العنف المنـزلي .. كابوس يهدد النساء

الضحية ولاء  خالد
الضحية ولاء خالد

كتبت: هبة عبد الرحمن

صوتها ملائكي ضعيف ووجهها مبتسم بملامحه الرقيقة، لكن الدموع لم تتوقف لحظة فى عينيها، وهى تروى تفاصيل مأساتها وما تعرضت له على يد زوجها وحماتها من عنف أسري كادت أن تفقد حياتها، وبعد أن كان حلم والديها تزويجها طبقا للعرف المتبع فى العائلة الريفية، والاطمئنان عليها فى بيت «العدل» كما هو دارج بالتراث الشعبي، مع زوج يكون سندا لها، تحول الامر إلى كابوس انتهى بالجرى فى المحاكم بعد أقل من عام زواج وهى تحمل طفلتها الرضيعة على كتفها، حتى تحصل المسكينة على حقوقها الضائعة.

حصلت الشابة المسكينة «ولاء خالد» التى لم يتعد عمرها 22 عامًا على عدد من الاحكام القضائية خلال الثلاث سنوات الماضية، على رأسها حكم بحبس الزوج عامين بسبب ضربه لها ضربًا مبرحًا تسبب فى إصابات بالغة وصدر ضبط وإحضار له، إلا أن جميع الاحكام صارت حبرًا على ورق لم تنفذ ايًا منها، وعلى النقيض يطاردها هو بدعوى طاعة فى اكثر من محكمة اسرة حتى تأخذ المحاكم «كعب داير» ويرسل لها هو ووالدته رسائل تهديد بدعوى أنه على علاقة بشخصيات تحميه، فلجأت الى «اخبار الحوادث» لعرض مأساتها وتنادى بطلب المساعدة من المسئولين عن تنفيذ الاحكام بميت غمر بمحافظة الدقهلية للوقوف بجوارها فى استرداد حقوقها من زوجها وحمايتها من بطشه وتهديداته.

الخيانة مبكرًا

تقول «ولاء» بصوت هادئ حزين: تعارفنا كان تقليديًا، فالعادات فى عائلتنا تزويج الفتاة مبكرا حتى يكون لها اسرتها وحياتها المستقلة، عرفته عن طريق احدى قريباتنا وبالغت فى وصف أخلاقه، كان وقتها عمرى لايتعدى 17عاما وهو يكبرنى بثلاث سنوات، تبادلنا الحب من النظرة الاولى واستمرت خطبتنا ثلاث سنوات حتى انهيت دراستي بالحصول على شهادة دبلوم تجارة، تم الزواج عام 2019، وسط فرحة الاهل والجيران، وبعد وعود كثيرة منه بالسعادة والحياة الزوجية المستقرة واحلام ورديه رسمها لى، وبعد الزواج بأيام هبت عاصفة المشاكل؛ رأيت نوعا آخر من الرجال لا اعرف عنه شيئًا، غير مسئول ومستهتر ولا يفكر فى الخروج للعمل، ورغم أن والدى موظف بسيط لكنه علمنى قيمة العمل واشقائى الذكور، الجميع يخرج للعمل لكسب الرزق، ولا يوجد شيء اسمه يعتمد على زوجته أو تساعده فى أى شيء، بل على النقيض كان ابى يكسب المال ويعطيه لامى لتدبر حالها، أما زوجى فقد عمل النقيض تمامًا.

عند خطوبتنا كان يعمل فرد أمن فى احدى الشركات، يتقاضى ثلاثة آلاف جنيه قابلة للزيادة، وبعد الزواج بأيام انقطع عن العمل بحجة «مش عاجبه»، وعندما طلبت منه المال قال «هتصرف» ذهب لوالدته أخذ منها المال، أيام قليلة وصرت حاملا، اعتقدت أن حاله سوف يتغير بعدما عرف خبر حملى وسيبحث عن فرصة عمل اخرى، لكنه ازداد سوءًا، يقضى طوال الليل جالسًا امام هاتفه على الانترنت وينام طول النهار، حتى اكتشفت خيانته.

رغم علمى بخيانته لكنى لم أفضح امره وحاولت إصلاحه، طلبت منه الابتعاد عن هذا الطريق الذي يدمر البيوت، حتى تصرفاته صارت غريبة معى أثناء العلاقة الزوجية، إلا أنه لم يراع أى شيء، وساءت العلاقة بيننا رغم انه لم يمر على زواجنا سوى اشهر قليلة، حتى بدأ يمد يده علىّ وانا حامل فى شهرى الخامس، وكنت سأتعرض للاجهاض.

