى‭ ‬يضيف‭ ‬بالفعل،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬إلى‭ ‬أهداف‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ويسير‭ ‬فى‭ ‬ركابها،‭ ‬وهناك‭ ‬عشرات‭ ‬المشاريع‭ ‬السينمائية‭ ‬الجاهزة‭ ‬وأخرى‭ ‬فى‭ ‬مراحل‭ ‬التطوير،‭ ‬وأدعوهما‭ ‬إلى‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬تترات‭ ‬الأفلام‭ ‬التى‭ ‬يقدمها‭ ‬شباب‭ ‬السينما‭ ‬المستقلة‭ ‬بل‭ ‬وكبارهم،‭ ‬سيجدون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬تليفزيونية‭ ‬ومراكز‭ ‬قومية‭ ‬سينمائية‭ ‬تشارك‭ ‬فى‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتوزيع‭.‬

وهذا‭ ‬لم‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬قدر‭ ‬أحد‭ ‬بل‭ ‬يواجه‭ ‬بالفخر،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نسير‭ ‬بهذا‭ ‬النهج‭ ‬الاستثماري‭ ‬الناجح‭ ‬للقنوات‭ ‬التليفزيونية‭ ‬والذى‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تواجد‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلى‭ ‬وعلى‭ ‬الشاشات‭ ‬الدولية‭.‬

انظروا،‭ ‬رغم‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القنوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬استثمرت‭ ‬فى‭ ‬السينما‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬210‭ ‬ملايين‭ ‬يورو‭ ‬،‭ ‬ولاتزال،‭ ‬وخصصت‭ ‬مساعدات‭ ‬تفوق‭ ‬قيمتها‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭ ‬لدعم‭ ‬العاملين‭ ‬فى‭ ‬قطاع‭ ‬السينما‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬الضغوط‭ ‬التى‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬بسبب‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬لمكافحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭.‬

مؤخرًا،‭ ‬تم‭ ‬رسميا‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬شركة‭ ‬للإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬والفني‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السينما‭ ‬والسمعي‭ ‬البصري‭ ‬وفن‭ ‬التصوير‭ ‬وشركة‭ ‬“CineArts”‭   ‬هي‭ ‬شركة‭ ‬متخصصة‭ ‬بإنتاج،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية،‭ ‬والمسلسلات‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬وتقديم‭ ‬الاستشارات،‭ ‬والخدمات‭ ‬التقنية،‭ ‬كما‭ ‬تعنى‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬دورات‭ ‬مجانية،‭ ‬وما‭ ‬يليها‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭. ‬ومن‭ ‬مهام‭ ‬الشركة‭ ‬أيضاً‭ ‬هو‭ ‬اكتشاف‭ ‬المواهب،‭ ‬وتدريبها‭ ‬،‭ ‬وأحداثها‭. ‬

حان‭ ‬الوقت‭ ‬لبناء‭ ‬تكامل‭ ‬بين‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ ‬ولا‭ ‬داعى‭ ‬لمحاولة‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬السلبي‭ ‬لهذه‭ ‬العلاقة‭ ‬على‭ ‬استقلالية‭ ‬السينما‭ ‬ومستواها‭ ‬الفني‭ ‬والابداعي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬وعى‭ ‬بطبيعة‭ ‬الدور‭ ‬والهدف‭ ‬ونرجس‭ ‬وحرية‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭.‬

فى‭ ‬المغرب‭ ‬دفع‭ ‬المسولون‭ ‬القناتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬الانتاج‭ ‬السينمائي‭. ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬مساهمتها‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬15‭ ‬شريطا‭ ‬سينمائياً‭. ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬شهدت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الشراكة‭ ‬الوثيقة‭ ‬بين‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬والسينما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإنتاج‭ ‬بفضل‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬القنوات‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مداخيل‭ ‬مهمة‭ ‬للفن‭ ‬السابع،‭ ‬رغم‭ ‬نظرة‭ ‬الشك‭ ‬والريبة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يلقيها‭ ‬الكثيرون‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬التلفزيون‭ ‬يُضعف‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬للعمل‭ ‬السينمائي‭ ‬وقد‭ ‬يترك‭ ‬أثرا‭ ‬على‭ ‬المتطلبات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالشاشة‭ ‬الكبيرة‭.‬

ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬تجربة‭ ‬التنسيق‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬بين‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الغربية‭ ‬مثل‭ ‬إيطاليا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وسويسرا‭ ‬شكل‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬وسيلة‭ ‬فعالة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬السينما‭ ‬من‭ ‬أزمتها‭ ‬ومواجهة‭ ‬هيمنة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬شاشاتها‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة‭ ‬معاً،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬للإنتاج‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭.‬

وهنا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬حقيقة‭ ‬الوضعية‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬عليها‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزيون‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وعن‭ ‬دور‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬العربية‭ ‬الأرضية‭ ‬والفضائية‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬إطار‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتوزيع،‭ ‬ومدى‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشاشتين،‭ ‬علاقة‭ ‬التلفزيون‭ ‬بالسينما‭ ‬كانت‭ ‬حتما‭ ‬فى‭ ‬صراع‭  ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬ولكنها‭ ‬ستكون‭ ‬حتما‭ ‬تكاملية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