المفاجأة أن أمه قالت؛ «الرجالة كلهم عندنا بيضربوا ستاتهم هى جت عليكي انتى!»،استكملت شهور حملى كلها عند ابى، حتى عاد زوجى يصالحنى قبل ولادتى بأسبوع؛ كان يخطط لسرقة مصوغاتى الذهبية ليبيعها استعدادًا للولادة.

حكم حبس

تقول «ولاء» بأسى بالغ: غلطتى الكبرى انى طاوعته وأعطيته مصوغاتى، ذهبت معه الى الصاغه لبيع المجوهرات، وفى الشارع حدثت بيننا مشادة على أثرها شتمني فى الشارع امام المارة، ورغم انه باع جزءا من الذهب إلا أنه لم يعطني ما تبقى منه، وبعد الإنجاب عدت لبيتى وحضرت امى لخدمتى، وكنا فى شهر رمضان وكان زوجى يعامل امى بطريقة جيدة اول يومين، لكنه فجأة انقلب حاله رأسا على عقب، إهانات مستمرة امام أمي، بعد يومين ظهرت على ابنتى اعراض إصابتها بالصفرة التى تصيب حديثى الولادة، فوجئت به يتهمني بالتقصير رغم أنه مرض معروف أن الصغار يصابون به، حضر ابى للاطمئنان على، فاشتعلت المشكلة بين والدى وزوجي، وسيل من الاتهامات والشتائم أخذ يكيلهم لأبي وأمي، كل ذلك وامه تقف تشاهده ولا تقول لابنها «عيب» أو تعتذر لابى وامى، وتركانى والداى وعادا لمنزلهما، كان قد مر على ولادتى اربعة ايام فقط وكانت ولادة قيصرية مؤلمة، لكن لم يرحمنى زوجى وامه، أو يرحما ضعفى،وفوجئت بهما دون شفقه ينهالا علي بالضرب وانا جالسة على السرير لا اقوى على التحرك.

يضيع صوت «ولاء» وهى تتحدث وراء بكائها الشديد عندما تذكرت ما حدث معها وقالت:لا يمكن أن انسى ذلك اليوم، قضى زوجى وامه طوال الوقت من الساعه 5 المغرب إلى الساعات الاولى من فجر اليوم التالى وهما يضرباني، حتى انى لم استطع إرضاع ابنتى الصغيره من شدة الخوف، بجانب السباب والشتائم المستمرة، بعدها استغليت خروج حماتي وذهاب زوجى فى نوم عميق وارتديت «عباءتى السوداء» واحتضنت ابنتى الصغيرة، خرجت اجرى من البيت حتى ذهبت لبيت ابى، وبمجرد ان فتحوا الباب سقطت من شدة الإعياء.

أسرع ابى بحملى إلى قسم شرطة ميت غمر وعمل تقرير طبى الذى أثبت اصابتى فى انحاء متفرقة من جسدى؛ كدمات وتورم فى الوجه والرأس من الضرب؛ بعدها أسرعت إلى محكمة الاسرة وتقدمت بدعوى طلاق للضرر ونفقة زوجية ونفقة للصغيرة والحصول على قائمة المنقولات، وقد حصلت على حكم بنفقة لى ولابنتى بمبلغ 110جنيه شهريًا لكنى لم أتمكن من تنفيذ الحكم، كما حصلت على الحكم منذ فترة قريبة بحبسه عامين بسبب واقعة الضرب، وصدر ضبط واحضار برقم 16720 لسنة 2021 له منذ ايام لكن ايضا لم ينفذ.

الغريب انى فوجئت به منذ ذلك الوقت وهو يطاردنى تارة بإنذار طاعة، اعترضت عليه أمام محكمة أسرة ميت غمر، وتارة اخرى بإنذار طاعة امام محكمة اسرة المنصورة، فاضطر للسفر إلى هناك لعمل اعتراض، ومنذ ايام قليلة عاد مرة اخرى ورفع إنذار طاعة جديد امام محكمة اسرة ميت غمر، لم يكلف نفسه بعمل دعوى رؤية لابنته أو ينفق عليها جنيها واحدًا.

وأنهت «ولاء»  كلامها بأسى بالغ قائلة: حصلت على أحكام كثيره ضده ما عدا قضية الطلاق لاتزال منظورة امام المحكمة، وللأسف لم ينفذ حكم واحد منها، ويقوم هو وامه بتهديدى وإرسال رسائل بأنى لن أحصل على شيء منه، أبي حالته المادية بسيطه ولدى شقيق معاق ذهنيًا ويحتاج لعلاج شهرى مكلف، وشقيقى يخرج للعمل وهو فى المرحلة الثانوية، كل ما اطلبه هو تنفيذ كل الاحكام التي حصلت عليها والأهم حكم النفقة.

قانون لضرب الحبيب

النائبة أمل سلامة عضو لجنة الاعلام بمجلس النواب تقول؛ تقدمت بمشروع قانون منذ فترة قليلة طالبت فيه بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات بشأن تغليظ عقوبة التعدي على الزوجة التي هي الحبيبة والشريك بالضرب من قبل الزوج، فيجب سرعة اقرار قانون العنف الاسرى وقانون ضرب الزوجات لوضع حد لظاهرة العنف الاسرى، حيث لايوجد نص فى القانون يعاقب على تلك الجريمة.

فالعنف الاسرى ضد المرأة والاطفال مازال الاكثر انتشارا، حيث دائما ما يفلت الجانى من جريمته إما بصمت المرأة وعدم لجوئها للقضاء أو لعدم وجود نص فى قانون العقوبات يجرم العنف الاسرى ضد المرأة،ودائما ما يبرر الرجل العنف باعتباره حق للزوج على زوجته.

الإيذاء النفسي أخطر

تقول نيرمين أبو سالم مؤسسة مجموعة أمهات معيلات، والتى أطلقت حملة هاشتاج «العنف الاسرى» لأخبار الحوادث:من أهم أسباب الطلاق طبقًا لقضايا الطلاق للضرر المنظورة امام محاكم الاسرة؛ الخيانة الزوجية أو الزواج من أخرى، يليهم العنف الأسرى ثم عدم تحمل الرجل للمسئولية، وهناك أضرار نفسية تقع على المرأة لا تعرف اثباتها بالدليل القطعى، وبالتالى لا تستطيع رفع دعوى طلاق للضرر، فتلجأ للخلع وتتنازل عن كافة حقوقها على الرغم أنه فعليًا واقع عليها ضرر تستحق معه الحصول على حقوقها، وهناك ازواج لا يقومون بدورهم فى تحمل المسئولية تجاه بيته، ويترك كل شيء على عاتق الزوجة التى تضطر للعمل والإنفاق على البيت، بل أن هناك من يأخذ المال من زوجته فيكون وجوده مثل عدمه، وتضطر للحياة معه عملا بالمثل الشعبي الدارج، «ضل رجل ولا ضل حيطه»، وهناك زوج سليط اللسان دائم التعدى بالشتم والسباب وإهانة ومعاملة غير كريمة لا تمت للإنسانية، وهناك من تتعرض للضرب على يد زوجها ولا يمكن اثباته إلا إذا تعرضت للتشويه أو تسبب لها فى عاهة، وكلها أضرار قد يُصعب على المرأة إثباتها، لكن في الوقت ذاته وهذا شيء إيجابي؛ أن الفتيات حديثي الزواج الآن اكثر وعيًا، فالعولمة ووسائل التواصل الاجتماع جعلت المراة اكثر إدراكًا لحقوقها واكثر رفضًا للإهانة أو الانتقاص من كرامتها، لذلك أطالب بتغليظ عقوبة العنف الاسرى حتى يفكر الرجل ألف مرة قبل أن يمد يده على زوجته او ينتهك حقوقها الإنسانية.

 دور الدراما والإعلام

تقول الدكتورة إيمان عبد الله استشاري الطب النفسي والعلاج الاسرى: لدى الانسان اتجاه فطرى للعنف ولكن الله خلق هذا الدافع داخلنا للدفاع عن انفسنا فى حالة الخطر وليس للتعامل به فى حياتنا، اسباب العنف الاسرى كثيرة منها؛ أن الزوج غير قادر على التكيف مع حياته الاسرية وتحقيق أهدافه مع شريكة حياته، وغياب وجود لغة حوار مشتركة بينهما، أيضًا لا ننسى اسلوب التربية والتنشئة الاجتماعية؛ فيخرج الابن لديه ثقافة ذكورية ونظرة عدوانية للمرأة، ومع ذلك فالأسرة المصرية من أكثر الأسر فى العالم لديها عادات وتقاليد وقيم، وحتى نعظم دور الأسرة يجب على الإعلام والدراما خاصة الابتعاد عن تصدير مشاهد العنف للناس.